مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَقَوْلُهُ :   {   إنَّهُ  رَبِّي  أَحْسَنَ مَثْوَايَ   }  إنْ  أَرَادَ  بِهِ السَّيِّدَ  فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ ; لَكِنْ مَعْلُومٌ  أَنَّ تَرْكَ الْفَاحِشَةِ خَوْفًا لِلَّهِ وَاجِبٌ وَلَوْ  رَضِيَ سَيِّدُهَا   وَيُوسُفُ   عَلَيْهِ السَّلَامُ  تَرَكَهَا خَوْفًا  مِنْ اللَّهِ .   {   وَلَقَدْ  هَمَّتْ  بِهِ  وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ  رَبِّهِ   }  قَالَ تَعَالَى :   {  كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ  مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ   }  وَقَالَ   يُوسُفُ  أَيْضًا :   {  رَبِّ السِّجْنُ  أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ  وَإِلَّا تَصْرِفْ  عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ   }   {   فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ   }  فَدَلَّ  عَلَى  أَنَّهُ  كَانَ مَعَهُ  مِنْ خَوْفِ اللَّهِ مَا يَزَعُهُ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَلَوْ  رَضِيَ بِهَا النَّاسُ وَقَدْ  دَعَا  رَبَّهُ  عَزَّ  وَجَلَّ أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ .  وَقَوْلُهُ :   {   السِّجْنُ  أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ   }  بِصِيغَةِ جَمْعِ التَّذْكِيرِ وَقَوْلُهُ :   {   كَيْدَهُنَّ   }  بِصِيغَةِ جَمْعِ التَّأْنِيثِ وَلَمْ يَقُلْ مِمَّا يَدَّعِينَنِي إلَيْهِ دَلِيلٌ  عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ  هَذَا  وَهَذَا  وَأَنَّهُ  كَانَ  مِنْ الذُّكُورِ مَنْ يَدْعُوهُ مَعَ  النِّسَاءِ إلَى الْفَاحِشَةِ بِالْمَرْأَةِ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا زَوْجُهَا  وَذَلِكَ  أَنَّ زَوْجَهَا  كَانَ قَلِيلَ الْغَيْرَةِ أَوْ عَدِيمَهَا  وَكَانَ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ وَيُطِيعُهَا ; وَلِهَذَا  لَمَّا اطَّلَعَ  عَلَى  مُرَاوَدَتِهَا  قَالَ : {   يُوسُفُ  أَعْرِضْ عَنْ  هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إنَّكِ  كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ   }  فَلَمْ يُعَاقِبْهَا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ   يُوسُفَ  حَتَّى لَا تَتَمَكَّنَ  مِنْ  مُرَاوَدَتِهِ  وَأَمَرَ   يُوسُفَ  أَنْ لَا يَذْكُرَ مَا جَرَى لِأَحَدِ مَحَبَّةً مِنْهُ لِامْرَأَتِهِ وَلَوْ  كَانَ  فِيهِ غَيْرَةٌ لَعَاقَبَ الْمَرْأَةَ .  وَمَعَ  هَذَا  فَشَاعَتْ الْقِصَّةُ وَاطَّلَعَ عَلَيْهَا النَّاسُ  مِنْ غَيْرِ جِهَةِ   يُوسُفَ  حَتَّى تَحَدَّثَتْ بِهَا النِّسْوَةُ  فِي  الْمَدِينَةِ  وَذَكَرُوا  أَنَّهَا تُرَاوِدُ  فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ وَمَعَ  هَذَا : {   أَرْسَلَتْ إلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ  لَهُنَّ مُتَّكَأً  وَآتَتْ كُلَّ  وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا   }  وَأَمَرَتْ   يُوسُفَ  أَنْ يَخْرُجَ عَلَيْهِنَّ ; لِيُقِمْنَ عُذْرَهَا  عَلَى  مُرَاوَدَتِهِ وَهِيَ تَقُولُ  لَهُنَّ : {   فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي  فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ   }  .  وهذا يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مُتَمَكِّنَةً  مِنْ  مُرَاوَدَتِهِ وَالْخَلْوَةِ  بِهِ مَعَ عِلْمِ الزَّوْجِ بِمَا جَرَى  وَهَذَا  مِنْ أَعْظَمِ الدِّيَاثَةِ  ثُمَّ إنَّهُ  لَمَّا حُبِسَ فَإِنَّمَا حُبِسَ بِأَمْرِهَا وَالْمَرْأَةُ لَا تَتَمَكَّنُ  مِنْ حَبْسِهِ إلَّا بِأَمْرِ الزَّوْجِ فَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي حَبَسَهُ ; وَقَدْ رُوِيَ  أَنَّهَا  قَالَتْ :  هَذَا الْقِبْطِيُّ هَتَكَ عِرْضِي فَحَبَسَهُ ; وَحَبَسَهُ  لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ  مُعَاوَنَةً  لَهَا  عَلَى مَطْلَبِهَا لِدِيَاثَتِهِ وَقِلَّةِ غَيْرَتِهِ  فَدَخَلَ هُوَ  فِي مَنْ  دَعَا   يُوسُفَ  إلَى الْفَاحِشَةِ . فَعُلِمَ  أَنَّ   يُوسُفَ  لَمْ يَتْرُكْ الْفَاحِشَةَ  لِأَجْلِهِ وَلَا لِخَوْفِهِ مِنْهُ بَلْ قَدْ عُلِمَ يَقِينًا  أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ  يَخَافُ مِنْهُ  وَأَنَّ   يُوسُفَ  لَوْ أَعْطَاهَا مَا طَلَبَتْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ يَدْرِي وَلَوْ دَرَى  فَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ يُنْكِرُ ; فَإِنَّهُ قَدْ دَرَى  بِالْمُرَاوَدَةِ وَالْخَلْوَةِ الَّتِي هِيَ مُقْتَضِيَةٌ  لِذَلِكَ  فِي الْغَالِبِ فَلَمْ يُنْكِرْ وَلَوْ قُدِّرَ  أَنَّهُ  هَمَّ بِعُقُوبَةِ   يُوسُفَ  فَكَانَتْ هِيَ الْحَاكِمَةَ  عَلَى الزَّوْجِ الْقَاهِرَةَ لَهُ . وَقَدْ  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   مَا رَأَيْت  مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ  وَدِينٍ  أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ  مِنْ إحْدَاكُنَّ   }   {  وَلَمَّا رَاجَعْنَهُ  فِي إمَامَةِ  الصِّدِّيقِ  قَالَ : إنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ   يُوسُفَ   }   {  وَلَمَّا أَنْشَدَهُ  الْأَعْشَى  وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غُلِبَ  اسْتَعَادَ  ذَلِكَ مِنْهُ  وَقَالَ :  وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غُلِبَ   }  .  فَكَيْفَ لَا تَغْلِبُ مِثْلَ  هَذَا الزَّوْجِ وَتَمْنَعُهُ  مِنْ عُقُوبَةِ   يُوسُفَ  ؟ وَقَدْ  عَهِدَ النَّاسُ خَلْقًا  مِنْ النَّاسِ تَغْلِبُهُمْ  نِسَاؤُهُمْ ;  مِنْ  نِسَاءِ التتر  وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ لِامْرَأَتِهِ غَرَضٌ فَاسِدٌ  فِي  فَتَاهُ أَوْ  فَتَاهَا وَتَفْعَلُ مَعَهُ مَا تُرِيدُ  وَإِنْ  أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَكْشِفَ أَوْ يُعَاقِبَ مَنَعَتْهُ وَدَفَعَتْهُ ; بَلْ وَأَهَانَتْهُ وَفَتَحَتْ عَلَيْهِ أَبْوَابًا  مِنْ الشَّرِّ بِنَفْسِهَا وَأَهْلِهَا وَحَشَمِهَا  وَالْمُطَالَبَةِ بِصَدَاقِهَا وَغَيْرِ  ذَلِكَ ; حَتَّى  يَتَمَنَّى الرَّجُلُ الْخَلَاصَ مِنْهَا رَأْسًا بِرَأْسِ مَعَ كَوْنِ الرَّجُلِ  فِيهِ غَيْرَةٌ  فَكَيْفَ مَعَ ضَعْفِ الْغَيْرَةِ . فَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ  أَنَّ الدَّاعِيَ   لِيُوسُفَ  إلَى تَرْكِ الْفَاحِشَةِ  كَانَ خَوْفَ اللَّهِ لَا خَوْفًا  مِنْ السَّيِّدِ فَلِهَذَا  قَالَ : {   إنَّهُ  رَبِّي  أَحْسَنَ مَثْوَايَ إنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ   }  قِيلَ  هَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ مَحَاسِنَ   يُوسُفَ  وَرِعَايَتَهُ لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْمَخْلُوقِينَ وَدَفْعَهُ الشَّرَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِنَّ   الزِّنَا بِامْرَأَةِ الْغَيْرِ  فِيهِ  حَقَّانِ مَانِعَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِالتَّحْرِيمِ .  فَالْفَاحِشَةُ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ وَلَوْ  رَضِيَ الزَّوْجُ وَظُلْمُ الزَّوْجِ  فِي امْرَأَتِهِ حَرَامٌ لِحَقِّ بِحَيْثُ لَوْ  سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ فَحَقُّ  هَذَا  فِي امْرَأَتِهِ لَا يَسْقُطُ  كَمَا لَوْ  ظَلَمَهُ  وَأَخَذَ  مَالَهُ وَتَابَ  مِنْ حَقِّ اللَّهِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْمَظْلُومِ  بِذَلِكَ  وَلِهَذَا  جَازَ   لِلرَّجُلِ إذَا زَنَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ يَقْذِفَهَا وَيُلَاعِنَهَا وَيَسْعَى  فِي عُقُوبَتِهَا بِالرَّجْمِ  بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ قَذْفُهَا وَلَا يُلَاعِنُ بَلْ يُحَدُّ إذَا لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ  فَإِفْسَادُ الْمَرْأَةِ  عَلَى زَوْجِهَا  مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ لِزَوْجِهَا وَهُوَ عِنْدَهُ أَعْظَمُ  مِنْ  أَخْذِ  مَالِهِ .  وَلِهَذَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ دَفْعًا عَنْهَا بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ  إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ بِالِاتِّفَاقِ وَيَجُوزُ  فِي  أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ قَتْلُهُ  وَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ  كَمَا  فِي قِصَّةِ  عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا  أَتَاهُ رَجُلٌ بِيَدِهِ سَيْفٌ  فِيهِ دَمٌ  وَذَكَرَ  أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا تَفَخَّذَ امْرَأَتَهُ  فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ  فَأَقَرَّهُ  عُمَرُ  عَلَى  ذَلِكَ  وَشَكَرَهُ  وَقَبِلَ قَوْلَهُ  أَنَّهُ قَتَلَهُ  لِذَلِكَ إذْ ظَهَرَتْ دَلَائِلُ  ذَلِكَ . وَهَذَا  كَمَا   لَوْ اطَّلَعَ رَجُلٌ  فِي بَيْتِهِ  فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ  ابْتِدَاءً وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْذِرَهُ  هَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ  كَمَا  ثَبَتَ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   لَوْ اطَّلَعَ رَجُلٌ  فِي بَيْتِك فَفَقَأْت عَيْنَهُ مَا  كَانَ عَلَيْك شَيْءٌ   }  وَكَذَلِكَ  قَالَ  فِي الَّذِي  عَضَّ يَدَ غَيْرِهِ  فَنَزَعَ يَدَهُ فَانْقَلَعَتْ أَسْنَانُ الْعَاضِّ . وَهَذَا مَذْهَبُ   فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ  . وَأَكْثَرُ   السَّلَفِ  وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ نِزَاعٌ لَيْسَ  هَذَا مَوْضِعَهُ ; إذْ الْمَقْصُودُ  أَنَّ الزَّانِيَ بِامْرَأَةِ غَيْرِهِ ظَالِمٌ لِلزَّوْجِ وَلِلزَّوْجِ حَقٌّ عِنْدَهُ وَلِهَذَا {  ذَكَرَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ  زَنَى بِامْرَأَةِ الْمُجَاهِدِ فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ  مِنْ  حَسَنَاتِهِ يَأْخُذُ مِنْهَا مَا  شَاءَ   }  .  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ   {  ابْنِ مَسْعُودٍ  قَالَ : قَلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟  قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ  خَلَقَك قُلْت  ثُمَّ أَيُّ ؟  قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ  وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ  مَعَك قُلْت :  ثُمَّ أَيُّ ؟  قَالَ : أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك   }  فَذَكَرَ   الزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ   فَعُلِمَ  أَنَّ لِلزَّوْجِ حَقًّا  فِي  ذَلِكَ  وَكَانَ ظُلْمُ الْجَارِ  أَعْظَمَ ; لِلْحَاجَةِ إلَى  الْمُجَاوَرَة . وَإِنْ  قِيلَ :  هَذَا قَدْ لَا يُمْكِنُ زَوْجَ الْمَرْأَةِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْهُ وَالْجَارُ عَلَيْهِ حَقٌّ  زَائِدٌ  عَلَى حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ  فَكَيْفَ إذَا  ظَلَمَ  فِي أَهْلِهِ وَالْجِيرَانُ يَأْمَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا  فَفِي  هَذَا  مِنْ الظُّلْمِ أَكْثَرُ مِمَّا  فِي غَيْرِهِ  وَجَارُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ امْرَأَتَهُ  مِنْ غَيْرِهِ  فَكَيْفَ يُفْسِدُهَا هُوَ . فَلَمَّا  كَانَ الزِّنَا بِالْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ لَهُ عِلَّتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا تَسْتَقِلُّ بِالتَّحْرِيمِ مِثْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ الْمَيِّتِ : عَلَّلَ   يُوسُفُ  ذَلِكَ بِحَقِّ الزَّوْجِ  وَإِنْ  كَانَ كُلٌّ  مِنْ الْأَمْرَيْنِ مَانِعًا لَهُ  وَكَانَ  فِي تَعْلِيلِهِ بِحَقِّ الزَّوْجِ  فَوَائِدُ .   مِنْهَا  أَنَّ  هَذَا مَانِعٌ تَعْرِفُهُ الْمَرْأَةُ وَتَعْذُرُهُ  بِهِ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا لَا تَعْرِفُ عُقُوبَةَ اللَّهِ  فِي  ذَلِكَ .  و " مِنْهَا "  أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَرْتَدِعُ  بِذَلِكَ فَتَرْعَى  حَقَّ زَوْجِهَا إمَّا خَوْفًا وَإِمَّا رِعَايَةً لِحَقِّهِ فَإِنَّهُ إذَا  كَانَ الْمَمْلُوكُ يَمْتَنِعُ عَنْ  هَذَا رِعَايَةً لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَالْمَرْأَةُ  أَوْلَى  بِذَلِكَ  لِأَنَّهَا خَائِنَةٌ  فِي نَفْسِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا  بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ  فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ الْخِدْمَةُ  وَفَاحِشَتُهُ بِمَنْزِلَةِ سَرِقَةِ الْمَرْأَةِ  مِنْ  مَالِهِ  . و " مِنْهَا "  أَنَّ  هَذَا مَانِعٌ مُؤَيِّسٌ  لَهَا  فَلَا تَطْمَعُ  فِيهِ لَا بِنِكَاحِ وَلَا بِسِفَاحِ بِخِلَافِ الْخَلِيَّةِ  مِنْ الزَّوْجِ فَإِنَّهَا تَطْمَعُ  فِيهِ بِنِكَاحِ حَلَالٍ .  و " مِنْهَا "  أَنَّهُ لَوْ عَلَّلَ بِالزِّنَا فَقَدْ تَسْعَى هِيَ  فِي فِرَاقِ الزَّوْجِ وَالتَّزَوُّجِ  بِهِ  فَإِنَّ  هَذَا إنَّمَا يَحْرُمُ لِحَقِّ الزَّوْجِ خَاصَّةً وَلِهَذَا إذَا طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ بِاخْتِيَارِهِ  جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا . وَلَوْ طَلَّقَهَا لِيَتَزَوَّجَ بِهَا -  كَمَا  قَالَ  سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ  لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ  إنَّ  لِي امْرَأَتَيْنِ  فَاخْتَرْ  أَيَّتَهمَا شِئْت حَتَّى أُطَلِّقَهَا وَتَتَزَوَّجَهَا  -  لَكِنَّهُ بِدُونِ رِضَاهُ لَا يَحِلُّ  كَمَا  فِي   الْمُسْنَدِ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   لَيْسَ  مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً  عَلَى زَوْجِهَا وَلَا عَبْدًا  عَلَى  مَوَالِيهِ   }  وَقَدْ حَرَّمَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنْ   يَخْطُبَ الرَّجُلُ  عَلَى خِطْبَةِ  أَخِيهِ وَيَسْتَامَ  عَلَى سَوْمِ  أَخِيهِ  فَإِذَا  كَانَ بَعْدَ الْخِطْبَةِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ التَّزَوُّجَ بِامْرَأَتِهِ  فَكَيْفَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالدُّخُولِ وَالصُّحْبَةِ .  فَلَوْ عَلَّلَ بِأَنَّ  هَذَا زِنًا مُحَرَّمٌ رُبَّمَا طَمِعَتْ  فِي أَنْ تُفَارِقَ الزَّوْجَ وَتَتَزَوَّجَهُ  فَإِنَّ كَيْدَهُنَّ عَظِيمٌ ; وَقَدْ جَرَى مِثْلُ  هَذَا .  فَلَمَّا عَلَّلَ بِحَقِّ  سَيِّدِهِ  وَقَالَ :   {   إنَّهُ  رَبِّي  أَحْسَنَ مَثْوَايَ   }  يَئِسَتْ  مِنْ  ذَلِكَ وَعَلِمَتْ  أَنَّهُ يُرَاعِي  حَقَّ الزَّوْجِ  فَلَا يُزَاحِمُهُ  فِي امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ  ثُمَّ لَوْ قُدِّرَ مَعَ  هَذَا  أَنَّ الزَّوْجَ  رَضِيَ بِالْفَاحِشَةِ وَأَبَاحَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَكُنْ  هَذَا مِمَّا يُبِيحُهَا لِحَقِّ اللَّهِ وَلِحَقِّهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ حَقٍّ لِلْإِنْسَانِ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ وَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ وَإِنَّمَا ذَاكَ فِيمَا يُبَاحُ لَهُ بَذْلُهُ وَهُوَ مَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ  فِي بَذْلِهِ مِثْلَ مَا يُعْطِيهِ  مِنْ فَضْلِ  مَالٍ وَنَفْعٍ . وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ بَذْلُهُ  فَلَا يُبَاحُ بِإِبَاحَتِهِ  كَمَا لَوْ  قَالَ لَهُ : عَلِّمْنِي السِّحْرَ وَالْكُفْرَ  وَالْكِهَانَةَ  وَأَنْتَ  فِي حِلٍّ  مِنْ إضْلَالِي أَوْ  قَالَ لَهُ : بِعْنِي رَقِيقًا وَخُذْ ثَمَنِي  وَأَنْتَ  فِي حِلٍّ  مِنْ  ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ إذَا  قَالَ : افْعَلْ بِي أَوْ بِابْنِي أَوْ بامرأتي أَوْ بِإِمَائِي الْفَاحِشَةَ لَمْ يَكُنْ  هَذَا مِمَّا يُسْقِطُ  حَقَّهُ  فِيهِ بِإِبَاحَتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَذْلُ  ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ  أَنَّ اللَّهَ يُعَاقِبُهَا  عَلَى الْفَاحِشَةِ  وَإِنْ تَرَاضَيَا بِهَا ;  لَكِنَّ الْمَقْصُودَ  أَنَّ  فِي  ذَلِكَ أَيْضًا ظُلْمًا لِهَذَا الشَّخْصِ لَا يَرْتَفِعُ بِإِبَاحَتِهِ كَظُلْمِهِ إذَا  جَعَلَهُ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا  فَإِنَّ كَوْنَهُ يَفْعَلُ  بِهِ الْفَاحِشَةَ أَوْ بِأَهْلِهِ  فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ إبَاحَتَهُ كَالضَّرَرِ عَلَيْهِ  فِي كَوْنِهِ كَافِرًا وَهُوَ  كَمَا لَوْ  قَالَ لَهُ :  أَزِلْ عَقْلِي  وَأَنْتَ  فِي حِلٍّ  مِنْ  ذَلِكَ ;  فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ بَذْلَ  ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ  مِنْ  ذَلِكَ  كَمَا يُمْنَعُ السَّفِيهُ  مِنْ التَّصَرُّفِ  فِي  مَالِهِ أَوْ إسْقَاطِ حُقُوقِهِ  وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ وَالصَّغِيرُ ;  فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ لِحَقِّهِمْ . وَلِهَذَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الصَّبِيُّ أَوْ السَّفِيهُ  فِي  أَخْذِ  مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ  ذَلِكَ وَمَنْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ  فِي تَكْفِيرِهِ أَوْ تَجْنِينِهِ أَوْ تَخْنِيثِهِ وَالْإِفْحَاشِ  بِهِ وَبِأَهْلِهِ فَهُوَ  مِنْ  أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ  وَهَذَا مِثْلُ الرِّبَا فَإِنَّهُ  وَإِنْ  رَضِيَ  بِهِ الْمُرَابَى وَهُوَ بَالِغٌ رَشِيدٌ لَمْ يُبَحْ  ذَلِكَ ; لِمَا  فِيهِ  مِنْ ظُلْمِهِ ; وَلِهَذَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا قَبَضَ مِنْهُ  مِنْ  الزِّيَادَةِ وَلَا يُعْطِيهِ إلَّا رَأْسَ  مَالِهِ  وَإِنْ  كَانَ قَدْ بَذَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَوْ  كَانَ التَّحْرِيمُ لِمُجَرَّدِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى  لَسَقَطَ بِرِضَاهُ وَلَوْ  كَانَ حَقُّهُ إذَا أَسْقَطَهُ  سَقَطَ  لَمَا  كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ  فِي  الزِّيَادَةِ وَالْإِنْسَانُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ أَعْظَمُ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ غَيْرِهِ . فَلَوْ  قَالَ لِغَيْرِهِ : اُقْتُلْنِي لَمْ يَمْلِكْ مِنْهُ  أَعْظَمَ مِمَّا يَمْلِكُ هُوَ  مِنْ نَفْسِهِ .  وَلِهَذَا يَوْمَ  الْقِيَامَةِ يَتَظَلَّمُ  مِنْ الْأَكَابِرِ وَهُمْ لَمْ يُكْرِهُوهُمْ  عَلَى الْكُفْرِ بَلْ بِاخْتِيَارِهِمْ كَفَرُوا .  قَالَ تَعَالَى : {   يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ  فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا  لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا   }   {  وَقَالُوا  رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا  فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا   }   {  رَبَّنَا  آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا   }  وَقَالَ :   {   حَتَّى إذَا ادَّارَكُوا  فِيهَا جَمِيعًا  قَالَتْ أُخْرَاهُمْ  لِأُولَاهُمْ  رَبَّنَا هَؤُلَاءِ  أَضَلُّونَا  فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ  قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا  رَبَّنَا  أَرِنَا الَّذَيْنِ  أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ   }  .  وَكَذَلِكَ النَّاسُ يَلْعَنُونَ  الشَّيْطَانَ  وَإِنْ  كَانَ لَمْ يُكْرِهْهُمْ  عَلَى الذُّنُوبِ ; بَلْ هُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ أَذْنَبُوا .  فَإِنْ  قِيلَ : هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ  لِشَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ :  نَحْنُ لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ  أَنَّ  فِي  هَذَا  عَلَيْنَا ضَرَرًا وَلَكِنْ أَنْتُمْ زَيَّنْتُمْ لَنَا  هَذَا وَحَسَّنْتُمُوهُ حَتَّى فَعَلْنَاهُ  وَنَحْنُ  كُنَّا جَاهِلِينَ بِالْأَمْرِ .  قِيلَ :  كَمَا نَعْلَمُ  أَنَّ الْجَاهِلَ بِمَا عَلَيْهِ  فِي الْفِعْلِ  مِنْ الضَّرَرِ لَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُ وَإِذْنِهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الرِّضَاءُ وَالْإِذْنُ مِمَّنْ يَعْلَمُ مَا يَأْذَنُ  فِيهِ وَيَرْضَى  بِهِ وَمَا  كَانَ  عَلَى  الْإِنْسَانِ  فِيهِ ضَرَرٌ رَاجِحٌ لَا يَرْضَى  بِهِ إلَّا لِعَدَمِ عِلْمِهِ  وَإِلَّا فَالنَّفْسُ تَمْتَنِعُ بِذَاتِهَا  مِنْ الضَّرَرِ الرَّاجِحِ .  وَلِهَذَا  كَانَ مَنْ اشْتَرَى الْمَعِيبَ وَالْمُدَلَّسَ وَالْمَجْهُولَ السِّعْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ غَيْرَ رَاضٍ  بِهِ ; بَلْ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ  ذَلِكَ ;  كَذَلِكَ الْكُفْرُ وَالْجُنُونُ وَالْفَاحِشَةُ بِالْأَهْلِ لَا يَرْضَى بِهَا إلَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا  فِيهَا  مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ  فَإِذَا أَذِنَ  فِيهَا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ ; بَلْ يَكُونُ مَظْلُومًا وَلَوْ  قَالَ : أَنَا  أَعْلَمُ مَا  فِيهَا  مِنْ الْعِقَابِ  وَأَرْضَى  بِهِ  كَانَ كَذِبًا ; بَلْ هُوَ  مِنْ  أَجْهَلِ النَّاسِ بِمَا يَقُولُهُ .  وَلِهَذَا لَوْ  تَكَلَّمَ بِكَلَامِ لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ  وَقَالَ نَوَيْت مُوجَبَهُ عِنْدَ اللَّهِ لَمْ يَصِحَّ  ذَلِكَ  فِي  أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : " بِهَشِمِ " وَلَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا أَوْ يَقُولَ :  أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَيَنْوِي مُوجَبَهَا مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ  ذَلِكَ ;  فَإِنَّ النِّيَّةَ وَالْقَصْدَ وَالرِّضَا مَشْرُوطٌ بِالْعِلْمِ  فَمَا لَمْ يَعْلَمْهُ لَا يَرْضَى  بِهِ إلَّا إذَا  كَانَ رَاضِيًا  بِهِ مَعَ الْعِلْمِ وَمَنْ  كَانَ يَرْضَى بِأَنْ يَكْفُرَ وَيُجَنَّ وَتُفْعَلَ الْفَاحِشَةُ  بِهِ وَبِأَهْلِهِ . فَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا عَلَيْهِ  فِي  ذَلِكَ  مِنْ الضَّرَرِ ; بَلْ هُوَ سَفِيهٌ .  فَلَا عِبْرَةَ بِرِضَاهُ وَإِذْنِهِ ; بَلْ لَهُ حَقٌّ عِنْدَ مَنْ  ظَلَمَهُ وَفَعَلَ  بِهِ  ذَلِكَ غَيْرُ مَا لِلَّهِ  مِنْ الْحَقِّ .  وَإِنْ  كَانَ حَقُّ  هَذَا  دُونَ حَقِّ الْمُنْكِرِ الْمَانِعِ .  وَلِهَذَا  قَالَ   يُوسُفُ   عَلَيْهِ السَّلَامُ   {   إنَّهُ  رَبِّي  أَحْسَنَ مَثْوَايَ إنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ   }  يَقُولُ : مَتَى أَفْسَدْت امْرَأَتَهُ  كُنْت ظَالِمًا بِكُلِّ  حَالٍ وَلَيْسَ  هَذَا جَزَاءَ إحْسَانِهِ إلَيَّ .  وَالنَّاسُ إذَا  تَعَاوَنُوا  عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  أَبْغَضَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا  وَإِنْ  كَانُوا فَعَلُوهُ بِتَرَاضِيهِمْ  قَالَ  طَاوُوسٌ  : مَا اجْتَمَعَ رَجُلَانِ  عَلَى غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ إلَّا  تَفَرَّقَا عَنْ تَقَالٍ  وَقَالَ   الْخَلِيلُ   عَلَيْهِ السَّلَامُ   {   إنَّمَا  اتَّخَذْتُمْ  مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ  فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  ثُمَّ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ  مِنْ نَاصِرِينَ   }  وَهَؤُلَاءِ لَا يَكْفُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ عَصَى اللَّهَ ; بَلْ لِمَا  حَصَلَ لَهُ  بِمُشَارَكَتِهِ  وَمُعَاوَنَتِهِ  مِنْ الضَّرَرِ  وَقَالَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ : {  فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ  عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ   }  أَيْ يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا .  وَقَالَ :   {   الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلَّا الْمُتَّقِينَ   }  .  فَالْمُخَالَّةُ إذَا  كَانَتْ  عَلَى غَيْرِ مَصْلَحَةِ الِاثْنَيْنِ  كَانَتْ عَاقِبَتُهَا عَدَاوَةً وَإِنَّمَا تَكُونُ  عَلَى مَصْلَحَتِهِمَا إذَا  كَانَتْ  فِي ذَاتِ اللَّهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا  وَإِنْ بَذَلَ لِلْآخَرِ  إعَانَةً  عَلَى مَا يَطْلُبُهُ وَاسْتَعَانَ  بِهِ بِإِذْنِهِ فِيمَا يَطْلُبُهُ  فَهَذَا التَّرَاضِي لَا اعْتِبَارَ  بِهِ ; بَلْ يَعُودُ تَبَاغُضًا وَتَعَادِيًا وَتَلَاعُنًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ لِلْآخَرِ : لَوْلَا  أَنْتَ مَا فَعَلْت أَنَا وَحْدِي  هَذَا ; فَهَلَاكِي  كَانَ مِنِّي وَمِنْك .  وَالرَّبُّ لَا يَمْنَعُهُمَا  مِنْ التَّبَاغُضِ وَالتَّعَادِي وَالتَّلَاعُنِ فَلَوْ  كَانَ أَحَدُهُمَا ظَالِمًا لِلْآخَرِ  فِيهِ لَنُهِيَ عَنْ  ذَلِكَ وَيَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ :  أَنْتَ  لِأَجْلِ غَرَضِك أَوْقَعَتْنِي  فِي  هَذَا ; كَالزَّانِيَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ لِلْآخَرِ  لِأَجْلِ غَرَضِك فَعَلْت مَعِي  هَذَا . وَلَوْ امْتَنَعْت لَمْ أَفْعَلْ أَنَا  هَذَا ; لَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ  عَلَى الْآخَرِ مِثْلُ مَا لِلْآخَرِ عَلَيْهِ ;  فَتَعَادَلَا .  وَلِهَذَا إذَا  كَانَ الطَّلَبُ  وَالْمُرَاوَدَةُ  مِنْ أَحَدِهِمَا  أَكْثَرَ  كَانَ الْآخَرُ يتظلمه وَيَلْعَنُهُ  أَكْثَرَ  وَإِنْ  تَسَاوَيَا  فِي الطَّلَبِ  تَقَاوَمَا ; فَإِذَا  رَضِيَ الزَّوْجُ بِالدِّيَاثَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لِإِرْضَاءِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ لِغَرَضِ لَهُ آخَرَ ; مِثْلَ أَنْ  يَكُونَ مُحِبًّا  لَهَا ; وَلَا تُقِيمُ مَعَهُ إلَّا  عَلَى  هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ يَقُولُ لِلزَّانِي بِهَا :  أَنْتَ لِغَرَضِك أَفْسَدْت عَلَيَّ امْرَأَتِي وَأَنَا إنَّمَا رَضِيت  لِأَجْلِ غَرَضِهَا  فَأَنْتَ  لَمَّا أَفْسَدْت عَلَيَّ امْرَأَتِي وَظَلَمْتنِي فَعَلْت مَعِي مَا فَعَلْت . وَمِنْ  ذَلِكَ  أَنَّهُ لَوْ  قَالَ : إنِّي  أَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعَاقِبَنِي وَنَحْوَ  ذَلِكَ  لَقَالَتْ :  أَنْتَ إنَّمَا تَتْرُكُ غَرَضِي لِغَرَضِك  فِي النَّجَاةِ وَأَنَا سَيِّدَتُك فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَدِّمَ غَرَضِي  عَلَى غَرَضِك  فَلَمَّا  قَالَ : {   إنَّهُ  رَبِّي  أَحْسَنَ مَثْوَايَ   }  عَلَّلَ بِحَقِّ سَيِّدِهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا رِعَايَةُ حَقِّهِ .