مَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الدِّينِ فِي تَعَبُّدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ ؟ وَكَيْفَ كَانَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي شَرِيعَتِنَا . فَإِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُطِيعَ الرَّسُولَ فِيمَا أَمَرَنَا بِهِ وَنَقْتَدِيَ بِهِ بَعْدَ إرْسَالِهِ إلَيْنَا . وَأَمَّا مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِثْلَ تَحَنُّثِهِ بِغَارِ حِرَاءَ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ : فَهَذَا لَيْسَ سُنَّةً مَسْنُونَةً لِلْأُمَّةِ ; فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ يَذْهَبُ إلَى غَارِ حِرَاءَ وَلَا يَتَحَرَّى مِثْلَ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَنْ نَقْصِدَ غِيرَانَ الْجِبَالِ وَلَا نَتَخَلَّى فِيهَا ; بَلْ يُسَنُّ لَنَا الْعُكُوفُ بِالْمَسَاجِدِ سُنَّةً مَسْنُونَةً لَنَا . وَأَمَّا قَصْدُ التَّخَلِّي فِي كُهُوفِ الْجِبَالِ وَغِيرَانِهَا وَالسَّفَرِ إلَى الْجَبَلِ لِلْبَرَكَةِ : مِثْلَ جَبَلِ الطُّورِ وَجَبَلِ حِرَاءَ وَجَبَلِ يَثْرِبَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ : فَهَذَا لَيْسَ بِمَشْرُوعِ لَنَا ; بَلْ قَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ } وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ يَحُجُّ وَيَتَصَدَّقُ وَيَحْمِلُ الْكُلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبَ الْحَقِّ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ الْمُشْرِكِينَ ; صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .