تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ : عَنْ جَمَاعَةٍ دَلَّالِينَ مُشْتَرِكِينَ فِي بَيْعِ السِّلَعِ . هَلْ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ ؟ وَهَلْ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ - أَعَزَّهُ اللَّهُ - مَنْعُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِمْ غِشٌّ أَوْ تَدْلِيسٌ ؟
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَمَّا إذَا كَانَ التَّاجِرُ الَّذِي يُسَلِّمُ مَالَهُ إلَى الدَّلَالِ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يُسَلِّمُهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الدَّلَّالِينَ وَرَضِيَ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ بِلَا رَيْبٍ ; فَإِنَّ الدَّلَالَ وَكِيلُ التَّاجِرِ . وَالْوَكِيلُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ كَالْمُوَكِّلِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ تَوْكِيلِهِ بِلَا إذْنِ الْمُوَكِّلِ . عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ . وَعَلَى هَذَا تَنَازَعُوا فِي شَرِكَةِ الدَّلَّالِينَ ; لِكَوْنِهِمْ وُكَلَاءَ . فَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ . وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ عُرْفٌ مَعْرُوفٌ أَنَّ الدَّلَّالَ يُسَلِّمُ السِّلْعَةَ إلَى مَنْ يَأْتَمِنُهُ كَانَ الْعُرْفُ الْمَعْرُوفُ كَالشَّرْطِ الْمَشْرُوطِ وَلِهَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ : كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ إلَى جَوَازِ " شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ " كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : اشْتَرَكْت أَنَا وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَمَّارٌ يَوْمَ بَدْرٍ فَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ وَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءِ . و " شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ " فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فِي عَامَّةِ الْأَمْصَارِ وَكَثِيرٌ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَنْتَظِمُ بِدُونِهَا . كَالصُّنَّاعِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْحَوَانِيتِ ; مِنْ الدَّلَّالِينَ وَغَيْرِهِمْ ; فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَسْتَقِلُّ بِأَعْمَالِ النَّاسِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُعَاوِنٍ وَالْمُعَاوِنُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُقَدَّرَ أُجْرَتُهُ وَعَمَلُهُ كَمَا لَا يُمْكِنُ مِثْلُهُ ذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ ; وَنَحْوِهَا فَيَحْتَاجُونَ إلَى الِاشْتِرَاكِ . وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَجْعَلُونَ الشَّرِكَةَ عَقْدًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ فِي الشَّرِيعَةِ يُوجِبُ لِكُلِّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِالْعَقْدِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ بِدُونِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجْعَلُ شَرِكَةً إلَّا شَرِكَةَ الْأَمْلَاكِ فَقَطْ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْعُقُودِ فَيَمْنَعُ عَامَّةَ الْمُشَارَكَاتِ الَّتِي يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَيْهَا كَالتَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِ وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَالْأَبْدَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ; وَلَكِنَّ قَوْلَ الْجُمْهُورِ أَصَحُّ . وَإِذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَلِشَرِيكِهِ بِحُكْمِ الْوِكَالَةِ . فَمَا عَقَدَهُ مِنْ الْعُقُودِ عَقَدَهُ لِنَفْسِهِ وَلِشَرِيكِهِ . وَمَا قَبَضَهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ وَلِشَرِيكِهِ . وَإِذَا عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ وَيُسَلِّمُونَ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ إذْنًا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَأْذَنَ لِشَرِيكِهِ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ الْمَنْعُ فِي مِثْلِ الْعُقُودِ والقبوض الَّتِي يُجَوِّزُهَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمَصَالِحُ النَّاسِ وَقْفٌ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جَمِيعِهَا لَا يُمْكِنُ فِي الشَّرْعِ وَتَخْصِيصُ بَعْضِهَا بِالْمَنْعِ تَحَكُّمٌ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .