مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ  فِي   مُسَمَّى "  الْقِيَاسِ  " .  فَقَالَتْ  طَائِفَةٌ  مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ : هُوَ حَقِيقَةٌ  فِي  قِيَاسِ التَّمْثِيلِ مَجَازٌ  فِي  قِيَاسِ الشُّمُولِ -  كَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ  وَأَبِي حَامِدٍ  المقدسي  .  وَقَالَتْ  طَائِفَةٌ : بَلْ هُوَ بِالْعَكْسِ حَقِيقَةٌ  فِي الشُّمُولِ مَجَازٌ  فِي التَّمْثِيلِ -  كَابْنِ حَزْمٍ  وَغَيْرِهِ .  وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ  فِيهِمَا  وَالْقِيَاسُ الْعَقْلِيُّ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا  وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ مَنْ  تَكَلَّمَ  فِي أُصُولِ الدِّينِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَأَنْوَاعِ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ وَهُوَ الصَّوَابُ  فَإِنَّ حَقِيقَةَ أَحَدِهِمَا هُوَ حَقِيقَةُ الْآخَرِ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ صُورَةُ الِاسْتِدْلَالِ .  وَ "   الْقِيَاسُ  فِي اللُّغَةِ  " تَقْدِيرُ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ  وَهَذَا يَتَنَاوَلُ تَقْدِيرَ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ بِنَظِيرِهِ الْمُعَيَّنِ وَتَقْدِيرَهُ بِالْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الْمُتَنَاوِلِ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ  فَإِنَّ الْكُلِّيَّ هُوَ مِثَالٌ  فِي الذِّهْنِ لِجُزْئِيَّاتِهِ ; وَلِهَذَا  كَانَ مُطَابِقًا مُوَافِقًا لَهُ .  وَ "  قِيَاسُ الشُّمُولِ  " هُوَ انْتِقَالُ الذِّهْنِ  مِنْ الْمُعَيَّنِ إلَى الْمَعْنَى الْعَامِّ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ الْمُتَنَاوِلِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرَكَ الْكُلِّيَّ بِأَنْ يَنْتَقِلَ  مِنْ  ذَلِكَ الْكُلِّيِّ اللَّازِمِ إلَى الْمَلْزُومِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُعَيَّنُ فَهُوَ انْتِقَالٌ  مِنْ خَاصٍّ إلَى عَامٍّ  ثُمَّ انْتِقَالٌ  مِنْ  ذَلِكَ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ  مِنْ جُزْئِيٍّ إلَى كُلِّيٍّ  ثُمَّ  مِنْ  ذَلِكَ الْكُلِّيِّ إلَى الْجُزْئِيِّ الْأَوَّلِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ  بِذَلِكَ الْكُلِّيِّ .  وَلِهَذَا  كَانَ الدَّلِيلُ  أَخَصَّ  مِنْ مَدْلُولِهِ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ  مِنْ وُجُودِ الدَّلِيلِ وُجُودُ الْحُكْمِ وَاللَّازِمُ لَا يَكُونُ  أَخَصَّ  مِنْ مَلْزُومِهِ بَلْ  أَعَمَّ مِنْهُ أَوْ مُسَاوِيهِ وَهُوَ الْمُعْنَى بِكَوْنِهِ  أَعَمَّ . وَالْمَدْلُولُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ وَهُوَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْمُخْبَرُ عَنْهُ الْمَوْصُوفُ الْمَوْضُوعُ إمَّا  أَخَصُّ  مِنْ الدَّلِيلِ أَوْ مُسَاوِيهِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ  أَخَصُّ مِنْهُ لَا يَكُونُ  أَعَمَّ  مِنْ الدَّلِيلِ ; إذْ لَوْ  كَانَ  أَعَمَّ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ الدَّلِيلُ لَازِمًا لَهُ  فَلَا يُعْلَمُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لَهُ  فَلَا يَكُونُ الدَّلِيلُ دَلِيلًا وَإِنَّمَا يَكُونُ ; إذَا  كَانَ لَازِمًا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الْمَوْصُوفِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ الَّذِي يُسَمَّى الْمَوْضُوعَ . وَالْمُبْتَدَأُ مُسْتَلْزِمًا لِلْحُكْمِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ وَخَبَرٌ وَحُكْمٌ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى الْمَحْمُولَ وَالْخَبَرَ  وَهَذَا كَالسُّكْرِ الَّذِي هُوَ  أَعَمُّ  مِنْ النَّبِيذِ الْمُتَنَازَعِ  فِيهِ  وَأَخَصُّ  مِنْ التَّحْرِيمِ وَقَدْ يَكُونُ الدَّلِيلُ مُسَاوِيًا  فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لِلْحُكْمِ لَازِمًا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ .  فَهَذَا هُوَ جِهَةُ دِلَالَتِهِ  سَوَاءٌ صُوِّرَ  قِيَاسَ شُمُولٍ وَتَمْثِيلٍ أَوْ لَمْ يُصَوَّرْ  كَذَلِكَ .  وَهَذَا أَمْرٌ يَعْقِلُهُ الْقَلْبُ  وَإِنْ لَمْ يُعَبِّرْ عَنْهُ اللِّسَانُ . وَلِهَذَا  كَانَتْ أَذْهَانُ بَنِي  آدَمَ  تَسْتَدِلُّ بِالْأَدِلَّةِ  عَلَى الْمَدْلُولَاتِ  وَإِنْ لَمْ يُعَبِّرُوا عَنْ  ذَلِكَ بِالْعِبَارَاتِ الْمُبَيِّنَةِ لِمَا  فِي نُفُوسِهِمْ وَقَدْ يُعَبِّرُونَ بِعِبَارَاتِ مُبَيِّنَةٍ لِمَعَانِيهِمْ  وَإِنْ لَمْ يَسْلُكُوا اصْطِلَاحَ  طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ  مِنْ   أَهْلِ الْكَلَامِ  وَلَا الْمَنْطِقِ وَلَا غَيْرِهِمْ فَالْعِلْمُ  بِذَلِكَ الْمَلْزُومِ لَا  بُدَّ أَنْ  يَكُونَ بَيِّنًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِدَلِيلِ آخَرَ . وَأَمَّا "   قِيَاسُ التَّمْثِيلِ  " فَهُوَ انْتِقَالُ الذِّهْنِ  مِنْ حُكْمٍ مُعَيَّنٍ إلَى حُكْمٍ مُعَيَّنٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا  فِي  ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ ;  لِأَنَّ  ذَلِكَ الْحُكْمَ يَلْزَمُ الْمُشْتَرَكَ الْكُلِّيَّ  .  ثُمَّ الْعِلْمُ  بِذَلِكَ اللُّزُومِ لَا  بُدَّ لَهُ  مِنْ سَبَبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنًا  كَمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ يَتَصَوَّرُ الْمُعَيَّنَيْنِ أَوَّلًا وَهُمَا الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ  ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى لَازِمِهِمَا وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ  ثُمَّ إلَى  لَازِمِ اللَّازِمِ وَهُوَ الْحُكْمُ وَلَا  بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ  أَنَّ الْحُكْمَ لَازِمُ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى هُنَاكَ قَضِيَّةً كُبْرَى  ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى إثْبَاتِ  هَذَا اللَّازِمِ لِلْمَلْزُومِ الْأَوَّلِ الْمُعَيَّنِ  فَهَذَا هُوَ  هَذَا  فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ  فِي تَصْوِيرِ الدَّلِيلِ وَنَظْمِهِ  وَإِلَّا فَالْحَقِيقَةُ الَّتِي بِهَا  صَارَ دَلِيلًا وَهُوَ  أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَدْلُولِ حَقِيقَةٌ  وَاحِدَةٌ . وَمِنْ ظُلْمِ هَؤُلَاءِ وَجَهْلِهِمْ  أَنَّهُمْ يَضْرِبُونَ الْمَثَلَ  فِي  قِيَاسِ التَّمْثِيلِ بِقَوْلِ  الْقَائِلِ : السَّمَاءُ مُؤَلَّفَةٌ فَتَكُونُ مُحْدَثَةً  قِيَاسًا  عَلَى  الْإِنْسَانِ  .  