تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ بَيْعِ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ وَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ ذَوَاتِ الْقُشُورِ : هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ؟ وَهَلْ يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِهِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ بِالْمُعَاقَدَةِ ؟ وَاللِّفْتُ وَالْجَوْزُ وَالْقُلْقَاسُ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ مُغَيَّبٌ أَمْ لَا ؟
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . أَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ هَذِهِ الْبُيُوعَ ; لَكِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ . أَمَّا الْأَوْلَى فَمَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ - مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ - وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ ; فَإِنَّهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اشْتَرَى الباقلا الْأَخْضَرَ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ . وَقَدْ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ } فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَبِّ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ وَإِنْ كَانَ فِي سُنْبُلِهِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَمْنَعُ بَيْعَ الباقلا فِي قِشْرِهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ ; وَلِهَذَا عَدَّ الطرسوسي وَغَيْرُهُ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الباقلا مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ مَنَعَ ذَلِكَ . وَحُجَّةُ الْمَانِعِ : { نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } فَظَنُّوا أَنَّ هَذَا مَجْهُولٌ ; وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ تُعْرَفُ كَمَا يُعْرَفُ غَيْرُهَا مِنْ الْمَبِيعَاتِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا عَلَى جَمِيعِهَا . وَكَذَلِكَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْعُقُودِ مِنْ الصِّيَغِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُعَاطَاةِ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ يُخَالِفُونَ هَذَا . فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْمُعَاطَاةِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد . وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ تَجْوِيزُ ذَلِكَ فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ . وَأَيْضًا إنَّ الْعُقُودَ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى عُرْفِ النَّاسِ . فَمَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا أَوْ إجَارَةً أَوْ هِبَةً : كَانَ بَيْعًا وَإِجَارَةً وَهِبَةً ; فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ . وَكُلُّ اسْمٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ فِي حَدِّهِ إلَى الْعُرْفِ . وَأَمَّا بَيْعُ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَاللِّفْتِ وَالْقُلْقَاسِ : فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ ; وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَعْرُوفِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا فَإِنَّ أَهْلَ الْخِبْرَةِ إذَا رَأَوْا مَا ظَهَرَ مِنْهَا مِنْ الْوَرَقِ وَغَيْرِهِ دَلَّهُمْ ذَلِكَ عَلَى سَائِرِهَا . وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّاسَ مُحْتَاجُونَ إلَى هَذِهِ الْبُيُوعِ وَالشَّارِعُ لَا يُحَرِّمُ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهِ مِنْ الْبَيْعِ لِأَجْلِ نَوْعٍ مِنْ الْغَرَرِ ; بَلْ يُبِيحُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا أَبَاحَ بَيْعَ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا مُبْقَاةً إلَى الْجُذَاذِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمَبِيعِ لَمْ يُخْلَقْ وَكَمَا أَبَاحَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشْتَرِي ثَمَرَةَ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ وَذَلِكَ اشْتِرَاءٌ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ; لَكِنَّهُ تَابِعٌ لِلشَّجَرَةِ وَأَبَاحَ بَيْعَ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا . فَأَقَامَ التَّقْدِيرَ بِالْخَرْصِ مَقَامَ التَّقْدِيرِ بِالْكَيْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الرِّبَا الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ - وَهَذِهِ " قَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ " وَهُوَ تَحْصِيلُ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا وَدَفْعُ أَعْظَمِ الفسادين بِالْتِزَامِ أَدْنَاهُمَا - وَبَيْعُ مَا يَكُونُ قِشْرُهُ صَوْنًا لَهُ كَالْعِنَبِ وَالرُّمَّانِ وَالْمَوْزِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرِهِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ .