وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ يَسُومُ السِّلْعَةَ بِثَمَنِ كَثِيرٍ وَيَبِيعُهَا بِأَزْيَدَ مِنْ الْقِيمَةِ الْمُعْتَادَةِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي جَاهِلًا بِالْقِيمَةِ : هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ : أَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْتَرْسِلًا - وَهُوَ الْجَاهِلُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ - لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَغْبِنَهُ غَبْنًا يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ ; بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ بِالْقِيمَةِ الْمُعْتَادَةِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهَا . فَإِنْ غَبَنَهُ غَبْنًا فَاحِشًا فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِمْضَائِهِ . فَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ : { غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ رِبًا } . وَثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْجَلَبِ حَتَّى يَهْبِطَ بِهِ السُّوقَ . وَأَثْبَتَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ إذَا هَبَطَ } وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَبِلَ أَنْ يَهْبِطَ السُّوقَ يَكُونُ جَاهِلًا بِقِيمَةِ السِّلَعِ فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ يَخْرُجَ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ وَيَبْتَاعَ مِنْهُ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَغْرِيرِهِ وَالتَّدْلِيسِ . وَأَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ إذَا عَلِمَ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ . فَهَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ جَاهِلًا بِالْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ تَغْرِيرُهُ وَالتَّدْلِيسُ عَلَيْهِ : مِثْلَ أَنْ يُسَامَ سَوْمًا كَثِيرًا خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ لِيَبْذُلَ مَا يُقَارِبُ ذَلِكَ ; بَلْ يُبَاعُ الْبَيْعُ الْمَعْرُوفُ غَيْرُ الْمُنْكَرِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .