تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مُنْقَطِعٍ فِي بَيْتِهِ لَا يَخْرُجُ وَلَا يَدْخُلُ وَيُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَلَا يَشْهَدُ الْجَمَاعَةَ وَإِذَا خَرَجَ إلَى الْجُمْعَةِ يَخْرُجُ مُغَطَّى الْوَجْهِ ثُمَّ إنَّهُ يَخْتَرِعُ الْعِيَاطَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَتَجْتَمِعُ عِنْدَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ . فَهَلْ يُسَلَّمُ لَهُ حَالُهُ ؟ أَوْ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ ؟
1
فَأَجَابَ : هَذِهِ الطَّرِيقَةُ طَرِيقَةٌ بِدْعِيَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ . وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا يُعْبَدُ بِمَا شَرَعَ لَا يُعْبَدُ بِالْبِدَعِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } فَإِنَّ التَّعَبُّدَ بِتَرْكِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ بِحَيْثُ يَرَى أَنَّ تَرْكَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ شُهُودِهِمَا مُطْلَقًا كُفْرٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ مِنْهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ . فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يُعْبَدَ بِتَرْكِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ بَلْ يُعْبَدُ بِفِعْلِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ جَعَلَ الِانْقِطَاعَ عَنْ ذَلِكَ دِينًا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الرُّهْبَانِ الَّذِينَ يَتَخَلَّوْنَ بِالصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ وَالْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِ الرِّيَاضَةِ أَوْ الشَّيَاطِينِ - بِتَقْرِيبِهِ إلَيْهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ - نَوْعُ كَشْفٍ وَذَلِكَ لَا يُفِيدُهُ ; بَلْ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاَللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ الْخَلْقَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا وَيَعْبُدُوهُ بِمَا شَرَعَ وَأَمَرَ أَنْ لَا يَعْبُدُوهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ . قَالَ تَعَالَى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } وَقَالَ تَعَالَى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } . فَالسَّالِكُ طَرِيقَ الزَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ إذَا كَانَ مُتَّبِعًا لِلشَّرِيعَةِ فِي الظَّاهِرِ وَقَصَدَ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ وَتَعْظِيمَ النَّاسِ لَهُ كَانَ عَمَلُهُ بَاطِلًا لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ : { أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ . وَهُوَ كُلُّهُ لِلَّذِي أَشْرَكَ } وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ } " . وَإِنْ كَانَ خَالِصًا فِي نِيَّتِهِ لَكِنَّهُ يَتَعَبَّدُ بِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ الْمَشْرُوعَةِ : مِثْلُ الَّذِي يَصْمُتُ دَائِمًا أَوْ يَقُومُ فِي الشَّمْسِ أَوْ عَلَى السَّطْحِ دَائِمًا أَوْ يَتَعَرَّى مِنْ الثِّيَابِ دَائِمًا وَيُلَازِمُ لُبْسَ الصُّوفِ أَوْ لُبْسَ اللِّيفِ وَنَحْوِهِ أَوْ يُغَطِّي وَجْهَهُ أَوْ يَمْتَنِعُ مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ أَوْ اللَّحْمِ أَوْ شُرْبِ الْمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَادَاتُ بَاطِلَةً وَمَرْدُودَةً كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ } " . وَفِي رِوَايَةٍ : { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ الصَّمْتَ وَالْقِيَامَ وَالْبُرُوزَ لِلشَّمْسِ مَعَ الصَّوْمِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّوْمِ وَحْدَهُ } لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يُحِبُّهَا اللَّهُ تَعَالَى [ وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ بِعِبَادَةِ ] وَإِنْ ظَنَّهَا الظَّانُّ تُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى . وَثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : { إنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } . وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ الْآخَرُ : أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَنَامُ وَقَالَ الْآخَرُ : أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَقَالَ الْآخَرُ : أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ : كَيْت وَكَيْت لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَنَامُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَآكُلُ اللَّحْمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي } " . فَإِذَا كَانَ هَذَا فِيمَا هُوَ جِنْسُهُ عِبَادَةً ; فَإِنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ جِنْسُهُمَا عِبَادَةٌ وَتَرْكَ اللَّحْمِ وَالتَّزْوِيجِ جَائِزٌ لَكِنْ لَمَّا خَرَجَ فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ فَالْتَزَمَ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى الْمَشْرُوعِ وَالْتَزَمَ هَذَا تَرْكَ الْمُبَاحِ كَمَا يَفْعَلُ الرُّهْبَانُ تَبَرَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ حَيْثُ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِ إلَى خِلَافِهَا وَقَالَ : { لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ } " فَكَيْفَ بِمَنْ يَرْغَبُ عَمَّا هُوَ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الصَّلَاةُ فِي الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ غَيْرَ مَرَّةٍ : عَمَّنْ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَلَا يَشْهَدُ جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً . فَقَالَ : " هُوَ فِي النَّارِ " . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَيَنْتَهِيَن أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَطْبَعَن اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لِيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ } وَقَالَ : { مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ } وَفِي الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ : " { إنَّ أَعْمَى قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي قَائِدًا لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي قَالَ : هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَأَجِبْ . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ : لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً } . وَ " الْجُمْعَةُ " فَرِيضَةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَ " الْجَمَاعَةُ " وَاجِبَةٌ أَيْضًا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ عِنْدَ أَكْثَرِ السَّلَفِ وَهَلْ هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَقْوَاهُمَا كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي داود عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ } . وَعِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ : أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ . وَ " أَحَدُ الْأَقْوَالِ " أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ مَنْ جَعَلَ صَلَاتَهُ وَحْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنَّهُ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِدِينِ الْمُسْلِمِينَ . وَهَذِهِ الْبِدَعُ يُذَمُّ أَصْحَابُهَا وَيُعْرَفُ أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَقَبَّلُهَا وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُمْ بِهَا الْعِبَادَةَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ عِبَادَةَ الرُّهْبَانِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَجْتَهِدُونَ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُ بِمَا شَرَعَ ; بَلْ بِبِدْعَةِ ابْتَدَعُوهَا كَمَا قَالَ : { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا } فَإِنَّ الْمُتَعَبِّدَ بِهَذِهِ الْبِدَعِ قَصْدُهُ أَنْ يُعَظَّمَ وَيُزَارَ وَهَذَا عَمَلُهُ لَيْسَ خَالِصًا لِلَّهِ وَلَا صَوَابًا عَلَى السُّنَّةِ ; بَلْ هُوَ كَمَا يُقَالُ : زَغَلٌ وَنَاقِصٌ بِمَنْزِلَةِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ مَيِّتٍ ; حَرَامٌ مِنْ وَجْهَيْنِ . وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الْتِزَامُ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَالْأَمْرِ بِذَلِكَ لِكُلِّ أَحَدٍ وَالنَّهْيِ عَنْ ضِدِّ ذَلِكَ لِكُلِّ أَحَدٍ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ وَلَيْسَ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ أَحَدٌ يُقِرُّ عَلَى خِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ إنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْإِسْلَامِ أَلْزَمَهُ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ الْوَاجِبَةِ وَشَرِيعَتِهِ الْهَادِيَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُقِرٍّ بِالْإِسْلَامِ كَانَ كَافِرًا وَلَوْ كَانَ لَهُ مِنْ الزُّهْدِ وَالرُّهْبَانِ مَاذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ . وَالْكَافِرُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَهُ حُكْمُ أَمْثَالِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَهُ حُكْمُ أَمْثَالِهِ وَيَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَى هَذَا الْمُبْتَدِعِ وَأَمْثَالِهِ بِحُسْنِ قَصْدٍ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَقْصُودُ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ; لَا اتِّبَاعَ هَوًى وَلَا مُنَافَسَةَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } . فَالْمَقْصُودُ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَلَا دِينَ إلَّا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً . فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } " فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ عُلُوَّ كَلِمَةِ اللَّهِ وَظُهُورَ دِينِ اللَّهِ . وَأَنْ يَعْلَمَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ أَنَّ مَا عَلَيْهِ الْمُبْتَدِعُونَ الْمُرَاءُونَ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ وَلَا مِنْ فِعْلِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ; بَلْ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ وَالْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَنْ تَوْحِيدِهِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ وَعَنْ طَاعَةِ رُسُلِهِ . وَ " أَصْلُ الْإِسْلَامِ " : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . فَمَنْ طَلَبَ بِعِبَادَاتِهِ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ فَلَمْ يُحَقِّقْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَنْ خَرَجَ عَمَّا أَمَرَهُ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَتَعَبَّدَ بِالْبِدْعَةِ فَلَمْ يُحَقِّقْ شَهَادَةَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . وَإِنَّمَا يُحَقِّقُ هَذَيْنِ " الْأَصْلَيْنِ " مَنْ لَمْ يَعْبُدْ إلَّا اللَّهَ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي بَلَّغَهَا عَنْ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَالَ : { تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلِهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إلَّا هَالِكٌ } " وَقَالَ : " { مَا تَرَكْت مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إلَى الْجَنَّةِ إلَّا قَدْ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ وَلَا مِنْ شَيْءٍ يُبْعِدُكُمْ عَنْ النَّارِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ } " وَقَالَ { ابْنُ مَسْعُودٍ : خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا وَخَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَشَمَالِهِ ثُمَّ قَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } } . فَالْعِبَادَاتُ والزهادات وَالْمَقَالَات والتورعات الْخَارِجَةُ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ - وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ : الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَسْأَلَهُ هِدَايَتَهُ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ - هِيَ سُبُلُ الشَّيْطَانِ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ مِنْ الْخَوَارِقِ مَا كَانَ فَلَيْسَ أَحَدُهُمْ بِأَعْظَمَ مِنْ مُقَدَّمِهِمْ الدَّجَّالِ الَّذِي يَقُولُ لِلسَّمَاءِ : أَمْطِرِي فَتُمْطِرُ وَلِلْأَرْضِ أَنْبِتِي فَتُنْبِتُ وَلِلْخَرِبَةِ أَظْهِرِي كُنُوزَك فَتُخْرِجُ مَعَهُ كُنُوزَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ . وَهُوَ مَعَ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ هُمْ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ : { أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } فَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ وَالتَّقْوَى فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَمَنْ تَرَكَ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَاِتَّخَذَ عِبَادَةً نَهَى اللَّهُ عَنْهَا . كَيْفَ يَكُونُ مِنْ هَؤُلَاءِ . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : { مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا } " الْحَدِيثَ . فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ . وَالتَّقَرُّبُ بِالْوَاجِبَاتِ فَقَطْ طَرِيقُ الْمُقْتَصِدِينَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُمَّ التَّقَرُّبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّهُ اللَّهُ مِنْ النَّوَافِلِ هُوَ طَرِيقُ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ وَالْمَحْبُوبَاتُ هِيَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ : أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ دُونَ مَا اسْتَحَبَّهُ الرَّجُلُ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .