تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
بَابُ طَلَاقِ السَّكْرَانِ وَنَحْوَهُ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ " السَّكْرَانِ غَائِبِ الْعَقْلِ " هَلْ يَحْنَثُ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَمْ لَا ؟
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَذِهِ الْمُسَالَةُ فِيهَا " قَوْلَانِ " لِلْعُلَمَاءِ . أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ السَّكْرَانِ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ إذَا طَلَّقَ وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عفان ; وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ فِيمَا أَعْلَمُ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ : كَعُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد : اخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ : كالطحاوي . وَهُوَ مَذْهَبُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ { مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى : أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يستنكهوه } لِيَعْلَمُوا هَلْ هُوَ سَكْرَانُ ؟ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ سَكْرَانَ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ ; وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ عُلِمَ أَنَّ أَقْوَالَهُ بَاطِلَةٌ كَأَقْوَالِ الْمَجْنُونِ ; وَلِأَنَّ السَّكْرَانَ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا فِي الشُّرْبِ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ { وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } . وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ تَنَاوَلَ شَيْئًا مُحَرَّمًا جَعَلَهُ مَجْنُونًا ; فَإِنَّ جُنُونَهُ وَإِنْ حَصَلَ بِمَعْصِيَةِ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِ . وَمَنْ تَأَمَّلَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ وَمَقَاصِدَهَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّوَابُ وَأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالسَّكْرَانِ قَوْلٌ لَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا ; وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ مُحَقِّقِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ كَأَبِي الْوَلِيدِ الباجي وَأَبِي الْمَعَالِي الجويني - يَجْعَلُونَ الشَّرَائِعَ فِي النَّشْوَانِ فَأَمَّا الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بِلَا رَيْبٍ . وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا مِمَّنْ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ كَمَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صِلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَنْ لَا تَصِحُّ صِلَاتُهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَقَدْ قَالَ : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .