تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ أَوْقَفَ رِبَاطًا ; وَجَعَلَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ ; وَجَعَلَ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِمْ ; وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ : مِنْهَا أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي وَقْتَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ مِنْ النَّهَارِ ; فَيَقْرَءُونَ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَوْقَفَهُ لَا فِي غَيْرِهِ ; مُجْتَمِعِينَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُتَفَرِّقِينَ ; وَشَرَطَ أَنْ يُهْدُوا لَهُ ثَوَابَ التِّلَاوَةِ ; وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا شَرَطَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَوْقَفَهُ لَمْ يَأْخُذْ مَا جَعَلَ لَهُ . فَهَلْ جَمِيعُ الشُّرُوطِ لَازِمَةٌ لِمَنْ أَخَذَ الْمَعْلُومَ ؟ أَمْ بَعْضُهَا ؟ أَمْ لَا أَثَرَ لِجَمِيعِهَا ؟ وَهَلْ إذَا لَزِمَتْ الْقِرَاءَةُ . فَهَلْ يَلْزَمُ جَمِيعُ مَا شَرَطَهُ مِنْهَا ؟ أَمْ يَقْرَءُونَ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ قِرَاءَتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُهْدُوا شَيْئًا ؟ .
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا شُرِطَ مِنْ الْعَمَلِ مِنْ الْوُقُوفِ الَّتِي تُوقَفُ عَلَى الْأَعْمَالِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قُرْبَةً ; إمَّا وَاجِبًا ; وَإِمَّا مُسْتَحَبًّا وَأَمَّا اشْتِرَاطُ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ فَلَا يَصِحُّ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ; بَلْ وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ ; وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ . وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ تَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ . كَالشُّرُوطِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ . وَمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ : إنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ نُصُوصٌ كَأَلْفَاظِ الشَّارِعِ فَمُرَادُهُ أَنَّهَا كَالنُّصُوصِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مُرَادِ الْوَاقِفِ ; لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا : أَيْ أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ يُسْتَفَادُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الْمَشْرُوطَة ; كَمَا يُسْتَفَادُ مُرَادُ الشَّارِعِ مِنْ أَلْفَاظِهِ ; فَكَمَا يُعْرَفُ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ وَالْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ وَالتَّشْرِيكُ وَالتَّرْتِيبُ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّارِعِ . فَكَذَلِكَ تُعْرَفُ فِي الْوَقْف مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ . مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي هَذَا أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ وَلَفْظَ الْحَالِفِ وَالشَّافِعِ وَالْمُوصِي وَكُلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا ; سَوَاءٌ وَافَقَتْ الْعَرَبِيَّةَ الْعَرْبَاءَ ; أَوْ الْعَرَبِيَّةَ الْمُوَلَّدَةَ ; أَوْ الْعَرَبِيَّةَ الْمَلْحُونَةَ ; أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَرَبِيَّةٍ وَسَوَاءٌ وَافَقَتْ لُغَةَ الشَّارِعِ ; أَوْ لَمْ تُوَافِقْهَا ; فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَلْفَاظِ دَلَالَتُهَا عَلَى مُرَادِ النَّاطِقِينَ بِهَا ; فَنَحْنُ نَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ كَلَامِ الشَّارِعِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ لُغَتِهِ وَعُرْفِهِ وَعَادَتِهِ تَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِهِ وَكَذَلِكَ فِي خِطَابِ كُلِّ أُمَّةٍ وَكُلِّ قَوْمٍ ; فَإِذَا تَخَاطَبُوا بَيْنَهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ . أَوْ الْوَقْفِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِكَلَامِ رَجَعَ إلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِهِمْ وَإِلَى مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِمْ مِنْ عَادَتِهِمْ فِي الْخِطَابِ ; وَمَا يَقْتَرِنُ بِذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ . وَأَمَّا أَنْ تُجْعَلَ نُصُوصُ الْوَاقِفِ أَوْ نُصُوصُ غَيْرِهِ مِنْ الْعَاقِدِينَ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا ; فَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; إذْ لَا أَحَدَ يُطَاعُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ الْبَشَرِ - بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالشُّرُوطُ إنْ وَافَقَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ صَحِيحَةً . وَإِنْ خَالَفَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ بَاطِلَةً . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِهِ وَقَالَ : { مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ . وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ [ اللَّهِ ] أَحَقُّ ; وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ } . وَهَذَا الْكَلَامُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . سَوَاءٌ تَنَاوَلَهُ لَفْظُ الشَّارِعِ . أَوْ لَا ; إذْ الْأَخْذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ . أَوْ كَانَ مُتَنَاوِلًا لِغَيْرِ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ بِطَرِيقِ الِاعْتِبَارِ عُمُومًا مَعْنَوِيًّا . وَإِذَا كَانَتْ شُرُوطُ الْوَاقِفِ تَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ : بِالِاتِّفَاقِ ; فَإِنْ شَرَطَ فِعْلًا مُحَرَّمًا ظَهَرَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَإِنْ شَرَطَ مُبَاحًا لَا قُرْبَةَ فِيهِ كَانَ أَيْضًا بَاطِلًا ; لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا لَهُ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ; فَإِنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِالْإِعَانَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى . وَأَمَّا بَذْلُ الْمَالِ فِي مُبَاحٍ : فَهَذَا إذَا بَذَلَهُ فِي حَيَاتِهِ مِثْلَ الِابْتِيَاعِ ; وَالِاسْتِئْجَارِ جَازَ ; لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِتَنَاوُلِ الْمُبَاحَاتِ فِي حَيَاتِهِ . وَأَمَّا الْوَاقِفُ وَالْمُوصِي فَإِنَّهُمَا لَا يَنْتَفِعَانِ بِمَا يَفْعَلُ الْمُوصَى لَهُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُثَابَانِ عَلَى بَذْلِ الْمَالِ فِي ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ فَلَوْ بَذَلَ الْمَالَ فِي ذَلِكَ عَبَثًا وَسَفَهًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى تَنَاوُلِ الْمَالِ فَكَيْفَ إذَا أَلْزَمَ بِمُبَاحِ لَا غَرَضَ لَهُ فِيهِ فَلَا هُوَ يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ ; بَلْ يَبْقَى هَذَا مُنْفِقًا لِلْمَالِ فِي الْبَاطِلِ مُسَخَّرٌ مُعَذَّبٌ آكِلٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ . وَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ قَدْ قَالَ : { لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ ; أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ } فَلِمَ يُجَوِّزْ بِالْجُعْلِ شَيْئًا لَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْجِهَادِ . وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَمَا فِي الْمُصَارَعَةِ وَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ فَكَيْفَ يَبْذُلُ الْعِوَضَ الْمُؤَبَّدَ فِي عَمَلٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا سِيَّمَا وَالْوَقْفُ مُحْبَسٌ مُؤَبَّدٌ فَكَيْفَ يَحْبِسُ الْمَالَ دَائِمًا مُؤَبَّدًا عَلَى عَمَلٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَامِلُ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى حَبْسِ الْوَرَثَةِ وَسَائِرِ الْآدَمِيِّينَ بِحَبْسِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ بِلَا مَنْفَعَةٍ حَصَلَتْ لِأَحَدِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْمُتَنَاوِلِينَ بِاسْتِعْمَالِهِمْ فِي عَمَلٍ هُمْ فِيهِ مُسَخَّرُونَ يَعُوقُهُمْ عَنْ مَصَالِحِهِمْ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا فَائِدَةَ تَحْصُلُ لَهُ وَلَا لَهُمْ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ مُجْتَمِعِينَ بِصَوْتِ وَاحِدٍ ; فَإِنَّ هَذِهِ تُسَمَّى " قِرَاءَةَ الْإِرَادَةِ " وَقَدْ كَرِهَهَا طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : كَمَالِكِ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَمَنْ رَخَّصَ فِيهَا - كَبَعْضِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد - لَمْ يَقُلْ إنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الِانْفِرَادِ يَقْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ . وَأَمَّا هَذِهِ الْقِرَاءَةُ فَلَا يَحْصُلُ لِوَاحِدِ جَمِيعُ الْقُرْآنِ بَلْ هَذَا يُتِمُّ مَا قَرَأَهُ هَذَا وَهَذَا يُتِمُّ مَا قَرَأَهُ هَذَا وَمَنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ يَتْرُكُ قِرَاءَةَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ . وَلَيْسَ فِي الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَضِيلَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ يُقَدِّمُ بِهَا الْقِرَاءَةَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَلَا قُرْبَةَ فِي تَخْصِيصِ مِثْلِ ذَلِكَ بِالْوَقْتِ . وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صِيَامًا أَوْ قِرَاءَةً أَوْ اعْتِكَافًا فِي مَكَانٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ لِلتَّعْيِينِ مَزِيَّةٌ فِي الشَّرْعِ : كَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَزِيَّةٌ : كَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ فِي مَسَاجِدِ الْأَمْصَارِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالنَّذْرِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ . وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } . فَإِذَا كَانَ النَّذْرُ الَّذِي يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَا يَجِبُ أَنْ يُوَفَّى بِهِ إلَّا مَا كَانَ طَاعَةً بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُوَفَّى مِنْهُ بِمُبَاحِ كَمَا لَا يَجِبُ أَنْ يُوَفَّى مِنْهُ بِمُحَرَّمِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ . وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ : كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . فَكَيْفَ بِغَيْرِ النَّذْرِ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَيْسَ فِي لُزُومِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا فِي النَّذْرِ . وَأَمَّا اشْتِرَاطُ إهْدَاءِ ثَوَابِ التِّلَاوَةِ فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى إهْدَاءِ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ : كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ ; وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةَ يَجُوزُ إهْدَاءُ ثَوَابِهَا بِلَا نِزَاعٍ وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ . فَمَنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إهْدَاءُ ثَوَابِهَا : كَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ بَاطِلًا كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَنْ الْوَاقِفِ دُيُونَهُ فَإِنَّهُ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى . وَمَنْ كَانَ مَنْ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إهْدَاءُ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ : كَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ . فَهَذَا يُعْتَبَرُ أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْعِبَادَاتِ مَا قَصَدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ فَأَمَّا مَا يَقَعُ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ إجَارَةٍ أَوْ جِعَالَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْبَةً فَإِنْ جَازَ أَخْذُ الْأَجْرِ وَالْجُعْلِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ نَقُولُ :