مسألة سابقة
متن:
فَصْلٌ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ يَكُونَانِ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فِي قَدَرِ اللَّهِ وَفِي شَرْعِهِ : فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْعَدْلِ الَّذِي تَقُومُ بِهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ; كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا } وَقَالَ : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ } . وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ } . وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ . } وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا } . وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ } . وَلِهَذَا قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ وَشَرَعَ قَطْعَ يَدِ الْمُحَارِبِ وَرِجْلِهِ ; وَشَرَعَ الْقِصَاصَ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَبْشَارِ فَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْصِيَةِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمَشْرُوعُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مِثْلَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَاهِدِ الزُّورِ إنَّهُ أَمَرَ بِإِرْكَابِهِ دَابَّةً مَقْلُوبًا وَتَسْوِيدِ وَجْهِهِ ; فَإِنَّهُ لَمَّا قَلَبَ الْحَدِيثَ قَلَبَ وَجْهَهُ وَلَمَّا سَوَّدَ وَجْهَهُ بِالْكَذِبِ سَوَّدَ وَجْهَهُ . وَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ فِي تَعْزِيرِ شَاهِدِ الزُّورِ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا } { قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } . وَفِي الْحَدِيثِ : { يُحْشَرُ الْجَبَّارُونَ والمتكبرون عَلَى صُوَرِ الذَّرِّ يَطَؤُهُمْ النَّاسُ بِأَرْجُلِهِمْ } فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَذَلُّوا عِبَادَ اللَّهِ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ لِعِبَادِهِ كَمَا أَنَّ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ ; فَجَعَلَ الْعِبَادَ مُتَوَاضِعِينَ لَهُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يُصْلِحُنَا وَسَائِرَ إخْوَانِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَيُوَفِّقُنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَسَائِرِ إخْوَانِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .