تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ أَنَّ جَمِيعَ الْحَانُوتِ وَالْأَعْيَانِ الَّتِي بِهَا وَقْفٌ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْقُرُبَاتِ . وَتُصْرَفُ الْأُجْرَةُ وَالثَّوَابُ مِنْ مُدَّةٍ تَتَقَدَّمُ عَلَى إقْرَارِهِ هَذَا بِعِشْرِينَ سَنَةً . فَفَعَلَ بِمُقْتَضَى شَرْطِ إقْرَارِهِ . وَعَيَّنَ النَّاظِرَ الْإِمَامُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ عَيَّنَ نَاظِرًا آخَرَ مِنْ غَيْرِ عَزْلِ الْإِمَامِ النَّاظِرَ الْأَوَّلَ فَصَرَفَ أَحَدُ النَّاظِرَيْنِ عَلَى ثُبُوتِ الْوَقْفِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِصَرْفِهِ عَلَى ثُبُوتِ مِثْلِهِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْرِفَ إلَى مُسْتَحِقِّي الرِّيعِ شَيْئًا . فَهَلْ تَجِبُ الْأُجْرَةُ مِنْ الرِّيعِ ؟ أَمْ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْمُقِرِّ بِالْوَقْفِ الْمَذْكُورِ ؟ وَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَارُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِسَبَبِ اشْتِغَالِهَا بِمَالِ الْوَرَثَةِ فَهَلْ تَجِبُ الْأُجْرَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ ؟ وَهَلْ تَفُوتُ الْأُجْرَةُ السَّابِقَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ بِالْمُدَّةِ الْأُولَى وَيَرْجِعُ بِهَا فِي تَرِكَتِهِ ؟ وَهَلْ إذَا عَيَّنَ نَاظِرًا ثُمَّ عَيَّنَ نَاظِرًا آخَرَ يَكُونُ عَزْلًا لِلْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِعَزْلِهِ ؟ أَمْ يَشْتَرِكَانِ فِي النَّظْرِ ؟ وَهَلْ إذَا عَلِمَ الشُّهُودُ ثُبُوتَ الْمَالِ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ يَحِلُّ كَتْمُهُ أَمْ لَا .
1
فَأَجَابَ : لَيْسَتْ أُجْرَةُ إثْبَاتِ الْوَقْفِ وَالسَّعْيِ فِي مَصَالِحِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ مَا زَادَ عَلَى الْمُقَرِّ بِهِ كُلِّهِ مُسْتَحِقٌّ لِلْوَرَثَةِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ رَفْعُ أَيْدِيهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَتَمْكِينُ النَّاظِرِ مِنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ السَّعْيُ وَلَا أُجْرَةُ ذَلِكَ . وَأَمَّا الْعَيْنُ الْمُقَرُّ بِهَا إذَا انْتَفَعَ بِهَا الْوَرَثَةُ أَوْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا بِحَيْثُ يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا فَعَلَيْهِمْ أُجْرَةُ الْمَنْفَعَةِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ مَنَافِعَ الْغَصْبِ مَضْمُونَةٌ . وَالنِّزَاعُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ . وَإِقْرَارُ الْمَيِّتِ بِأَنَّهَا وَقْفٌ مِنْ الْمُدَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَيْسَ بِصَرِيحِ فِي أَنَّهُ كَانَ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْغَصْبِ وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ بِالِاحْتِمَالِ . وَأَمَّا تَعْيِينُ نَاظِرٍ بَعْدَ آخَرَ فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِ مِثْلِ هَذَا الْوَقْفِ وَعَادَةِ أَمْثَالِهِ فَإِنْ كَانَ هَذَا فِي الْعَادَةِ رُجُوعًا كَانَ رُجُوعًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يَقْتَضِي انْفِرَادَ الثَّانِي بِالتَّصَرُّفِ وَإِلَّا فَقَدْ عَرَفْت الْمَسْأَلَةَ وَهِيَ مَا إذَا وَصَّى بِالْعَيْنِ لِشَخْصِ ثُمَّ وَصَّى بِهَا لِآخَرَ : هَلْ يَكُونُ رُجُوعًا أَمْ لَا ؟ وَمَا عَلِمَهُ الشُّهُودُ مِنْ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ يَصِلُ الْحَقُّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِشَهَادَتِهِمْ لَمْ يَكْتُمُوهَا وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَا يَصِلُ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَيِّنُوا وَاحِدًا مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِتَأْوِيلِ وَاجْتِهَادٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ أَيْضًا نَزْعُهُ مِنْ يَدِهِ بَلْ يُعَانُ الْمُتَأَوِّلُ الْمُجْتَهِدُ عَلَى مَنْ لَا تَأْوِيلَ لَهُ وَلَا اجْتِهَادَ .