مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَهَذِهِ " الْآيَةُ " تَدُلُّ  عَلَى  أَنَّ   إجْمَاعَ الْمُؤْمِنِينَ حُجَّةٌ  مِنْ جِهَةِ  أَنَّ  مُخَالَفَتَهُمْ  مُسْتَلْزِمَةٌ  لِمُخَالَفَةِ الرَّسُولِ  وَأَنَّ كُلَّ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ  فَلَا  بُدَّ أَنْ  يَكُونَ  فِيهِ نَصٌّ عَنْ الرَّسُولِ ; فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ يُقْطَعُ  فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ وَبِانْتِفَاءِ الْمُنَازِعِ  مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ; فَإِنَّهَا مِمَّا بَيَّنَ اللَّهُ  فِيهِ الْهُدَى وَمُخَالِفُ مِثْلِ  هَذَا الْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ  كَمَا يَكْفُرُ مُخَالِفُ النَّصِّ الْبَيِّنِ .  وَأَمَّا إذَا  كَانَ يُظَنُّ الْإِجْمَاعُ وَلَا يُقْطَعُ  بِهِ فَهُنَا قَدْ لَا يُقْطَعُ أَيْضًا بِأَنَّهَا مِمَّا تَبَيَّنَ  فِيهِ الْهُدَى  مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ وَمُخَالِفُ مِثْلِ  هَذَا الْإِجْمَاعِ قَدْ لَا يَكْفُرُ ; بَلْ قَدْ يَكُونُ ظَنُّ الْإِجْمَاعِ خَطَأً . وَالصَّوَابُ  فِي خِلَافِ  هَذَا الْقَوْلِ  وَهَذَا هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ فِيمَا يَكْفُرُ  بِهِ  مِنْ  مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَمَا لَا يَكْفُرُ .  وَ " الْإِجْمَاعُ " هَلْ هُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ أَوْ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ ؟  .  فَإِنَّ  مِنْ النَّاسِ مَنْ يُطْلِقُ الْإِثْبَاتَ بِهَذَا أَوْ  هَذَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُ النَّفْيَ لِهَذَا وَلِهَذَا . وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يُقْطَعُ  بِهِ  مِنْ الْإِجْمَاعِ وَيُعْلَمُ يَقِينًا  أَنَّهُ لَيْسَ  فِيهِ مُنَازِعٌ  مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلًا ;  فَهَذَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَقٌّ ;  وَهَذَا لَا  بُدَّ أَنْ  يَكُونَ مِمَّا بَيَّنَ  فِيهِ الرَّسُولُ الْهُدَى ;  كَمَا قَدْ بُسِطَ  هَذَا  فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .  وَمِنْ جِهَةِ  أَنَّهُ  إذَا وَصَفَ الْوَاجِبَ بِصِفَاتِ مُتَلَازِمَةٍ   ;  دَلَّ  عَلَى  أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ  مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ مَتَى ظَهَرَتْ  وَجَبَ اتِّبَاعُهَا  وَهَذَا مِثْلُ {   الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ   }  الَّذِي  أَمَرَنَا اللَّهُ بِسُؤَالِ هِدَايَتِهِ ; فَإِنَّهُ قَدْ وُصِفَ بِأَنَّهُ الْإِسْلَامُ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَوُصِفَ بِأَنَّهُ طَرِيقُ الْعُبُودِيَّةِ ; وَمَعْلُومٌ  أَنَّ كُلَّ اسْمٍ  مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ يَجِبُ اتِّبَاعُ مُسَمَّاهُ وَمُسَمَّاهَا كُلِّهَا وَاحِدٌ  وَإِنْ تَنَوَّعَتْ صِفَاتُهُ ; فَأَيُّ صِفَةٍ ظَهَرَتْ  وَجَبَ اتِّبَاعُ مَدْلُولِهَا فَإِنَّهُ مَدْلُولُ الْأُخْرَى .  وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَاءُ كِتَابِهِ وَأَسْمَاءُ رَسُولِهِ هِيَ مِثْلُ أَسْمَاءِ دِينِهِ . وَكَذَلِكَ   قَوْله تَعَالَى  .   {   وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا  تَفَرَّقُوا   }  قِيلَ : حَبْلُ اللَّهِ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ  وَقِيلَ : الْقُرْآنُ  وَقِيلَ : عَهْدُهُ  وَقِيلَ : طَاعَتُهُ وَأَمْرُهُ  وَقِيلَ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ ; وَكُلُّ  هَذَا حَقٌّ . وَكَذَلِكَ إذَا  قُلْنَا : الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ فَمَدْلُولُ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ  فَإِنَّ كُلَّ مَا  فِي الْكِتَابِ فَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مُوَافِقٌ لَهُ وَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَيْهِ  مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَلَيْسَ  فِي الْمُؤْمِنِينَ إلَّا مَنْ يُوجِبُ اتِّبَاعَ الْكِتَابِ  وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا  سَنَّهُ الرَّسُولُ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْقُرْآنُ يَأْمُرُ بِاتِّبَاعِهِ  فِيهِ وَالْمُؤْمِنُونَ مُجْمِعُونَ  عَلَى  ذَلِكَ  .  وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا  أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا حَقًّا مُوَافِقًا لِمَا  فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ;  لَكِنْ الْمُسْلِمُونَ يَتَلَقَّوْنَ دِينَهُمْ كُلَّهُ عَنْ الرَّسُولِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الرَّسُولُ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَحْيُ الْقُرْآنِ وَوَحْيٌ آخَرُ هُوَ الْحِكْمَةُ  كَمَا  قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {  أَلَا إنِّي  أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ   }  .  وَقَالَ  حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ  :   {  كَانَ   جِبْرِيلُ  يَنْزِلُ  عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  بِالسُّنَّةِ فَيُعَلِّمُهُ إيَّاهَا  كَمَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ .   }  فَلَيْسَ كُلُّ مَا جَاءَتْ  بِهِ السُّنَّةُ يَجِبُ أَنْ  يَكُونَ مُفَسَّرًا  فِي الْقُرْآنِ ; بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ ; فَإِنَّهُ لَا  بُدَّ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ  فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  هُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ  فِي  أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَتَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ ; وَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ  الْإِيمَانِ .