مسألة تالية
متن:
بَابُ الْمُسَاقَاةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ قَدْ ذَكَرْت فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي فِيهَا قَوَاعِدُ فَقِيهَةٌ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ قِيَامِ النَّاسِ بِالْقِسْطِ وَتَنَاوُلُ ذَلِكَ لِلْمُعَامَلَاتِ : الَّتِي هِيَ الْمُعَاوَضَاتُ وَالْمُشَارَكَاتُ وَذَكَرْت أَنَّ " الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ وَالْمُضَارَبَةَ " وَنَحْوَ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْمُشَارَكَاتِ وَبَيَّنْت بَعْضَ مَا دَخَلَ مِنْ الْغَلَطِ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ حَتَّى حَكَّمَ فِيهَا أَحْكَامً الْمُعَاوَضَاتِ . وَبَيَّنْت جَوَازَ الْمُزَارَعَةِ بِبَذْرِ مِنْ الْمَالِكِ أَوْ مِنْ الْعَامِلِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ وَبَيَّنْت أَنَّ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَعَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ أَنَّ مَا مَعْنَاهُ : مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ زَرْعِ بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِرَبِّ الْأَرْضِ كَمَا بَيَّنَهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا . وَمَنْ سَمَّى الْمُعَامَلَةَ بِبَذْرِ مِنْ الْمَالِكِ مُزَارَعَةً وَمِنْ الْعَامِلِ مُخَابَرَةً : فَهُوَ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ; بِمَنْزِلَةِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّاهَا هَؤُلَاءِ وَآبَاؤُهُمْ لَمْ يُنْزِلْ اللَّهُ بِهَا سُلْطَانًا . فَإِنَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ عَلَى أَنْ يُعَمِّرُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } . وَالْمُخَابَرَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَذْرٌ مِنْ الْعَامِلِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُشَارَكَةِ الَّتِي هِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ إذَا اشْتَرَطَ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِيهَا زَرْعَ مَكَانٍ بِعَيْنِهِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ - وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ - أَنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ إذَا نَظَرَ فِيهِ ذُو الْبَصَرِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ عَلِمَ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ كَمَا قَالَ . وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ وَالْمُعَامَلَةَ تَقْتَضِي الْعَدْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْمَغْنَمِ وَالْمَغْرَمِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَرْجِعَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلَ مَالِهِ فَإِذَا اُشْتُرِطَ لِأَحَدِهِمَا زَرْعٌ مُعَيَّنٌ كَانَ فِيهِ تَخْصِيصُهُ بِذَلِكَ وَقَدْ لَا يَسْلَمُ غَيْرُهُ فَيَكُونُ ظُلْمًا لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مِنْ الْغَرَرِ وَالْقِمَارِ أَيْضًا . فَفِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَمَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ لِأَحَدِهِمَا ثَمَرَةَ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَا مِقْدَارًا مَحْدُودًا مِنْ الثَّمَرِ وَكَذَلِكَ لَا يَشْتَرِطُ لِأَحَدِهِمَا زَرْعَ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ وَلَا مِقْدَارًا مَحْدُودًا مِنْ نَمَاءِ الزَّرْعِ وَكَذَلِكَ لَا يَشْتَرِطُ لِأَحَدِهِمَا رِبْحَ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَا مِقْدَارًا مَحْدُودًا مِنْ الرِّبْحِ . فَأَمَّا اشْتِرَاطُ عَوْدِ مِثْلِ رَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ مِثْلُ اشْتِرَاطِ عَوْدِ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ . وَفِي اشْتِرَاطِ عَوْدِ مِثْلِ الْبَذْرِ كَلَامٌ ذَكَرْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِمُعَيَّنِ أَوْ مِقْدَارٍ مِنْ النَّمَاءِ حَتَّى يَكُونَ مَشَاعًا بَيْنَهُمَا ; فَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِمَا لَيْسَ مِنْ النَّمَاءِ أَوْلَى : مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنْ يَزْرَعَ لَهُ أَرْضًا أُخْرَى أَوْ يَبْضَعَهُ بِضَاعَةً يَخْتَصُّ رَبُّهَا بِرِبْحِهَا أَوْ يَسْقِي لَهُ شَجَرَةً أُخْرَى وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ . فَإِنَّ الْعَامِلَ لِحَاجَتِهِ قَدْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ الْمَالِكُ نَفْعَهُ فِي قَالَبٍ آخَرَ فَيُضَارِبُهُ وَيَبْضَعُهُ بِضَاعَةً أَوْ يُعَامِلُهُ عَلَى شَجَرٍ وَأَرْضٍ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي أَرْضٍ أُخْرَى أَوْ فِي إعَانَةِ مَاشِيَةٍ لَهُ أَوْ يَشْتَرِطَ اسْتِعَارَةَ دَوَابِّهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ; فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ . فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى اشْتِرَاطٍ بِمُعَيَّنِ أَوْ بِقَدْرِ مِنْ الرِّبْحِ ; لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ مَنْفَعَتَهُ أَوْ مَنْفَعَةَ مَالِهِ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِاسْتِيفَاءِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ نَمَاءٌ أَوْ يَحْصُلُ دُونَ مَا ظَنَّهُ فَيَكُونُ الْآخَرُ قَدْ أَخَذَ مَنْفَعَتَهُ بِالْبَاطِلِ وَقَامَرَهُ وَرَابَاهُ فَإِنَّ فِيهِ رِبًا وَمَيْسِرًا . فَإِنْ تَوَاطَآ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَهُوَ كَالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي " كِتَابِ بُطْلَانِ التَّحْلِيلِ " : إنَّ الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الْعَقْدِ كَالْمُقَارِنِ لَهُ . فَإِنْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا بِهَدِيَّةِ إلَى الْآخَرِ مِثْلَ أَنْ يَهْدِيَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ إلَى الْمَالِكِ شَيْئًا أَوْ يَهْدِيَ الْفَلَّاحُ غَنَمًا أَوْ دَجَاجًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ : فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ إهْدَاءِ الْمُقْتَرِضِ مِنْ الْمُقْرِضِ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ فِيهَا بَيْنَ الرَّدِّ وَبَيْنَ الْقَبُولِ وَالْمُكَافَأَةِ عَلَيْهَا بِالْمَثَلِ وَبَيْنَ أَنْ يَحْسِبَهَا لَهُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ إذَا تَقَاسَمَا كَمَا يَحْسِبُهُ مِنْ أَصْلِ الْقَرْضِ . وَهَذَا يُنَازِعُنَا فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ . وَيَقُولُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِهْدَاءِ ; وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; بَلْ إنَّمَا أَهْدَاهُ لِأَجْلِ الْمُعَامَلَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرْضِ وَالْمُعَاوَضَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ { الْعَامِلِ الأزدي ابْنِ اللتبية لَمَّا قَالَ : هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ . فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا } " وَثَبَتَ عَنْ عَدَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمْ : أَنَّهُمْ أَمَرُوا الْمُقْرِضَ الَّذِي قَبِلَ الْهَدِيَّةَ أَنْ يَحْسِبَهَا مِنْ قَرْضِهِ . وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الِاعْتِبَارِ فَإِنَّهُ إذَا قَبِلَ الْهَدِيَّةَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَقَدْ دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْهَدِيَّةَ وَبَدَلَ الْقَرْضِ عِوَضًا عَنْ الْقَرْضِ وَهَذَا عَيْنُ الرِّبَا ; فَإِنَّ الْقَرْضَ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ إلَّا مِثْلَهُ . وَلَوْ قَالَ لَهُ وَقِّتْ الْقَرْضَ : أَنَا أُعْطِيك مِثْلَهُ وَهَذِهِ الْهَدِيَّةَ : لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ . فَإِذَا أَعْطَاهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي هِيَ مِنْ أَجْلِ الْقَرْضِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ مَعَهَا مِثْلَ الْقَرْضِ كَانَ ذَلِكَ مُعَاقَدَةً عَلَى أَخْذِ أَكْثَرِ مِنْ الْأَصْلِ ; وَلِهَذَا لَوْ أَهْدَى إلَيْهِ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْقَرْضِ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ . يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِقَبُولِ الْهَدِيَّةِ يُرِيدُ أَنْ يُنْظِرَهُ لِأَجَلِهَا فَيَصِيرُ بِمِائَةِ وَالْهَدِيَّةُ بِمِائَةِ إلَى أَجَلٍ وَهَذَا عَيْنُ الرِّبَا ; بِخِلَافِ الْمِائَةِ بِمِائَةِ مِثْلِهَا فِي الصِّفَةِ . وَلَوْ شُرِطَ فِيهَا الْأَجَلُ ; فَإِنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةِ ; إذْ الْعَاقِلُ لَا يَبِيعُ الشَّيْءَ بِمَا يُسَاوِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَى أَجَلٍ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الصِّفَةِ كَبَيْعِ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرَةِ وَنَقْدٍ بِنَقْدِ آخَرَ إلَى أَجَلٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَهَكَذَا الْأَمْرُ فِي الْمُشَارَكَةِ : فَإِنَّهُ إذَا قَبِلَ هَدِيَّةَ الْعَامِلِ وَنَفْعَهُ الَّذِي إنَّمَا بَذَلَهُ لِأَجْلِ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُزَارَعَةِ بِلَا عِوَضٍ مَعَ اشْتِرَاطِهِ النَّصِيبَ مِنْ الرِّبْحِ : كَانَ هَذَا الْقَبُولُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مُعَاقَدَةً عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَعَ النَّصِيبِ الشَّائِعِ شَيْئًا غَيْرَهُ ; بِمَنْزِلَةِ زَرْعِ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ . وَقَدْ لَا يَحْصُلُ رِبْحٌ فَيَكُونُ الْعَامِلُ مَقْهُورًا مَظْلُومًا ; وَلِهَذَا يَطْلُبُ الْعَامِلُ بَدَلَ هَدِيَّتِهِ وَيَحْتَسِبُ بِهَا عَلَى الْمَالِكِ فَإِنْ لَمْ يُعَوِّضْهُ عَنْهَا وَإِلَّا خَانَهُ فِي الْمَالِ : أَصْلِهِ وَرِبْحِهِ كَمَا يَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَالْفَلَّاحِ ; فَإِنَّ الْفَلَّاحَ يَخُونُهُ وَيَظْلِمُهُ لِمَا يَزْعُمُ أَنَّ الْمُزَارِعَ يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ مَالِهِ وَنَحْوِهِ : كَأَخْذِ الْهَدَايَا . وَأَكْلِهِ هُوَ وَدَوَابُّهُ مِنْ مَالِهِ مُدَّةً بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَقْرِضُ السُّنْبُلَ قَبْلَ الْحَصَادِ وَيَتْرُكُ الْحَبَّ فِي الْقَصَبِ وَالتِّبْنِ وَفِي عِفَارَةِ الْبَيْدَرِ وَيَسْرِقُ مِنْهُ وَيَحْتَالُ عَلَى السَّرِقَةِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَالْمُزَارِعُ يَظْلِمُهُ فِي بَدَنِهِ بِالضَّرْبِ وَالِاسْتِخْدَامِ وَفِي مَالِهِ بِالِاسْتِنْفَاقِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ وَيَرَى أَنَّ هَذَا بِإِزَاءِ مَا اخْتَانَهُ مِنْ مَالِهِ . وَكَذَلِكَ يَجْرِي بَيْنَ مَالِكِ الْمَالِ وَالْعَامِلِ : الْعَامِلُ يَرَى أَنَّهُ يَأْخُذُ نَفْعَهُ وَمَالَهُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَدَايَا وَمِنْ بَضَائِعَ مَعَهُ يَتَّجِرُ لَهُ فِيهَا فَيَخُصُّهُ بِالرِّبْحِ لِأَجْلِ الْمُضَارَبَةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْ نَفْعِهِ وَمَالِهِ فَيَخُونَ فِي الْمَالِ وَالرِّبْحِ وَيَكْذِبَ وَيَكْتُمَ وَالْمَالِكُ يَرَى أَنَّ الْعَامِلَ يَخُونُ فِي الْمَالِ وَالرِّبْحِ وَيُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَالٍ لَهُ آخَرَ أَوْ بِالْإِهْدَاءِ إلَى أَصْدِقَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ نَفْعُهُ لِأَجْلِ الْمُضَارَبَةِ فَيُطَالِبَهُ بِالْهَدَايَا وَنَحْوِ ذَلِكَ . حَتَّى إنَّ مِنْ الْعُمَّالِ مَنْ لَا يَهْدِي إلَّا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْمَالِكَ يَطْلُبُ ذَلِكَ وَيُؤْثِرُهُ فَيَتَّقِي بِذَلِكَ شَرَّهُ وَظُلْمَهُ . وَتُفْضِي هَذِهِ الْمُعَامَلَاتُ إلَى الْمُخَاصَمَةِ وَالْعَدَاوَةِ وَالظُّلْمِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ . وَسَبَبُ ذَلِكَ اخْتِصَاصُ أَحَدِهِمَا بِشَيْءِ خَارِجٍ عَنْ النَّصِيبِ الْمُشَاعِ مِنْ النَّمَاءِ فَإِنَّ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ فِي الْمُشَارَكَاتِ . وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ . فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى إلَيْهِ . أَمْ لَا ؟ } يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ جَمِيعَهَا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ إذَا كَانَتْ لِأَجْلِ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَانَتْ مَقْبُوضَةً بِحُكْمِ ذَلِكَ السَّبَبِ كَسَائِرِ الْمَقْبُوضِ بِهِ ; فَإِنَّ الْعَقْدَ الْعُرْفِيَّ كَالْعِقْدِ اللَّفْظِيِّ . وَمَنْ أُهْدِيَ لَهُ لِأَجْلِ قَرْضٍ أَوْ إقْرَاضٍ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ كَالْمَالِ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدِ الْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ عَنْهَا مُكَافَأَةٌ . وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَدْخُلُ بِسَبَبِ إهْمَالِهِ مِنْ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ شَيْءٌ عَظِيمٌ .