وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَقَتَلَهَا ثُمَّ تَابَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ فَلَمَّا كَبُرَ أَحَدُهُمَا أَرَادَ أَدَاءَ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَلَمْ يَجِدْ قُدْرَةً عَلَى الْعِتْقِ فَأَرَادَ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ : فَهَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ ؟ وَهَلْ يُجْزِئُ قِيَامُ الْوَلَدِ بِهَا ؟ وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ امْرَأَةً فَحَاضَتْ فِي زَمَنِ الشَّهْرَيْنِ : هَلْ يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ ؟ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا أَنَّ الطُّهْرَ يَحْصُلُ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ : هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . إنْ كَانَ قَدْ وَجَدَهُمَا يَفْعَلَانِ الْفَاحِشَةَ وَقَتَلَهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد ; وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ وَطْئِهَا بِالْكَلَامِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَوْ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي بَيْتِك فَفَقَأْت عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْك شَيْءٌ } و { نَظَرَ رَجُلٌ مَرَّةً فِي بَيْتِهِ فَجَعَلَ يَتْبَعُ عَيْنَهُ بِمِدْرَى لَوْ أَصَابَتْهُ لَقَلَعَتْ عَيْنَهُ } وَقَالَ : { إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ } وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْكَلَامِ . وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِيَدِهِ سَيْفٌ مُتَلَطِّخٌ بِدَمِ قَدْ قَتَلَ امْرَأَتَهُ فَجَاءَ أَهْلَهَا يَشْكُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ الرَّجُلُ : إنِّي قَدْ وَجَدْت لُكَاعًا قَدْ تفخذها فَضَرَبْت مَا هُنَالِكَ بِالسَّيْفِ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَهَزَّهُ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَيْهِ فَقَالَ : إنْ عَادَ فَعُدْ . وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْهُ إذَا كَانَ الزَّانِي مُحْصَنًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنَّمَا مَأْخَذُهُ أَنَّهُ جَنَى عَلَى حُرْمَتِهِ فَهُوَ كَفَقْءِ عَيْنِ النَّاظِرِ وَكَاَلَّذِي انْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِ الْعَاضِّ حَتَّى سَقَطَتْ ثَنَايَاهُ فَأَهْدَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهُ وَقَالَ : { يَدَعُ يَدَهُ فِي فِيك فَتَقْضِمُهَا كَمَا يَقْضِمُ الْفَحْلُ } وَهَذَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ بِهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ قَالَ : لِأَنَّ دَفْعَ الصَّائِلِ يَكُونُ بِالْأَسْهَلِ . وَالنَّصُّ يُقَدَّمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ . وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ فَقَدْ دَخَلَ اللِّصُّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَصْلَتَ لَهُ السَّيْفَ قَالُوا : فَلَوْلَا أَنَّا نَهَيْنَاهُ عَنْهُ لَضَرَبَهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ وَأَخَذَ بِذَلِكَ . وَأَمَّا إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَمْ يَفْعَلْ بَعْدُ فَاحِشَةً ; وَلَكِنْ وَصَلَ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ وَالْأَحْوَطُ لِهَذَا أَنْ يَتُوبَ مِنْ الْقَتْلِ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ نِزَاعٌ فَإِذَا كَفَرَ فَقَدْ فَعَلَ الْأَحْوَطَ ; فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ . وَأَمَّا قَتْلُ الْعَمْدِ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ : كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ . وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى . وَإِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَمْ يُكَفِّرْ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ وَلَيُّهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَإِنَّهُ بَدَلُ الصِّيَامِ الَّذِي عَجَزَتْ عَنْهُ قُوَّتُهُ فَإِذَا أَطْعَمَ عَنْهُ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ فَهَذَا أَوْلَى . وَالْمَرْأَةُ إنْ صَامَتْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَمْ يَقْطَعْ الْحَيْضُ تَتَابُعَهَا بَلْ تَبْنِي بَعْدَ الطُّهْرِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .