تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَقْوَالُ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِي " تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ " فَتَارَةً يَقُولُونَ : هُوَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ . وَتَارَةً يَقُولُونَ : هُوَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ . وَتَارَةً يَقُولُونَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ . وَتَارَةً يَقُولُونَ : قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَاعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ وَكُلُّ هَذَا صَحِيحٌ . فَإِذَا قَالُوا : قَوْلٌ وَعَمَلٌ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْقَوْلِ قَوْلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ جَمِيعًا ; وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ لَفْظِ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا أُطْلِقَ . وَالنَّاسُ لَهُمْ فِي مُسَمَّى " الْكَلَامِ " وَ " الْقَوْلِ " عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا كَمَا يَتَنَاوَلُ لَفْظَ الْإِنْسَانِ لِلرُّوحِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا . وَقِيلَ : بَلْ مُسَمَّاهُ هُوَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى لَيْسَ جُزْءَ مُسَمَّاهُ بَلْ هُوَ مَدْلُولُ مُسَمَّاهُ وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُ النُّحَاةِ لِأَنَّ صِنَاعَتَهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَلْفَاظِ . وَقِيلَ : بَلْ مُسَمَّاهُ هُوَ الْمَعْنَى وَإِطْلَاقُ الْكَلَامِ عَلَى اللَّفْظِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ كُلَّابٍ وَمَنْ اتَّبَعَهُ وَقِيلَ : بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الكلابية وَلَهُمْ قَوْلٌ ثَالِثٌ يُرْوَى عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ مَجَازٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ حَقِيقَةٌ فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّ حُرُوفَ الْآدَمِيِّينَ تَقُومُ بِهِمْ فَلَا يَكُونُ الْكَلَامُ قَائِمًا بِغَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْقُرْآنِيِّ ; فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ عِنْدَهُ بِاَللَّهِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ وَلِبَسْطِ هَذَا مَوْضِعٌ آخَرُ . ( وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ أَرَادَ قَوْلَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَعَمَلَ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ ; وَمَنْ أَرَادَ الِاعْتِقَادَ رَأَى أَنَّ لَفْظَ الْقَوْلِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْقَوْلُ الظَّاهِرُ أَوْ خَافَ ذَلِكَ فَزَادَ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ وَمَنْ قَالَ : قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ قَالَ : الْقَوْلُ يَتَنَاوَلُ الِاعْتِقَادَ وَقَوْلَ اللِّسَانِ وَأَمَّا الْعَمَلُ فَقَدْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ النِّيَّةُ فَزَادَ ذَلِكَ وَمَنْ زَادَ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَكُونُ مَحْبُوبًا لِلَّهِ إلَّا بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَأُولَئِكَ لَمْ يُرِيدُوا كُلَّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ إنَّمَا أَرَادُوا مَا كَانَ مَشْرُوعًا مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ وَلَكِنْ كَانَ مَقْصُودُهُمْ الرَّدَّ عَلَى " الْمُرْجِئَةِ " الَّذِينَ جَعَلُوهُ قَوْلًا فَقَطْ فَقَالُوا : بَلْ هُوَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَاَلَّذِينَ جَعَلُوهُ " أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ " فَسَّرُوا مُرَادَهُمْ كَمَا سُئِلَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التستري عَنْ الْإِيمَانِ مَا هُوَ ؟ فَقَالَ : قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ وَسُنَّةٌ لِأَنَّ الْإِيمَانَ إذَا كَانَ قَوْلًا بِلَا عَمَلٍ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِذَا كَانَ قَوْلًا وَعَمَلًا بِلَا نِيَّةٍ فَهُوَ نِفَاقٌ وَإِذَا كَانَ قَوْلًا وَعَمَلًا وَنِيَّةً بِلَا سُنَّةٍ فَهُوَ بِدْعَةٌ .