مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ الْكَلَامُ فِي " الْقُرْآنِ " وَ " الْكَلَامِ " هَلْ هُوَ حَرْفٌ وَصَوْتٌ أَمْ لَيْسَ بِحَرْفِ وَصَوْتٍ مُحْدَثٌ : حَدَثَ فِي حُدُودِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ وَانْتَشَرَ فِي الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ ; فَإِنَّ أَبَا سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ ثُمَّ أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ وَنَحْوَهُمَا لَمَّا نَاظَرُوا الْمُعْتَزِلَةَ فِي إثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِمَخْلُوقِ وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ الْقُرْآنُ قَدِيمًا وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنًى قَائِمًا بِنَفْسِ اللَّهِ كَعِلْمِهِ وَزَادُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ وَلَا لُغَةٍ لَا قَدِيمٍ وَلَا غَيْرِ قَدِيمٍ لَمَّا رَأَوْهُ مِنْ امْتِنَاعِ قِيَامِ أَمْرٍ حَادِثٍ بِهِ وَخَالَفُوا فِي ذَلِكَ جُمْهُورَ الْمُسْلِمِينَ : مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْكَلَامِ وَالتَّصَوُّفِ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ مَآخِذُهُمْ فَإِنَّ الْآثَارَ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ . وَلِهَذَا جَهَّمَ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد : قُلْت لِأَبِي : إنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ . فَقَالَ : هَؤُلَاءِ جهمية ; إنَّمَا يَدُورُونَ عَلَى التَّعْطِيلِ وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَحْمَد . وَكَذَلِكَ الْبُخَارِيُّ تَرْجَمَ فِي صَحِيحِهِ بَابًا فِي قَوْلِهِ : { حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } بَيَّنَ فِيهِ الْحُجَّةَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ . وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُونَ فِي السُّنَّةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَهُمْ كَثِيرٌ وَكَذَلِكَ أَئِمَّةُ الصُّوفِيَّةِ كَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيَّ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَلِكَ الْفُقَهَاءُ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ : الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ الْمُصَنِّفُونَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ يُقَرِّرُونَ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْخَبَرَ وَالْعُمُومَ لَهُ صِيَغٌ مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ تَدُلُّ بِمَجْرَدِهَا عَلَى أَنَّهَا أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ وَعُمُومٌ وَيَذْكُرُونَ خِلَافَ الْأَشْعَرِيَّةِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ لَا صِيغَةَ لَهُ . ثُمَّ الْمُثْبِتُونَ لِلصَّوْتِ مِنْهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ يَقُولُونَ كَلَامُهُ صَوْتٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَمِنْهُمْ الكرامية وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ : يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ قَائِمٍ بِهِ لَكِنْ لَيْسَ الصَّوْتُ بِقَدِيمِ . وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ الْحَنْبَلِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ : يَتَكَلَّمُ بِصَوْتِ قَدِيمٍ قَائِمٍ بِهِ . وَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ : يُخَاطِبُ بِصَوْتِ قَائِمٍ بِغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى قَدِيمٌ قَائِمٌ بِهِ . فَلَمَّا أَظْهَرَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ - كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الباقلاني وَغَيْرِهِ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ - أَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ بِحَرْفِ وَلَا صَوْتٍ وَلَا لُغَةٍ وَقَدْ تَبِعَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقَلِيلٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد . رَأَى أَهْلُ الْحَدِيثِ وَجُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبِدْعَةِ ; فَأَظْهَرُوا خِلَافَ ذَلِكَ وَأَطْلَقَ مَنْ أَطْلَقَ مِنْهُمْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ حَرْفٌ وَصَوْتٌ .