ثُمَّ يُورِدُونَ  عَلَى  هَذَا  الْقِيَاسِ مَا يَخْتَصُّ  بِهِ فَإِنَّهُ لَوْ  قِيلَ : السَّمَاءُ مُؤَلَّفَةٌ وَكُلُّ مُؤَلَّفٍ مُحْدَثٌ لَوَرَدَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ  وَزِيَادَةً . وَلَكِنْ إذَا أُخِذَ  قِيَاسُ الشُّمُولِ  فِي مَادَّةٍ بَيِّنَةٍ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ  قِيَاسِ التَّمْثِيلِ  فَإِنَّ الْكُلِّيَّ هُوَ مِثَالٌ  فِي الذِّهْنِ لِجُزْئِيَّاتِهِ وَلِهَذَا  كَانَ مُطَابِقًا مُوَافِقًا لَهُ ; بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّمْثِيلُ  أَبْيَنَ . وَلِهَذَا  كَانَ الْعُقَلَاءُ يَقِيسُونَ  بِهِ  وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ  فِي الْحَدِّ إنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالْمِثَالِ إنَّمَا  ذَلِكَ  فِي الْمِثَالِ الَّذِي يَحْصُلُ  بِهِ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَحْدُودِ وَغَيْرِهِ بِحَيْثُ يُعْرَفُ  بِهِ مَا يُلَازِمُ الْمَحْدُودَ طَرْدًا وَعَكْسًا - بِحَيْثُ يُوجَدُ حَيْثُ وُجِدَ وَيَنْتَفِي حَيْثُ انْتَفَى -  فَإِنَّ  الْحَدَّ الْمُمَيِّزَ لِلْمَحْدُودِ هُوَ مَا  بِهِ يُعْرَفُ الْمُلَازِمُ الْمُطَابِقُ طَرْدًا وَعَكْسًا  فَكُلَّمَا  حَصَلَ  هَذَا فَقَدْ مُيِّزَ الْمَحْدُودُ  مِنْ غَيْرِهِ .  وَهَذَا هُوَ الْحَدُّ عِنْدَ جَمَاهِيرِ النُّظَّارِ وَلَا يُسَوِّغُونَ إدْخَالَ الْجِنْسِ الْعَامِّ  فِي الْحَدِّ فَإِذَا  كَانَ الْمَقْصُودُ الْحَدَّ بِحَسَبِ الِاسْمِ فَسَأَلَ بَعْضُ   الْعَجَمِ  عَنْ مُسَمَّى الْخُبْزِ  فَأُرِيَ رَغِيفًا  وَقِيلَ لَهُ  هَذَا فَقَدْ يَفْهَمُ  أَنَّ  هَذَا لَفْظٌ يُوجَدُ فِيهِ كُلُّ مَا هُوَ خُبْزٌ  سَوَاءٌ  كَانَ  عَلَى صُورَةِ الرَّغِيفِ أَوْ غَيْرِ صُورَتِهِ .  وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ  عَلَى مَا ذَكَرُوهُ  وَذَكَرَهُ   الْمَنْطِقِيُّونَ  فِي الْكَلَامِ  عَلَى الْمُحَصِّلِ وَغَيْرِ  ذَلِكَ وُجِدَ  هَذَا  فِي الْأَمْثِلَةِ الْمُجَرَّدَةِ إذَا  كَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ الْجِيمِ لِلْأَلِفِ وَالْحَدُّ الْأَوْسَطُ هُوَ الْبَاءُ  فَقِيلَ كُلُّ أَلِفٍ بَاءٌ وَكُلُّ  بَاءٍ جِيمٌ أَنْتَجَ : كُلُّ أَلِفٍ جِيمٌ . وَإِذَا  قِيلَ : كُلُّ أَلِفٍ جِيمٌ  قِيَاسًا  عَلَى الدَّالِ لِأَنَّ الدَّالَ هِيَ جِيمٌ وَإِنَّمَا  كَانَتْ جِيمًا لِأَنَّهَا بَاءٌ وَالْأَلِفُ أَيْضًا بَاءٌ فَيَكُونُ الْأَلِفُ جِيمًا لِاشْتِرَاكِهِمَا  فِي الْمُسْتَلْزِمِ لِلْجِيمِ وَهُوَ الْبَاءُ  كَانَ  هَذَا صَحِيحًا  فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ لَكِنْ  فِيهِ  زِيَادَةُ مِثَالٍ  قِيسَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ مَعَ  أَنَّ الْحَدَّ الْأَوْسَطَ وَهُوَ الْبَاءُ مَوْجُودٌ  فِيهَا .