مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
فَصْلٌ وَأَمَّا " الْجَدَّةُ " فَكَمَا قَالَ الصِّدِّيقُ : لَيْسَ لَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ ; فَإِنَّ الْأُمَّ الْمَذْكُورَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودِ تُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالْأُمِّ الدُّنْيَا فَالْجَدَّةُ وَإِنْ سُمِّيَتْ أُمًّا لَمْ تَدْخُلْ فِي لَفْظِ الْأُمِّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَرَائِضِ فَأُدْخِلَتْ فِي لَفْظِ الْأُمَّهَاتِ فِي قَوْلِهِ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَعْطَاهَا السُّدُسَ " فَثَبَتَ مِيرَاثُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ لَفْظٌ عَامٌّ فِي الْجَدَّاتِ ; بَلْ وَرَّثَ الْجَدَّةَ الَّتِي [ سَأَلَتْهُ ] فَلَمَّا جَاءَتْ الثَّانِيَة أَبَا بَكْرٍ جَعَلَهَا شَرِيكَةَ الْأُولَى فِي السُّدُسِ . وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي " الْجَدَّاتِ " فَقِيلَ : لَا يَرِثُ الِاثْنَتَانِ : أُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْأَبِ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ . وَقِيلَ : لَا يَرِثُ إلَّا ثَلَاثٌ هَاتَانِ وَأُمُّ الْجَدِّ ; لِمَا { رَوَى إبْرَاهِيمُ النخعي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ : جَدَّتَيْك مِنْ قِبَلِ أَبِيك وَجَدَّتِك مِنْ قِبَلِ أُمِّك } وَهَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ ; فَإِنَّ مَرَاسِيلَ إبْرَاهِيمَ مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ . فَأَخَذَ بِهِ أَحْمَد . وَلَمْ يَرِدْ فِي النَّصِّ إلَّا تَوْرِيثُ هَؤُلَاءِ . وَقِيلَ : بَلْ يَرِثُ جِنْسَ الْجَدَّاتِ الْمُدْلِيَاتِ بِوَارِثِ ; وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . وَهَذَا الْقَوْلُ أَرْجَحُ ; لِأَنَّ لَفْظَ النَّصِّ وَإِنْ لَمْ يَرِدْ فِي كُلِّ جَدَّةٍ فَالصِّدِّيقُ لَمَّا جَاءَتْهُ الثَّانِيَة قَالَ لَهَا : لَمْ يَكُنْ السُّدُسُ الَّتِي أُعْطِي إلَّا لِغَيْرِك ; وَلَكِنْ هِيَ لَوْ خَلَتْ بِهِ فَهُوَ لَهَا . فَوَرَّثَ الثَّانِيَة . وَالنَّصُّ إنَّمَا كَانَ فِي غَيْرِهَا . وَلِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ أَنَّ مَنْ عَلَتْ بِالْأُمُومَةِ وَرِثَتْ : فَتَرِثُ أُمُّ أُمِّ الْأَبِ وَأُمُّ أُمِّ الْأُمِّ بِالِاتِّفَاقِ : فَيَبْقَى أُمُّ أَبِي الْجَدِّ : أَيْ فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّ الْجَدِّ وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَ أُمِّ الْأَبِ وَأُمِّ الْجَدِّ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا الْجَدِّ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ ; بَلْ هُوَ جَدٌّ أَعْلَى كَذَلِكَ الْجَدُّ كَالْأَبِ ; كَأَيِّ وَصْفٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ أُمِّ أُمِّ الْأَبِ وَأُمِّ أَبِي الْجَدِّ يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ أُمَّ أُمِّ الْمَيِّتِ وَأُمَّ أَبِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سَوَاءٌ ; فَكَذَلِكَ أُمُّ أُمِّ أَبِيهِ وَأُمُّ أَبِي أَبِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِيهِ سَوَاءٌ ; فَوَجَبَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْمِيرَاثِ . وَأَيْضًا فَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا أُمَّ أُمِّ الْأُمِّ وَإِنْ زَادَتْ أُمُومَتُهَا تَرِثُ وَأُمُّ أَبِي الْأَبِ لَا تَرِثُ . وَرَجَّحُوا الْجَدَّةَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ عَلَى الْجَدَّةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ . وَهَذَا ضَعِيفٌ فَلَمْ تَكُنْ أُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى بِهِ مِنْ أُمِّ الْأَبِ ; وَأَقَارِبُ الْأُمِّ لَمْ يُقَدَّمُوا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ بَلْ أَقَارِبُ الْأَبِ أَوْلَى فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ ; فَكَذَلِكَ فِي الْحَضَانَةِ . وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِابْنِهَا - أَيْ الْأَبِ - كَمَا هُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد ; لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ . وَلِأَنَّهَا وَلَوْ أَدْلَتْ بِهِ فَهِيَ لَا تَرِثُ مِيرَاثَهُ ; بَلْ هِيَ مَعَهُ كَوَلَدِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ لَمْ يَسْقُطُوا بِهَا . وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : مَنْ أَدْلَى بِشَخْصِ سَقَطَ بِهِ . بَاطِلٌ : طَرْدًا وَعَكْسًا . بَاطِلٌ طَرْدًا : بِوَلَدِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ وَعَكْسًا : بِوَلَدِ الِابْنِ مَعَ عَمِّهِمْ ; وَوَلَدِ الْأَخِ مَعَ عَمِّهِمْ . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ سُقُوطُ شَخْصٍ بِمَنْ لَمْ يَدْلُ بِهِ ; وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ أَنَّهُ يَرِثُ مِيرَاثَهُ فَكُلُّ مَنْ وَرِثَ مِيرَاثَ شَخْصٍ سَقَطَ بِهِ إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ وَالْجَدَّاتُ يَقُمْنَ مَقَامَ الْأُمِّ فَيَسْقُطْنَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُدْلِينَ بِهَا . وَأَمَّا كَوْنُ " بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ " لَهُنَّ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَكَذَلِكَ الْأَخَوَاتُ مِنْ الْأَبِ مَعَ أُخْتِ الْأَبَوَيْنِ ; فَلِأَنَّ اللَّهَ قَالَ . { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْخِطَابَ تَنَاوَلَ وَلَدَ الْبَنِينَ ; دُونَ وَلَدِ الْبَنَاتِ وَأَنَّ قَوْلَهُ { أَوْلَادَكُمْ } يَتَنَاوَلُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْمَيِّتِ ; وَهُمْ وَلَدُهُ وَوَلَدُ ابْنَتِهِ وَأَنَّهُ مُتَنَاوِلُهُمْ عَلَى التَّرْتِيبِ : يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِ الصُّلْبِ ; لِمَا قَدْ عُرِفَ مِنْ أَنَّمَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ وَالِابْنُ أَقْرَبُ مِنْ ابْنِ الِابْنِ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ إلَّا بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ ; وَبَقِيَ مِنْ نَصِيبِ الْبَنَاتِ السُّدُسُ ; فَإِذَا كَانَ هُنَا بَنَاتُ ابْنٍ فَإِنَّهُنَّ يَسْتَحْقِقْنَ الْجَمِيعَ لَوْلَا الْبِنْتُ ; فَإِذَا أَخَذَتْ النِّصْفَ فَالْبَاقِي لَهُنَّ . وَكَذَلِكَ فِي الْأُخْتِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ مَعَ الْأُخْتِ مِنْ الْأَبِ : { أَخْبَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى لِلْبِنْتِ بِالنِّصْفِ ; وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ } وَأَمَّا إذَا اسْتَكْمَلَتْ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ لَمْ يَبْقَ فَرْضٌ ; فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَصَبَةٌ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ فَالْمَالُ لَهُ ; لِأَنَّهُ أَوْلَى ذَكَرٍ ; وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَوْ فَوْقَهُ عَصَبُهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ كَالْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ . وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ يُسْقِطُهَا ; لِأَنَّهَا لَا تَرِثُ مُفْرَدَةً . وَالنِّزَاعُ فِي الْأُخْتِ لِلْأَبِ مَعَ أَخِيهَا إذَا اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلُثَيْنِ . فَالْجُمْهُورُ يَجْعَلُونَ الْبَنَاتَ عَصَبَةً مَعَ إخْوَانِهِنَّ يَقْتَسِمُونَ الْبَاقِي لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ سَوَاءٌ زَادَ مِيرَاثُهُنَّ بِالتَّعْصِيبِ أَوْ نَقَصَ وَتَوْرِيثُهُنَّ هُنَا أَقْوَى وَقَوْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ مَعْرُوفٌ فِي نُقْصَانِهِنَّ .