تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ مَالِكِيِّ الْمَذْهَبِ حَصَلَ لَهُ نَكَدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدِ زَوْجَتِهِ فَحَضَرَ قُدَّامَ الْقَاضِي . فَقَالَ الزَّوْجُ لِوَالِدِ الزَّوْجَةِ : إنْ أَبْرَأَتْنِي ابْنَتُك أَوْقَعْت عَلَيْهَا الطَّلَاقَ . فَقَالَ وَالِدُهَا أَنَا أَبْرَأْتُك . فَحَضَرَ الزَّوْجُ وَوَالِدُ الزَّوْجَةِ قُدَّامَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَأَبْرَأَهُ وَالِدُهَا بِغَيْرِ حُضُورِهَا وَبِغَيْرِ إذْنِهَا : فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا ؟
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَنْصُوصِ الْمَعْرُوفِ عَنْهُمْ : أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُخَالِعَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِ ابْنَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ بِمَالِهَا فَلَا يَمْلِكُهُ كَمَا لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ سَائِرِ دُيُونِهَا . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِكْرًا كانت أَوْ ثَيِّبًا لِكَوْنِهِ يَلِي مَالَهَا وَرُوِيَ عَنْهُ : أَنَّ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ مُطْلَقًا ; لِكَوْنِهِ يُجْبِرُهَا عَلَى النِّكَاحِ . وَرُوِيَ عَنْهُ : يُخَالِعُ عَنْ ابْنَتِهِ مُطْلَقًا كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهًا فِي مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي حَقِّ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ أَنْ يُخَالِعَهَا بِالْإِبْرَاءِ مِنْ نِصْفِ مَهْرِهَا إذَا قُلْنَا : إنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الْوَلِيُّ ; وَخَطَّأَهُ بَعْضُهُمْ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الطَّلَاقِ ; لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ إسْقَاطَ حَقِّهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ فَجَوَازُ ذَلِكَ لِمَنْفَعَتِهَا وَهُوَ يَخْلَعُهَا مِنْ الزَّوْجِ أَوْلَى ; وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ كُلِّهِمْ أَنْ يَخْتَلِعَهَا مِنْ الزَّوْجِ بِشَيْءِ مِنْ مَالِهِ ; وَكَذَلِكَ لَهَا أَنْ تُخَالِعَهُ بِمَالِهَا إذَا ضَمِنَ ذَلِكَ الزَّوْجُ . فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَخْتَلِعَهَا وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ إلَّا إسْقَاطُ نِصْفِ صَدَاقِهَا . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ يُخَرَّجُ عَلَى أُصُولِ أَحْمَد مِنْ وُجُوهٍ . مِنْهَا أَنَّ الْأَبَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَيَخْلَعَ امْرَأَةَ ابْنِهِ الطِّفْلِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ; كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ طَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ . وَمَالِكٌ يُجَوِّزُ الْخُلْعَ دُونَ الطَّلَاقِ ; لِأَنَّ فِي الْخَلْعِ مُعَاوَضَةً . وَأَحْمَد يَقُولُ : لَهُ التَّطْلِيقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ وَضَرَرِهَا وَكَذَلِكَ لَا فَرْقَ فِي إسْقَاطِ حُقُوقِهِ بَيْنَ الْمَالِ وَغَيْرِ الْمَالِ . " وَأَيْضًا " فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِلْحُكْمِ فِي الشِّقَاقِ أَنْ يَخْلَعَ الْمَرْأَةَ بِشَيْءِ مِنْ مَالِهَا بِدُونِ إذْنِهَا ; وَيُطَلِّقَ عَلَى الزَّوْجِ بِدُونِ إذْنِهِ : كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ . وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ الْمَرْأَةَ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَعِنْدَهُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ الْأَبَ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَلَهُ أَنْ يُسْقِطَ نِصْفَ الصَّدَاقِ . وَمَذْهَبُهُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ حَتَّى لَوْ زَوَّجَهَا وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ بَعْضَ الصَّدَاقِ : جَازَ لَهُ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَالتَّمَلُّكِ هَذَا التَّصَرُّفُ لَمْ يَبْقَ إلَّا طَلَبُهُ لِفُرْقَتِهَا وَذَلِكَ يَمْلِكُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَيَجُوزُ عِنْدَهُ لِلْأَبِ أَنْ يُعْتِقَ بَعْضَ رَقَبَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ لِلْمَصْلَحَةِ . فَقَدْ يُقَالُ : الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ تَحْتَ حِجْرِ الْأَبِ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ مُعَاوَضَةً وَافْتِدَاءً لِنَفْسِهَا مِنْ الزَّوْجِ فَيَمْلِكُهُ الْأَبُ كَمَا يَمِلْك غَيْرَهُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ وَكَمَا يَمْلِكُ افْتِدَاءَهَا مِنْ الْأَسْرِ ; وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ مَصْلَحَةً لَهَا . وَقَدْ يُقَالُ : قَدْ لَا يَكُونُ مَصْلَحَتُهَا فِي الطَّلَاقِ ; وَلَكِنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ ; فَإِذَا بُذِلَ لَهُ الْعِوَضُ مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يُمْكِنْهَا مَنْعُهُ مِنْ الْبَذْلِ . فَأَمَّا إسْقَاطُ مَهْرِهَا وَحَقِّهَا الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ بِالنِّكَاحِ فَقَدْ يَكُونُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ . وَالْأَبُ قَدْ يَكُونُ غَرَضُهُ بِاخْتِلَاعِهَا حَظَّهُ لَا لِمَصْلَحَتِهَا وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهَا بِمُجَرَّدِ حَظِّهِ بِالِاتِّفَاقِ . فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يُصَحِّحُ الْإِبْرَاءَ يَقَعُ الْإِبْرَاءُ وَالطَّلَاقُ . وَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ إبْرَاءَهُ إنْ ضَمِنَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَا نِزَاعٍ ; وَكَانَ عَلَى الْأَبِ لِلزَّوْجِ مِثْلُ الصَّدَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ . وَعِنْدَهُ فِي الْجَدِيدِ : إنَّمَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ . وَأَمَّا إنْ لَمْ يُضَمِّنْهُ إنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالْإِبْرَاءِ . فَقَالَ لَهُ : إنْ أَبَرَّأْتنِي فَهِيَ طَالِقٌ . فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ إذَا اعْتَقَدَ الزَّوْجُ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَيَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ بِقَدْرِ الصَّدَاقِ ; لِأَنَّهُ غَرَّهُ ; وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْأُخْرَى لَا يَقَعُ شَيْءٌ . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ . وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ . وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا : وَجَدَ الْإِبْرَاءَ . وَأَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَ الْأَبَ ضَامِنًا بِهَذَا الْإِبْرَاءِ . وَأَمَّا إنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يَقَعُ ; لَكِنْ عِنْدَ أَحْمَد يَضْمَنُ لِلزَّوْجِ الصَّدَاقَ ; لِأَنَّهُ غَرَّهُ . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَضْمَنُ لَهُ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُلْزَمْ شَيْئًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .