مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } فَلَفْظُ { الْمَوْلُودِ لَهُ } أَجْوَدُ مِنْ لَفْظِ " الْوَالِدِ " لِوُجُوهِ : أَنَّهُ يَعُمُّ الْوَالِدَ وَسَيِّدَ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْوَلَدَ لِأَبِيهِ لَا لِأُمِّهِ . فَيُفِيدُ هَذَا أَنَّ الْوَلَدَ لِأَبِيهِ كَمَا نَقُولُهُ نَحْنُ مِنْ : أَنَّ الْأَبَ يَسْتَبِيحُ مَالَ وَلَدِهِ وَمَنَافِعَهُ وَأَنَّهُ يُبَيِّنُ جِهَةَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَوْنُ الْوَلَدِ لَهُ ; لَا لِلْأُمِّ . وَأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الَّتِي وَلَدَتْهُ حَقِيقَةً ; دُونَ الْأَبِ . فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ . وَلِهَذَا يُقَالُ : وُلِدَ لِفُلَانِ مَوْلُودٌ . وُلِدَ لِي وَلَدٌ . وَهَذِهِ الْآيَةُ تُوجِبُ رِزْقَ الْمُرْتَضِعِ عَلَى أَبِيهِ ; لِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فَأَوْجَبَ نَفَقَتَهُ حَمْلًا وَرَضِيعًا بِوَاسِطَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رِزْقُهُ بِدُونِ رِزْقِ حَامِلِهِ وَمُرْضِعِهِ . فَسُئِلْت : فَأَيْنَ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ بَعْدَ فِطَامِهِ ؟ فَقُلْت : دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ تَنْبِيهًا ; فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فِي حَالِ اخْتِفَائِهِ وَارْتِضَاعِهِ أَوْجَبَ نَفَقَةَ مَنْ تَحْمِلُهُ وَتُرْضِعُهُ ; إذْ لَا يُمْكِنُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ إلَّا بِذَلِكَ : فَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ فِصَالِهِ إذَا كَانَ يُبَاشِرُ الِارْتِزَاقَ بِنَفْسِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى . وَهَذَا مِنْ حُسْنِ الِاسْتِدْلَالِ فَقَدْ تَضَمَّنَ الْخِطَابُ التَّنْبِيهَ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْكُوتِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْمَنْطُوقِ ; وَتَضَمَّنَ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِكَوْنِ النَّفَقَةِ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَهُ الْوَلَدُ دُونَ الْأُمِّ ; وَمَنْ كَانَ الشَّيْءُ لَهُ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ ; وَلِذَا سُمِّيَ الْوَلَدُ كَسْبًا فِي قَوْلِهِ : ( وَمَا كَسَبَ وَفِي قَوْلِهِ : " { إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ ; وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ } .