تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَوْلُهُمْ : لَيْسَ لِلْمَطْلُوبِ أَكْثَرُ مِنْ جُزْأَيْنِ . فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ مُقَدِّمَتَيْنِ فَيُقَالُ : إنْ أَرَدْتُمْ لَيْسَ لَهُ إلَّا اسْمَانِ مُفْرَدَانِ ; فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِأَسْمَاءِ مُتَعَدِّدَةٍ مِثْلَ مَنْ شَكَّ فِي النَّبِيذِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ أَمْ لَيْسَ حَرَامًا لَا بِنَصِّ وَلَا قِيَاسٍ . فَإِذَا قَالَ الْمُجِيبُ ; النَّبِيذُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ كَانَ الْمَطْلُوبُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ . وَكَذَلِكَ لَوْ سَأَلَ هَلْ الْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ ؟ فَقَالَ : الْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ كَانَ الْمَطْلُوبُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ . وَإِذَا قَالَ : هَلْ الْإِنْسَانُ جِسْمٌ حَسَّاسٌ نَامٍ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ نَاطِقٌ أَمْ لَا ؟ فَالْمَطْلُوبُ هُنَا سِتَّةُ أَجْزَاءٍ . وَفِي الْجُمْلَةِ فَالْمَوْضُوعُ وَالْمَحْمُولُ الَّذِي هُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَهُوَ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ قَدْ تَكُونُ جُمْلَةً مُرَكَّبَةً مِنْ لَفْظَيْنِ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ أَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ إذَا كَانَ مَضْمُونُهَا مُقَيَّدًا بِقُيُودٍ كَثِيرَةٍ . مِثْلَ قَوْله تَعَالَى { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } وَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ } وَقَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْقُيُودِ الَّتِي يُسَمِّيهَا النُّحَاةُ الصِّفَاتِ وَالْعَطْفَ وَالْأَحْوَالَ وَظَرْفَ الْمَكَانِ وَظَرْفَ الزَّمَانِ وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَتْ الْقَضِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِقُيُودِ كَثِيرَةٍ لَمْ تَكُنْ مُؤَلَّفَةً مِنْ لَفْظَيْنِ بَلْ مِنْ أَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَمَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَيْسَ إلَّا مَعْنَيَانِ سَوَاءٌ عَبَّرَ عَنْهُمَا بِلَفْظَيْنِ أَوْ أَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ قِيلَ : وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ . بَلْ قَدْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ مَعْنًى وَاحِدًا وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَيَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةً فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ بِحَسَبِ طَلَبِ الطَّالِبِ وَهُوَ النَّاظِرُ الْمُسْتَدِلُّ وَالسَّائِلُ الْمُتَعَلِّمُ الْمُنَاظِرُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ يَطْلُبُ مَعْنًى وَاحِدًا وَقَدْ يَطْلُبُ مَعْنَيَيْنِ وَقَدْ يَطْلُبُ مَعَانِيَ وَالْعِبَارَةُ عَنْ مَطْلُوبِهِ قَدْ تَكُونُ بِلَفْظِ وَاحِدٍ وَقَدْ يَكُونُ بِلَفْظَيْنِ وَقَدْ تَكُونُ بِأَكْثَرَ . فَإِذَا قَالَ : النَّبِيذُ حَرَامٌ فَقِيلَ : لَهُ نَعَمْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ وَحْدَهُ كَافِيًا فِي جَوَابِهِ كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ : هُوَ حَرَامٌ . فَإِنْ قَالُوا : الْقَضِيَّةُ الْوَاحِدَةُ قَدْ تَكُونُ فِي تَقْدِيرِ قَضَايَا كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ التَّمْثِيلِ بِالْإِنْسَانِ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الْوَاحِدَةَ فِي تَقْدِيرِ خَمْسِ قَضَايَا وَهِيَ خَمْسُ مَطَالِبَ وَالتَّقْدِيرُ : هَلْ هُوَ جِسْمٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ هُوَ حَسَّاسٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ هُوَ نَامٍ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ هُوَ مُتَحَرِّكٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ هُوَ نَاطِقٌ أَمْ لَا ؟ وَكَذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ هَلْ النَّبِيذُ حَرَامٌ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا كَانَ حَرَامًا فَهَلْ تَحْرِيمُهُ بِالنَّصِّ أَوْ بِالْقِيَاسِ ؟ فَيُقَالُ : إذَا رَضِيتُمْ بِمِثْلِ هَذَا وَهُوَ أَنْ تَجْعَلُوا الْوَاحِدَ فِي تَقْدِيرِ عَدَدٍ فَالْمُفْرَدُ قَدْ يَكُونُ فِي مَعْنَى قَضِيَّةٍ فَإِذَا قَالَ : النَّبِيذُ الْمُسْكِرُ حَرَامٌ فَقَالَ الْمُجِيبُ : نَعَمْ ; فَلَفْظُ نَعَمْ فِي تَقْدِيرِ قَوْلِهِ : هُوَ حَرَامٌ : وَإِنْ قَالَ : مَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ : تَحْرِيمُ كُلِّ مُسْكِرٍ أَوْ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ . وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ } وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ الَّتِي جُعِلَ الدَّلِيلُ فِيهَا اسْمًا مُفْرَدًا وَهُوَ جُزْءٌ وَاحِدٌ لَمْ يَجْعَلْهُ قَضِيَّةً مُؤَلَّفَةً مِنْ اسْمَيْنِ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ تَحْرِيمُ كُلِّ مُسْكِرٍ اسْمٌ مُضَافٌ . وَقَوْلَهُ : إنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ بِالْفَتْحِ مُفْرَدٌ أَيْضًا ; فَإِنَّ أَنَّ وَمَا فِي خَبَرِهَا فِي تَقْدِيرِ الْمَصْدَرِ الْمُفْرَدِ وَإِنَّ الْمَكْسُورَةَ وَمَا فِي خَبَرِهَا جُمْلَةٌ تَامَّةٌ . وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت : الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ النَّصُّ أَوْ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ أَوْ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ الْفُلَانِيَّةُ أَوْ الْحَدِيثُ الْفُلَانِيُّ ; أَوْ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قِيَامُ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُقَاوِمِ أَوْ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُشَارِكٌ لِخَمْرِ الْعِنَبِ فِيمَا يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فِيمَا يُعَبَّرُ فِيهِ عَنْ الدَّلِيلِ بَاسِمٍ مُفْرَدٍ لَا بِالْقَضِيَّةِ الَّتِي هِيَ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ . ثُمَّ هَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِاسْمِ مُفْرَدٍ هُوَ إذَا فُصِلَ عُبِّرَ عَنْهُ بِأَلْفَاظِ مُتَعَدِّدَةٍ .