مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
وَقَالَ أَيْضًا : فَصْلٌ ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يَرْفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ يَشَاءُ فِي قِصَّةِ مُنَاظِرَةِ إبْرَاهِيمَ وَفِي قِصَّةِ احْتِيَالِ يُوسُفَ وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ : بِالْعِلْمِ ; فَإِنَّ سِيَاقَ الْآيَاتِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقِصَّةُ إبْرَاهِيمَ فِي الْعِلْمِ بِالْحُجَّةِ وَالْمُنَاظَرَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْخَصْمِ عَنْ الدِّينِ وَقِصَّةُ يُوسُفَ فِي الْعِلْمِ بِالسِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ لِتَحْصُلَ مَنْفَعَةُ الْمَطْلُوبِ فَالْأَوَّل عَلِمَ بِمَا يَدْفَعُ الْمَضَارَّ فِي الدِّينِ وَالثَّانِي عَلِمَ بِمَا يَجْلِبُ الْمَنَافِعَ أَوْ يُقَالُ : الْأَوَّلُ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَدْفَعُ الْمَضَرَّةَ عَنْ الدِّينِ وَيَجْلِبُ مَنْفَعَتَهُ وَالثَّانِي عَلِمَ بِمَا يَدْفَعُ الْمَضَرَّةَ عَنْ الدُّنْيَا وَيَجْلِبُ مَنْفَعَتَهَا أَوْ يُقَالُ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ فِي عِلْمِ الْأَقْوَالِ النَّافِعَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَقِصَّةُ يُوسُفَ فِي عِلْمِ الْأَفْعَالِ النَّافِعَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فَالْحَاجَةُ [ فِي ] جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ قَدْ تَكُونُ إلَى الْقَوْلِ وَقَدْ تَكُونُ [ إلَى الْفِعْلِ ] وَلِهَذَا كَانَ الْمُقَصِّرُونَ عَنْ عِلْمِ الْحُجَجِ وَالدَّلَالَاتِ وَعِلْمِ السِّيَاسَةِ وَالْإِمَارَاتِ مَقْهُورِينَ مَعَ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ تَارَةً بِالِاحْتِيَاجِ إلَيْهِمْ إذَا هَجَمَ عَدُوٌّ يُفْسِدُ الدِّينَ بِالْجَدَلِ أَوْ الدُّنْيَا بِالظُّلْمِ وَتَارَةً بِالِاحْتِيَاجِ إلَيْهِمْ إذَا هَجَمَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ذَلِكَ وَتَارَةً بِالِاحْتِيَاجِ إلَيْهِمْ لِتَخْلِيصِ بَعْضِهِمْ مِنْ شَرِّ بَعْضٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَتَارَةً يَعِيشُونَ فِي ظِلِّهِمْ فِي مَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ مُبْتَدِعٌ يَسْتَطِيلُ عَلَيْهِمْ وَلَا وَالٍ يَظْلِمُهُمْ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِوُجُودِ عُلَمَاءِ الْحُجَجِ الدَّامِغَةِ لِأَهْلِ الْبِدَعِ وَالسِّيَاسَةِ الدَّافِعَةِ لِلظُّلْمِ . وَلِهَذَا قِيلَ : صِنْفَانِ إذَا صَلَحُوا صَلَحَ النَّاسُ : الْعُلَمَاءُ وَالْأُمَرَاءُ وَكَمَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِمَا فَالْمَضَرَّةُ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْبِدَعَ وَالظُّلْمَ لَا تَكُونُ إلَّا فِيهِمَا : أَهْلِ الرِّيَاسَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَأَهْلِ الرِّيَاسَةِ الْقَدَرِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ كَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عيينة وَغَيْرِهِمَا مَا مَعْنَاهُ : أَنَّ مَنْ نَجَا مِنْ فِتْنَةِ الْبِدَعِ وَفِتْنَةِ السُّلْطَانِ فَقَدْ نَجَا مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي هَذَا فِي الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ عِنْدَ قَوْلِهِ : { فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا } .