وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ أَعْطَاهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ إقْطَاعًا وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمُكَوَّسِ . فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا أَوْ يَقْطَعُهَا لِأَجْنَادِهِ أَوْ يَصْرِفُهَا فِي عَلَفِ خُيُولِهِ وجامكية الْغِلْمَانِ ؟ .
فَأَجَابَ - الْحَمْدُ لِلَّهِ - أَمَّا الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْجِهَاتِ فَلَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةٍ وَلَيْسَ كُلُّهُ حَرَامًا مَحْضًا ; بَلْ فِيهِ مَا هُوَ حَرَامٌ وَفِيهِ مَا يُؤْخَذُ بِحَقِّ وَبَعْضُهُ أَخَفُّ مِنْ بَعْضٍ . فَمَا عَلَى السَّاحِلِ وَإِقْطَاعِهِ أَخَفُّ مِمَّا عَلَى بَيْعِ الْعَقَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ السِّلَعِ وَمِمَّا عَلَى سُوقِ الْغَزْلِ وَنَحْوِهِ . فَإِنَّ هَذَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَإِنَّهُ ظُلْمٌ بَيِّنٌ . وَكَذَلِكَ ضَمَانُ الْإِفْرَاجِ فَإِنَّهُ قَدْ يُؤْخَذُ إمَّا مِنْ الْفَوَاحِشِ الْمُحَرَّمَةِ وَإِمَّا مِنْ الْمُنَاكِحِ الْمُبَاحَةِ فَهَذَا ظُلْمٌ وَذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى الْفَوَاحِشِ الَّتِي تُسَمَّى " مَغَانِيَ الْعَرَبِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَإِنَّ هَذَا فِيهِ ضَمَانُ الْحَانَةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ . فَهَذَا أَقْبَحُ مَا يَكُونُ بِخِلَافِ سَاحِلِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُظْلَمُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ . لَكِنَّ أَهْلَ الْإِقْطَاعَاتِ الْكَثِيرَةِ الَّذِينَ أَقْطَعُوا أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّونَهُ إذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا بَعْضُ الزِّيَادَةِ لَمْ يَكُنْ هَذَا ظُلْمًا وَإِقْطَاعُهُ أَصْلُهَا زَكَاةٌ لَكِنْ زِيدَ فِيهَا ظُلْمٌ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ كَانَ فِي إقْطَاعِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَجْعَلْ الْحَلَالَ الطَّيِّبَ لِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ ثُمَّ الَّذِي لِلنَّاسِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ يَجْعَلُ لِعَلَفِ الْجِمَالِ وَيَكُونُ عَلَفُ الْخَيْلِ أَطْيَبَ مِنْهَا فَإِنَّهَا أَشْرَفُ وَيُعْطِي الَّذِي يَلِيهِ لِلدَّبَادِبِ وَالْبُوقَاتِ والبازيات وَنَحْوِهِمْ . فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } فَعَلَى كُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ وَمَا لَمْ يُمْكِنْ إزَالَتُهُ مِنْ الشَّرِّ يُخَفَّفُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ الرُّسُلَ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا .