تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ عَنْ مُعَامَلَةِ التَّتَارِ : هَلْ هِيَ مُبَاحَةٌ لِمَنْ يُعَامِلُونَهُ ؟
1
فَأَجَابَ : أَمَّا مُعَامَلَةُ التَّتَارِ فَيَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِي أَمْثَالِهِمْ وَيَحْرُمُ فِيهَا مَا يَحْرُمُ مِنْ مُعَامَلَةِ أَمْثَالِهِمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَبْتَاعَ الرَّجُلُ مِنْ مَوَاشِيهِمْ وَخَيْلِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا يَبْتَاعُ مِنْ مَوَاشِي التُّرْكُمَانِ وَالْأَعْرَابِ وَالْأَكْرَادِ وَخَيْلِهِمْ . وَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا يَبِيعُهُ لِأَمْثَالِهِمْ . فَأَمَّا إنْ بَاعَهُمْ وَبَاعَ غَيْرَهُمْ مَا يُعِينُهُمْ بِهِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ . كَالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ لِمَنْ يُقَاتِلُ بِهِ قِتَالًا مُحَرَّمًا فَهَذَا لَا يَجُوزُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } . وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً : لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا } فَقَدْ لَعَنَ الْعَاصِرَ وَهُوَ إنَّمَا يَعْصِرُ عِنَبًا يَصِيرُ عَصِيرًا وَالْعَصِيرُ حَلَالٌ يُمْكِنُ أَنْ يُتَّخَذَ خَلًّا وَدِبْسًا وَغَيْرَ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ الَّذِي مَعَهُمْ أَوْ مَعَ غَيْرِهِمْ أَمْوَالٌ يُعْرَفُ أَنَّهُمْ غَصَبُوهَا مِنْ مَعْصُومٍ فَتِلْكَ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاؤُهَا لِمَنْ يَتَمَلَّكُهَا ; لَكِنْ إذَا اُشْتُرِيَتْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِنْقَاذِ لِتُصْرَفَ فِي مَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ فَتُعَادَ إلَى أَصْحَابِهَا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا صُرِفَتْ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ جَازَ هَذَا . وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ فِي أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا مُحَرَّمًا لَا تُعْلَمُ عَيْنُهُ فَهَذَا لَا يَحْرُمُ مُعَامَلَتُهُمْ كَمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ فِي السُّوقِ مَا هُوَ مَغْصُوبٌ أَوْ مَسْرُوقٌ وَلَمْ يُعْلَمْ عَيْنُهُ وَالْحَرَامُ إذَا اخْتَلَطَ بِالْحَلَالِ فَهَذَا نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا لِعَيْنِهِ . كَالْمَيْتَةِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ . فَهَذَا إذَا اشْتَبَهَ بِمَا لَا يُحْصَرُ لَمْ يَحْرُمْ مِثْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ فِي الْبَلْدَةِ الْفُلَانِيَّةِ أُخْتًا لَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا أَوْ فِيهَا مَنْ يَبِيعُ مَيْتَةً لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا فَهَذَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّسَاءُ وَلَا اللَّحْمُ . وَأَمَّا إذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةِ أَوْ الْمُذَكَّى بِالْمَيِّتِ حُرِّمَا جَمِيعًا . وَالثَّانِي : مَا حَرُمَ لِكَوْنِهِ أُخِذَ غَصْبًا وَالْمَقْبُوضُ بِعُقُودٍ مُحَرَّمَةٍ كَالرِّبَا وَالْمَيْسِرِ فَهَذَا إذَا اشْتَبَهَ وَاخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ لَمْ يَحْرُمْ الْجَمِيعُ ; بَلْ يُمَيِّزُ قَدْرَ هَذَا مِنْ قَدْرِ هَذَا فَيُصْرَفُ هَذَا إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَهَذَا إلَى مُسْتَحِقِّهِ ; مِثْلُ اللِّصِّ الَّذِي أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ فَخَلَطَهَا أَوْ أَخَذَ حِنْطَةَ النَّاسِ أَوْ دَقِيقَهُمْ فَخَلَطَهُ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْحُقُوقِ . وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ فِي الْبَلَدِ شَيْئًا مِنْ هَذَا لَا يُعْلَمُ عَيْنُهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى النَّاسِ الشِّرَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ ; لَكِنْ إذَا كَانَ أَكْثَرُ مَالِ الرَّجُلِ حَرَامًا هَلْ تَحْرُمُ مُعَامَلَتُهُ ؟ أَوْ تُكْرَهُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَى مَالِهِ الْحَلَالَ لَمْ تَحْرُمْ مُعَامَلَتُهُ ; لَكِنْ قَدْ قِيلَ : إنَّهُ مِنْ الْمُشْتَبَهِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .