وَسُئِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ وَفِيهِمْ . مَنْ قَرَّرَ الْوَاقِفُ لِوَظِيفَتِهِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَجَعَلَ لِلنَّاظِرِ عَلَى هَذَا الْوَقْفِ صَرْفَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ يُخْرِجُ بِغَيْرِ خَرَاجٍ وَإِخْرَاجُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَالتَّعَوُّضُ عَنْهُ وَزِيَادَةُ مَنْ أَرَادَ زِيَادَتَهُ وَنُقْصَانَهُ عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَخْتَارُهُ وَيَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ فَعَزَلَ أَحَدَ الْمُعَيَّنِينَ وَاسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْقِيَامِ بِهَا بِبَعْضِ ذَلِكَ الْمَعْلُومِ الْمُقَدَّرِ لِلْوَظِيفَةِ وَوَفَى بَاقِي ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ فِعْلُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا عَزَلَ أَحَدَ الْمُعَيَّنِينَ لِلْمَصْلَحَةِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى تَنَاوُلِ الْمَعْلُومِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَزْلِ : يَفْسُقُ بِذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا أَخَذَهُ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَلْزَمُ النَّاظِرَ بَيَانُ الْمَصْلَحَةِ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . النَّاظِرُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا فِي أَمْرِ الْوَقْفِ إلَّا بِمُقْتَضَى الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ الْأَصْلَحَ فَالْأَصْلَحَ . وَإِذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ صَرْفَ مَنْ شَاءَ وَزِيَادَةَ مَنْ أَرَادَ زِيَادَتَهُ وَنُقْصَانَهُ فَلَيْسَ لِلَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشْتَهِيه أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ اتِّبَاعُ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفَسُ بَلْ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَنْ يَفْعَلَ مِنْ الْأُمُورِ الَّذِي هُوَ خَيْرُ مَا يَكُونُ إرْضَاءً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ . وَهَذَا فِي كُلِّ مَنْ تَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ : كَالْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ وَالْوَاقِفِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ وَغَيْرِهِمْ : إذَا قِيلَ : هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَفْعَلُ مَا شَاءَ وَمَا رَأَى فَإِنَّمَا ذَاكَ تَخْيِيرُ مَصْلَحَةٍ لَا تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ . وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُ مُعَيَّنٍ بَلْ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ أَصْلَحُ وَأَرْضَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَدْ قَالَ الْوَاقِفُ : عَلَى مَا يَرَاهُ وَيَخْتَارُهُ وَيَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ . وَمُوجَبُ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِرَأْيِهِ وَاخْتِيَارِهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يَتَّبِعُ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ الشَّرْعِيَّةَ . وَقَدْ يَرَى هُوَ مَصْلَحَةً وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ يَأْمُرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ هَذَا مَصْلَحَةً كَمَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً وَقَدْ يَخْتَارُ مَا يَهْوَاهُ لَا مَا فِيهِ رِضَى اللَّهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى اخْتِيَارِهِ حَتَّى لَوْ صَرَّحَ الْوَاقِفُ بِأَنَّ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَهْوَاهُ وَمَا يَرَاهُ مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ صَحِيحًا ; بَلْ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ { وَمَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهُ أَوْثَقُ } . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَكَانَ عَزْلُ النَّاظِرِ وَاسْتِبْدَالُهُ مُوَافِقًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمَعْزُولِ وَلَا غَيْرِهِ رَدُّ ذَلِكَ وَلَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ وَالْحَالُ هَذِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ مَرْدُودًا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } وَقَالَ : { لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ } . وَإِنْ تَنَازَعُوا هَلْ الَّذِي فَعَلَهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ أَمْ لَا ؟ رَدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي فَعَلَ النَّاظِرُ أَرْضَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ نَفَذَ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَرْضَى أُلْزِمَ النَّاظِرُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَمْرٌ ثَالِثٌ هُوَ الْأَرْضَى لَزِمَ اتِّبَاعُهُ . وَعَلَى النَّاظِرِ بَيَانُ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ ظَهَرَتْ وَجَبَ اتِّبَاعُهَا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ رُدَّتْ وَإِنْ اشْتَبَهَ الْأَمْرُ وَكَانَ النَّاظِرُ عَالِمًا عَادِلًا سَوَّغَ لَهُ اجْتِهَادُهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .