تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ " مُتَصَوِّفٍ " قَالَ لِإِنْسَانِ - فِي كَلَامٍ جَرَى بَيْنَهُمْ - : فُقَرَاءُ الْأَسْوَاقِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْمُسْلِمُ فِي السُّوقِ قَالَ تَعَالَى : { وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ } فَقَالَ " الصُّوفِيُّ " : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْفَقْرُ إلَى اللَّهِ وَالْأَوْلِيَاءُ مُفْتَقِرُونَ لِلْخَاتِمَةِ وَالْأَشْقِيَاءُ تَحْتَ الْقَضَاءِ } " قَالَ الصُّوفِيُّ لِلرَّجُلِ : تَعْرِفُ الْفَقْرَ ؟ فَقَالَ لَهُ : لَا قَالَ الصُّوفِيُّ : الْفَقْرُ هُوَ اللَّهُ . فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظَ . ثُمَّ فِي ثَانِي يَوْمٍ قَالَ رَجُلٌ : أَنْتَ قُلْت : الْفَقْرُ هُوَ اللَّهُ فَقَالَ الصُّوفِيُّ : أَنَا قَرَأْت فِي كِتَابٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ رَآنِي آمَنَ بِي } وَأَنَا رَأَيْت الْفَقْرَ فَآمَنْت بِهِ وَالْفَقْرُ هُوَ اللَّهُ .
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . أَمَّا الْحَدِيثُ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ كَذِبًا مُنَاقِضٌ لِلْعَقْلِ وَالدِّينِ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَآهُ آمَنَ بِهِ ; بَلْ قَدْ رَآهُ كَثِيرٌ مِثْلُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : آمَنْت بِالْفَقْرِ أَوْ كَفَرْت بِالْفَقْرِ هُوَ مِنْ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ ; بَلْ هُوَ كُفْرٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ وَالْخَلْقُ هُمْ الْفُقَرَاءُ إلَيْهِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } . فَإِذَا كَانَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّهُ فَقِيرٌ قَدْ تَوَعَّدَهُمْ بِهَذَا فَكَيْفَ بِمَنْ يَقُولُ لَهُ الْفَقْرُ ؟ وَ " الْمَصْدَرُ " أَبْلَغُ مِنْ الصِّفَةِ وَإِذَا كَانَ مُنَزَّهًا عَلَى أَنْ يُوصَفَ بِذَلِكَ فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْمَصْدَرُ اسْمًا لَهُ ؟ وَلَوْ قَالَ الْقَائِلُ : أَرَدْت بِذَلِكَ الْفَقْرَ هُوَ إرَادَةُ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْتَضِي تَصْدِيقَهُ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْبَلُ تَصْدِيقَهُ نُهِيَ عَنْ الْعِبَارَةِ الْمَوْهُومَةِ وَأُمِرَ بِالْعِبَارَةِ الْحَسَنَةِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ : { الْفَقْرُ فَخْرِي وَبِهِ أَفْتَخِرُ } فَهُوَ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَاهُ بَاطِلٌ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْتَخِرْ بِشَيْءِ بَلْ قَالَ : { أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ } وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ { إنَّهُ أُوحِيَ إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ } وَلَوْ افْتَخَرَ بِشَيْءِ لَافْتَخَرَ بِمَا فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ . وَ " الْفَقْرُ " وَصْفٌ مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْفُقَرَاءِ سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهِ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ عَدَمُ الْمَالِ أَوْ الْفَقْرُ الِاصْطِلَاحِيُّ وَهُوَ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ وَالزُّهْدُ مَعَ أَنَّ لَفْظَهُ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ أَصْحَابِهِ لَا يُرَادُ بِهِ إلَّا الْفَقْرُ الشَّرْعِيُّ دُونَ الِاصْطِلَاحِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .