وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَوْفَتْ الْعِدَّةَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجِ ثَانٍ وَهُوَ " الْمُسْتَحِلُّ " : فَهَلْ الِاسْتِحْلَالُ يَجُوزُ بِحُكْمِ مَا جَرَى لِرُفَاعَةِ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي أَيَّامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا ؟ ثُمَّ إنَّهَا أَتَتْ لِبَيْتِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ طَالِبَةً لِبَعْضِ حَقِّهَا فَغَلَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ إنَّهَا قَعَدَتْ أَيَّامًا وَخَافَتْ وَادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ; لِكَيْ يَرُدَّهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فَرَاجَعَهَا إلَى عِصْمَتِهِ بِعَقْدِ شَرْعِيٍّ وَأَقَامَ مَعَهَا أَيَّامًا فَظَهَرَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ وَعَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْحَيْضِ فَاعْتَزَلَهَا إلَى أَنْ يَهْتَدِيَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ .
فَأَجَابَ : أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا زَوْجٌ لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ فَهَذَا الْمُحَلِّلُ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } . وَأَمَّا حَدِيثُ رِفَاعَةَ فَذَاكَ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا ثَابِتًا ; لَمْ يَكُنْ قَدْ تَزَوَّجَهَا لِيُحِلَّهَا لِلْمُطَلِّقِ . وَإِذَا تَزَوَّجَتْ بِالْمُحَلِّلِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ; إذْ غَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ مَوْطُوءَةً فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْهُ . وَمَا كَانَ يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا ; وَإِذَا وَطِئَهَا فَهُوَ زَانٍ عَاهِرٌ ; وَنِكَاحُهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ ثَلَاثًا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَزِلَهَا فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدِ أُلْحِقَ بِالْمُحَلِّلِ ; فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي وَطِئَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلَا يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ عِدَّتَهُ انْقَضَتْ وَتَزَوَّجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَنْ وَطِئَهَا وَهَذَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْفِرَاشِ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَلَا يَلْحَقُ بِوَطْئِهِ زِنًا ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ . وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } . لَكِنْ إنْ عَلِمَ الْمُحَلِّلُ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ ; بَلْ مِنْ هَذَا الْعَاهِرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْفِيَهُ بِاللِّعَانِ فَيُلَاعِنُهَا لِعَانًا يَنْقَطِعُ فِيهِ نَسَبُ الْوَلَدِ . وَيَلْحَقُ نَسَبُ الْوَلَدِ بِأُمِّهِ . وَلَا يَلْحَقُ بِالْعَاهِرِ .