مسألة تالية
				
				
				
				متن:
				 وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ   بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ  مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا  وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ  فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ  فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا  شَرِيكَ لَهُ .  وَأَشْهَدُ  أَنَّ   مُحَمَّدًا  عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى  وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ  عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا .  أَرْسَلَهُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا  مُنِيرًا فَهَدَى  بِهِ  مِنْ الضَّلَالَةِ وَبَصَّرَ  بِهِ  مِنْ الْعَمَى  وَأَرْشَدَ  بِهِ  مِنْ الْغَيِّ وَفَتَحَ  بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا . فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ الْأُمَّةَ وَجَاهَدَ  فِي اللَّهِ  حَقَّ جِهَادِهِ  وَعَبَدَ  رَبَّهُ حَتَّى  أَتَاهُ الْيَقِينُ  مِنْ  رَبِّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ  وَعَلَى  آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا . فَفَرْقٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالرَّشَادِ وَالْغَيِّ وَطَرِيقِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَطَرِيقِ أَهْلِ النَّارِ وَبَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ . فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالدِّينُ مَا  شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .  وَقَدْ  أَرْسَلَهُ اللَّهُ إلَى الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ  فَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُؤْمِنَ  بِهِ وَبِمَا جَاءَ  بِهِ وَيَتَّبِعَهُ  فِي بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ وَالْإِيمَانُ  بِهِ  وَمُتَابَعَتُهُ هُوَ سَبِيلُ اللَّهِ وَهُوَ دِينُ اللَّهِ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَهُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَهُوَ طَرِيقُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَهُوَ الْوَسِيلَةُ الَّتِي  أَمَرَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ  فِي قَوْله تَعَالَى   {   يَا  أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إلَيْهِ الْوَسِيلَةَ   }  فَابْتِغَاءُ الْوَسِيلَةِ إلَى اللَّهِ إنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ   تَوَسَّلَ إلَى اللَّهِ  بِالْإِيمَانِ   بِمُحَمَّدِ  وَاتِّبَاعِهِ   .  وَهَذَا التَّوَسُّلُ  بِالْإِيمَانِ  بِهِ وَطَاعَتِهِ فَرْضٌ  عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بَاطِنًا وَظَاهِرًا  فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَبَعْدَ مَوْتِهِ  فِي مَشْهَدِهِ  وَمَغِيبِهِ لَا يُسْقِطُ التَّوَسُّلَ  بِالْإِيمَانِ  بِهِ وَبِطَاعَتِهِ عَنْ أَحَدٍ  مِنْ الْخَلْقِ  فِي  حَالٍ  مِنْ الْأَحْوَالِ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَلَا بِعُذْرِ  مِنْ الْأَعْذَارِ . وَلَا طَرِيقَ إلَى كَرَامَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَالنَّجَاةِ  مِنْ هَوَانِهِ وَعَذَابِهِ إلَّا التَّوَسُّلُ  بِالْإِيمَانِ  بِهِ وَبِطَاعَتِهِ . وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  شَفِيعُ الْخَلَائِقِ صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَغْبِطُهُ  بِهِ الْأَوَّلُونَ والآخرون فَهُوَ أَعْظَمُ الشُّفَعَاءِ قَدْرًا  وَأَعْلَاهُمْ جَاهًا عِنْدَ اللَّهِ وَقَدْ  قَالَ تَعَالَى عَنْ  مُوسَى   {  وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا   }  وَقَالَ عَنْ  الْمَسِيحِ   {   وَجِيهًا  فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ   }  .   وَمُحَمَّدٌ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَعْظَمُ جَاهًا  مِنْ جَمِيعِ  الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ; لَكِنْ شَفَاعَتُهُ وَدُعَاؤُهُ إنَّمَا يَنْتَفِعُ  بِهِ مَنْ شَفَعَ لَهُ الرَّسُولُ  وَدَعَا لَهُ فَمَنْ  دَعَا لَهُ الرَّسُولُ وَشَفَعَ لَهُ تَوَسَّلَ إلَى اللَّهِ بِشَفَاعَتِهِ وَدُعَائِهِ  كَمَا  كَانَ أَصْحَابُهُ يَتَوَسَّلُونَ إلَى اللَّهِ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ  وَكَمَا يَتَوَسَّلُ النَّاسُ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ إلَى اللَّهِ  تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ  وَعَلَى  آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .  