مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
وَقَالَ : - فَصْلٌ : فِي ( الْقَاعِدَةِ الْعَظِيمَةِ الْجَلِيلَةِ فِي " مَسَائِلِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ " مِنْ حَيْثُ قِدَمُهَا وَوُجُوبُهَا أَوْ جَوَازُهَا وَمُشْتَقَّاتُهَا أَوْ وُجُوبُ النَّوْعِ مُطْلَقًا وَجَوَازُ الْآحَادِ مُعَيَّنًا . فَنَقُولُ : ( الْمُضَافَاتُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ إضَافَةَ اسْمٍ إلَى اسْمٍ أَوْ نِسْبَةَ فِعْلٍ إلَى اسْمٍ أَوْ خَبَرٍ بِاسْمِ عَنْ اسْمٍ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : ( أَحَدُهَا إضَافَةُ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ } وَقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ } . وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ : { اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك } وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ { اللَّهُمَّ بِعِلْمِك الْغَيْبَ وَقُدْرَتِك عَلَى الْخَلْقِ } فَهَذَا فِي الْإِضَافَةِ الِاسْمِيَّةِ . وَأَمَّا بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَكَقَوْلِهِ : { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ } وَقَوْلِهِ : { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ } . وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ : فَمِثْلَ قَوْلِهِ : { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي تُوصَفُ بِهِ الذَّوَاتُ : إمَّا جُمْلَةٌ أَوْ مُفْرَدٌ . فَالْجُمْلَةُ إمَّا اسْمِيَّةٌ كَقَوْلِهِ : { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أَوْ فِعْلِيَّةٌ كَقَوْلِهِ : { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ } . أَمَّا الْمُفْرَدُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى كَقَوْلِهِ : { بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ } وَقَوْلِهِ : { هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } أَوْ إضَافَةُ الْمَوْصُوفِ كَقَوْلِهِ : { ذُو الْقُوَّةِ } . وَ ( الْقِسْمُ الثَّانِي : إضَافَةُ الْمَخْلُوقَاتِ كَقَوْلِهِ : { نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا } وَقَوْلِهِ : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ } وَقَوْلِهِ : { رَسُولَ اللَّهِ } وَ { عِبَادَ اللَّهِ } وَقَوْلِهِ : { ذُو الْعَرْشِ } وَقَوْلِهِ : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } . فَهَذَا الْقِسْمُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّهُ مَخْلُوقٌ كَمَا أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي أَنَّهُ قَدِيمٌ وَغَيْرُ مَخْلُوقٍ . وَقَدْ خَالَفَهُمْ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ فِي ثُبُوتِ الصِّفَاتِ ; لَا فِي أَحْكَامِهَا وَخَالَفَهُمْ بَعْضُهُمْ فِي قِدَمِ الْعِلْمِ وَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ حُدُوثَهُ وَلَيْسَ الْغَرَضُ هُنَا تَفْصِيلَ ذَلِكَ . ( الثَّالِثُ - وَهُوَ مَحَلُّ الْكَلَامِ هُنَا - مَا فِيهِ مَعْنَى الصِّفَةِ وَالْفِعْلِ مِثْلَ قَوْلِهِ : { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } وَقَوْلِهِ : { إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } وَقَوْلِهِ : { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي } وَقَوْلِهِ : { يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ } { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ } وَقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ } { فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } . وَقَوْلِهِ : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ } وَقَوْلِهِ : { وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ } وَقَوْلِهِ : { فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } وَقَوْلِهِ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ } وَقَوْلِهِ : { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } . وَقَوْلِهِ : { وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا } { وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ } { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا } . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ } { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } وَقَوْلُهُ : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا } { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ } { هَلْ يَنْظُرُونَ إلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ } . وَفِي الْأَحَادِيثِ شَيْءٌ كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ " الشَّفَاعَةِ " : { إنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ } وَقَوْلِهِ : { ضَحِكَ اللَّهُ إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ } وَقَوْلِهِ : { يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا } الْحَدِيثَ . وَأَشْبَاهُ هَذَا . وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ . وَقَوْلُهُ : { إذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ : سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ } فَالنَّاسُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا : - وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ والكلابية وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ - إنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَقَ بِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ ; فَيَكُونُ : إمَّا قَدِيمًا قَائِمًا بِهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ وَهُمْ ( الكلابية . وَإِمَّا مَخْلُوقًا مُنْفَصِلًا عَنْهُ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ بِهِ نَعْتٌ أَوْ حَالٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ شَيْءٌ لَيْسَ بِقَدِيمِ . وَيُسَمُّونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ : " مَسْأَلَةَ حُلُولِ الْحَوَادِثِ بِذَاتِهِ " . وَيَقُولُونَ : يَمْتَنِعُ أَنْ تَحِلَّ الْحَوَادِثُ بِذَاتِهِ كَمَا يُسَمِّيهَا قَوْمٌ آخَرُونَ : فِعْلُ الذَّاتِ بِالذَّاتِ أَوْ فِي الذَّاتِ ; وَرَأَوْا أَنَّ تَجْوِيزَ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَهُ ; لِأَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي دَلَّهُمْ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ : قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِهَا ; فَلَوْ قَامَتْ بِهِ لَزِمَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ : إمَّا حُدُوثُهُ أَوْ بُطْلَانُ الْعِلْمِ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ . وَمَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ قَالَ : دَلِيلُ حُدُوثِ الْعَالَمِ امْتِنَاعُ خُلُوِّهِ عَنْ الْحَوَادِثِ وَكَوْنُهُ لَا يَسْبِقُهَا وَأَمَّا إذَا جَازَ أَنْ يَسْبِقَهَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيَامِهَا بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحُدُوثِ . وَيَقُولُ آخَرُونَ : إنَّهُ لَيْسَ هَذَا هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ . وَلَهُمْ مَآخِذُ أُخَرُ . ثُمَّ هُمْ فَرِيقَانِ : ( أَحَدُهُمَا : مَنْ يَرَى امْتِنَاعَ قِيَامِ الصِّفَاتِ بِهِ أَيْضًا ; لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الصِّفَاتِ أَعْرَاضٌ وَأَنَّ قِيَامَ الْعَرَضِ بِهِ يَقْتَضِي حُدُوثَهُ أَيْضًا وَهَؤُلَاءِ نفاة الصِّفَاتِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَالُوا حِينَئِذٍ : إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ مَشِيئَةٌ قَائِمَةٌ بِهِ وَلَا حُبٌّ وَلَا بُغْضٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَرَدُّوا جَمِيعَ مَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ إلَى إضَافَةِ خَلْقٍ أَوْ إضَافَةِ وَصْفٍ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ مَعْنًى بِهِ . ( وَالثَّانِي : مَذْهَبُ الصفاتية أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ يَرَوْنَ قِيَامَ الصِّفَاتِ بِهِ فَيَقُولُونَ : لَهُ مَشِيئَةٌ قَدِيمَةٌ وَكَلَامٌ قَدِيمٌ وَاخْتَلَفُوا فِي حُبِّهِ وَبُغْضِهِ وَرَحْمَتِهِ وَأَسَفِهِ وَرِضَاهُ وَسَخَطِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هَلْ هُوَ بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ أَوْ صِفَاتٍ أُخْرَى غَيْرِ الْمَشِيئَةِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْحَنْبَلِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ . وَيَقُولُونَ : إنَّ الْخَلْقَ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ الْمَخْلُوقِ وَغَيْرَ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ مِنْ الْمَشِيئَةِ وَالْكَلَامِ . ثُمَّ يَقُولُونَ لِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْخَلْقِ هَلْ هُوَ الْمَخْلُوقُ ؟ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : ( أَحَدُهَا : أَنَّ الْخَلْقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ . ( وَالثَّانِي : أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْمَخْلُوقِ . ( وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ مَعْنًى قَائِمٌ بِنَفْسِهِ . ( وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ قَائِمٌ بِالْخَالِقِ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ : مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْخَلْقُ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ فَالْخَلْقُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ وَالْمَخْلُوقُ الْمَوْجُودُ الْمُخْتَرَعُ . وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا وَأَنَّ الصِّفَاتِ [ النَّاشِئَةَ ] عَنْ الْأَفْعَالِ مَوْصُوفٌ بِهَا فِي الْقِدَمِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَفْعُولَاتُ مُحْدَثَةً . قَالَ : وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ . وَيَقُولُونَ فِي الِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَالْمَجِيءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَنْوَاعُ جِنْسِ الْحَرَكَةِ : أَحَدَ قَوْلَيْنِ : إمَّا أَنْ يَجْعَلُوهَا مِنْ بَابِ " النَّسَبِ " وَ " الْإِضَافَاتِ " الْمَحْضَةِ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَرْشَ بِصِفَةِ التَّحْتِ فَصَارَ مُسْتَوِيًا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَكْشِفُ الْحُجُبَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فَيَصِيرُ جَائِيًا إلَيْهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَنَّ التَّكْلِيمَ إسْمَاعُ الْمُخَاطَبِ فَقَطْ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِيهِ أَوْ فِي بَعْضِهِ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ . أَوْ يَقُولُ : إنَّ هَذِهِ " أَفْعَالٌ مَحْضَةٌ " فِي الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ وَلَا نِسْبَةٍ فَهَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَهُمْ هَلْ تَثْبُتُ لِلَّهِ هَذِهِ النِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ مَعَ اتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُدُوثِ " نِسَبٍ " وَ " إضَافَاتٍ " لِلَّهِ تَعَالَى كَالْمَعِيَّةِ وَنَحْوِهَا ؟ وَيُسَمِّي ابْنُ عَقِيلٍ هَذِهِ النِّسَبَ : " الْأَحْوَالَ " لِلَّهِ وَلَيْسَتْ هِيَ " الْأَحْوَالُ " الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا الْمُتَكَلِّمُونَ مِثْلَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْقَادِرِيَّةِ ; بَلْ هَذِهِ النِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ يُسَمِّيهَا الْأَحْوَالَ . وَيَقُولُ : إنَّ حُدُوثَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَيْسَ هُوَ حُدُوثُ الصِّفَاتِ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ نِسَبٌ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْخَلْقِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ مَعْنًى قَائِمٍ بِالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَصْعَدُ إلَى السَّطْحِ فَيَصِيرُ فَوْقَهُ ثُمَّ يَجْلِسُ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ تَحْتَهُ وَالسَّطْحُ مُتَّصِفٌ تَارَةً بِالْفَوْقِيَّةِ وَالْعُلُوِّ وَتَارَةً بِالتَّحْتِيَّةِ وَالسُّفُولِ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ صِفَةٍ فِيهِ وَلَا تَغَيُّرٍ . وَكَذَلِكَ إذَا وُلِدَ لِلْإِنْسَانِ مَوْلُودٌ فَيَصِيرُ أَخُوهُ عَمًّا وَأَبُوهُ جَدًّا وَابْنُهُ أَخًا وَأَخُو زَوْجَتِهِ خَالًا وَتُنْسَبُ لَهُمْ هَذِهِ النِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ فِيهِمْ . ( وَالْقَوْلُ الثَّانِي : - وَهُوَ قَوْلُ الكرامية وَكَثِيرٍ مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ . وَأَكْثَرُ كَلَامِ السَّلَفِ وَمَنْ حَكَى مَذْهَبَهُمْ حَتَّى الْأَشْعَرِيَّ ; يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ - أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ وَنَحْوَهَا ; الْمُضَافَةَ إلَى اللَّهِ : " قِسْمٌ ثَالِثٌ " لَيْسَتْ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ ; وَلَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ الْوَاجِبَةِ الَّتِي لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا مَشِيئَتُهُ : لَا بِأَنْوَاعِهَا وَلَا بِأَعْيَانِهَا . وَقَدْ يَقُولُ هَؤُلَاءِ : إنَّهُ يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ وَيَسْكُتُ إذَا شَاءَ وَلَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا ; بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ وَيَسْكُتُ إذَا شَاءَ وَكَلَامُهُ مِنْهُ لَيْسَ مَخْلُوقًا . وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ : وَإِنْ كَانَ لَهُ مَشِيئَةٌ قَدِيمَةٌ فَهُوَ يُرِيدُ إذَا شَاءَ وَيَغْضَبُ وَيَمْقُتُ . وَيُقِرُّ هَؤُلَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ مَا جَاءَ مِنْ النُّصُوصِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِثْلَ قَوْلِهِ : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } أَنَّهُ اسْتَوَى عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَوِيًا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يَدْنُو إلَى عِبَادِهِ وَيَقْرُبُ مِنْهُمْ وَيَنْزِلُ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا وَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ جَائِيًا . ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَدْ يَقُولُ : تَحِلُّ " الْحَوَادِثُ " بِذَاتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُطْلِقُ هَذَا اللَّفْظَ : إمَّا لِعَدَمِ وُرُودِ الْأَثَرِ بِهِ ; وَإِمَّا لِإِيهَامِ مَعْنًى فَاسِدٍ ; مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَحُلُولِ " الْأَعْرَاضِ " بِالْمَخْلُوقَاتِ ; كَمَا يَمْتَنِعُ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ تَسْمِيَةِ صِفَاتِهِ أَعْرَاضًا ; وَإِنْ كَانَتْ صِفَاتٍ قَائِمَةً بِالْمَوْصُوفِ كَالْأَعْرَاضِ . وَزَعَمَ ابْنُ الْخَطِيبِ أَنَّ أَكْثَرَ الطَّوَائِفِ وَالْعُقَلَاءِ يُقِرُّونَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الْحَقِيقَةِ ; وَإِنْ أَنْكَرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ ; حَتَّى الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ . أَمَّا " الْفَلَاسِفَةُ " : فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْإِضَافَاتِ مَوْجُودَةٌ فِي الْأَعْيَانِ ; وَاَللَّهُ مَوْجُودٌ مَعَ كُلِّ حَادِثٍ . وَ " الْمَعِيَّةُ " صِفَةٌ حَادِثَةٌ فِي ذَاتِهِ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْبَرَكَاتِ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ " بِحُدُوثِ عُلُومٍ وَإِرَادَاتٍ جُزْئِيَّةٍ فِي ذَاتِهِ الْمُعَيَّنَةِ . وَقَالَ : إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الِاعْتِرَافُ بِكَوْنِهِ إلَهًا لِهَذَا الْعَالَمِ إلَّا مَعَ الْقَوْلِ بِذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ : الْإِجْلَالُ مِنْ هَذَا الْإِجْلَالِ وَاجِبٌ وَالتَّنْزِيهُ مِنْ هَذَا التَّنْزِيهِ لَازِمٌ . وَأَمَّا " الْمُعْتَزِلَةُ " : فَإِنَّ الْبَصْرِيِّينَ كَأَبِي عَلِيٍّ وَأَبِي هَاشِمٍ يَقُولُونَ بِحُدُوثِ الْمَرْئِيِّ وَالْمَسْمُوعِ وَبِهِ تَحْدُثُ صِفَةُ السَّمْعِيَّةِ وَالْبَصَرِيَّةِ لِلَّهِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ بِتَجَدُّدِ عُلُومٍ فِي ذَاتِهِ بِتَجَدُّدِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْأَشْعَرِيَّةُ أَيْضًا يَقُولُونَ بِأَنَّ الْمَعْدُومَاتِ لَمْ تَكُنْ مَسْمُوعَةً وَلَا مَرْئِيَّةً ; ثُمَّ صَارَتْ مَسْمُوعَةً مَرْئِيَّةً بَعْدَ وُجُودِهَا وَلَيْسَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ عِنْدَهُمْ مُجَرَّدَ نِسْبَةٍ ; بَلْ هُوَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ وَقَدْ يُلْزِمُونَ بِقَوْلِهِمْ : بِأَنَّ النَّسْخَ هُوَ رَفْعُ الْحُكْمِ أَوْ انْتِهَاؤُهُ . وَقَوْلَهُمْ عِلْمُهُ بِالْجُزْئِيَّاتِ . وَكَذَلِكَ بِانْقِطَاعِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مِنْهُ . وَالتَّحْقِيقُ : أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْخِلَافِ فِي هَذَا الْأَصْلِ مَوْجُودٌ فِي عَامَّةِ الطَّوَائِفِ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِأَهْلِ الْحَدِيثِ . ثُمَّ " النفاة " قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَلْزَمُهُمْ إذَا أَثْبَتُوا لِلَّهِ نُعُوتًا غَيْرَ قَدِيمَةٍ ; فَيَصِيرُ هَذَا الْأَصْلُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَهُمْ قَدْ يَعْتَذِرُونَ عَنْ تِلْكَ اللَّوَازِمِ ; تَارَةً بِأَعْذَارِ صَحِيحَةٍ ; فَلَا يَكُونُ لَازِمًا لَهُمْ وَتَارَةً بِأَعْذَارِ غَيْرِ صَحِيحَةٍ فَيَكُونُ لَازِمًا لَهُمْ وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ . وَأَمَّا نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : فَلَا رَيْبَ أَنَّ ظَاهِرَهَا مُوَافِقٌ لِهَذَا الْقَوْلِ لَكِنْ الْأَوَّلُونَ قَدْ يَتَأَوَّلُونَهَا أَوْ يُفَوِّضُونَهَا وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَقُولُونَ : إنَّ فِيهَا نُصُوصًا لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ . وَإِنَّ مَا قَبِلَ التَّأْوِيلَ قَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ الْقَرَائِنِ والضمائم مَا يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَرَادَ ذَلِكَ ; أَوْ أَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ . وَيَقُولُونَ : لَيْسَ للنفاة دَلِيلٌ مُعْتَمَدٌ وَإِنَّمَا مَعَهُمْ التَّقْلِيدُ لِأَسْلَافِهِمْ بِالشَّنَاعَةِ وَالتَّهْوِيلِ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا دَقِيقَ الْكَلَامِ وَأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَخَوَاصِّ عِبَادِ اللَّهِ وَإِنَّمَا خَالَفَ ذَلِكَ أَهْلُ الْبِدَعِ فِي الْمِلَلِ وَالْأَوَّلُونَ قَدْ يَقُولُونَ : هَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا كُفْرٌ وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّغَيُّرَ وَالْحُدُوثَ وَقَدْ رَأَيْت لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْأَصْلِ عَجَائِبَ .