وَلَفْظُ ( التَّوَسُّلِ  فِي عُرْفِ الصَّحَابَةِ  كَانُوا يَسْتَعْلِمُونَهُ  فِي  هَذَا الْمَعْنَى . وَالتَّوَسُّلُ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ يَنْفَعُ مَعَ  الْإِيمَانِ  بِهِ  وَأَمَّا بِدُونِ  الْإِيمَانِ  بِهِ فَالْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ  فِي الْآخِرَةِ . وَلِهَذَا نُهِيَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ لِعَمِّهِ  وَأَبِيهِ وَغَيْرِهِمَا  مِنْ الْكُفَّارِ وَنُهِيَ عَنْ  الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُنَافِقِينَ   وَقِيلَ لَهُ :   {  سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَسْتَغْفَرْتَ  لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ  لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ  لَهُمْ   }  وَلَكِنَّ الْكُفَّارَ يَتَفَاضَلُونَ  فِي الْكُفْرِ  كَمَا يَتَفَاضَلُ أَهْلُ  الْإِيمَانِ  فِي  الْإِيمَانِ  قَالَ تَعَالَى : {   إنَّمَا النَّسِيءُ  زِيَادَةٌ  فِي الْكُفْرِ   }  . فَإِذَا  كَانَ  فِي الْكُفَّارِ مَنْ  خَفَّ كُفْرُهُ بِسَبَبِ نُصْرَتِهِ وَمَعُونَتِهِ فَإِنَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتُهُ  فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْهُ لَا  فِي إسْقَاطِ الْعَذَابِ بِالْكُلِّيَّةِ  كَمَا  فِي   صَحِيحِ  مُسْلِمٍ  عَنْ   {  الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ  أَنَّهُ  قَالَ : قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلْ نَفَعْت  أَبَا طَالِبٍ  بِشَيْءِ فَإِنَّهُ  كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ  لَك ؟  قَالَ : نَعَمْ هُوَ  فِي ضِحْضَاحٍ  مِنْ نَارٍ وَلَوْلَا أَنَا  لَكَانَ  فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ  مِنْ النَّارِ   }  وَفِي لَفْظٍ   {   : إنَّ  أَبَا طَالِبٍ  كَانَ يَحُوطُكَ وَيَنْصُرُك وَيَغْضَبُ  لَك فَهَلْ نَفَعَهُ  ذَلِكَ ؟  قَالَ نَعَمْ وَجَدْته  فِي  غَمَرَاتٍ  مِنْ نَارٍ فَأَخْرَجْته إلَى ضِحْضَاحٍ   }  وَفِيهِ   {   عَنْ  أَبِي سَعِيدٍ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ  أَبُو طَالِبٍ  فَقَالَ  لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ  الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ  فِي ضِحْضَاحٍ  مِنْ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ   }  وَقَالَ   {   إنَّ  أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا  أَبُو طَالِبٍ  وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ  مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ   }  .  وَكَذَلِكَ يَنْفَعُ دُعَاؤُهُ  لَهُمْ بِأَنْ لَا يُعَجَّلَ عَلَيْهِمْ الْعَذَابُ  فِي الدُّنْيَا  كَمَا  كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يَحْكِي نَبِيًّا  مِنْ  الْأَنْبِيَاءِ  ضَرَبَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ يَقُولُ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " . وَرُوِيَ  أَنَّهُ  دَعَا  بِذَلِكَ أَنْ اغْفِرْ  لَهُمْ  فَلَا تُعَجِّلْ عَلَيْهِمْ الْعَذَابَ  فِي الدُّنْيَا ;  قَالَ تَعَالَى : {   وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا  تَرَكَ  عَلَى ظَهْرِهَا  مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى   }  .  وَأَيْضًا فَقَدْ يَدْعُو لِبَعْضِ الْكُفَّارِ بِأَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ أَوْ يَرْزُقَهُ فَيَهْدِيَهُ أَوْ يَرْزُقَهُ  كَمَا  دَعَا لِأُمِّ  أَبِي هُرَيْرَةَ  حَتَّى هَدَاهَا اللَّهُ  وَكَمَا  دَعَا   لِدَوْسِ  فَقَالَ   {   اللَّهُمَّ اهْدِ   دَوْسًا  وَأْتِ بِهِمْ   }  فَهَدَاهُمْ اللَّهُ  وَكَمَا رَوَى  أَبُو داود  أَنَّهُ اسْتَسْقَى لِبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ  لَمَّا طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ  لَهُمْ فَاسْتَسْقَى  لَهُمْ  وَكَانَ  ذَلِكَ إحْسَانًا مِنْهُ إلَيْهِمْ يَتَأَلَّفُ  بِهِ قُلُوبَهُمْ  كَمَا  كَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ بِغَيْرِ  ذَلِكَ . وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ  عَلَى  أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَعْظَمُ الْخَلْقِ جَاهًا عِنْدَ اللَّهِ لَا  جَاهَ لِمَخْلُوقِ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ  مِنْ  جَاهِهِ وَلَا شَفَاعَةَ أَعْظَمُ  مِنْ شَفَاعَتِهِ .  لَكِنَّ دُعَاءَ  الْأَنْبِيَاءِ وَشَفَاعَتَهُمْ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ  الْإِيمَانِ بِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ  فَإِنَّ  الْإِيمَانَ بِهِمْ وَطَاعَتَهُمْ يُوجِبُ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ وَالنَّجَاةَ  مِنْ الْعَذَابِ مُطْلَقًا وَعَامًّا فَكُلُّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مُطِيعًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ  كَانَ  مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ قَطْعًا وَمَنْ مَاتَ كَافِرًا بِمَا جَاءَ  بِهِ الرَّسُولُ  كَانَ  مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَطْعًا .