تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وقد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَرْضِ إذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً هَلْ يَجِبُ قَسْمُهَا كَخَيْبَرِ لِأَنَّهَا مَغْنَمٌ أَوْ تَصِيرُ فَيْئًا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْحَشْرِ وَلَيْسَتْ الْأَرْضُ مِنْ الْمَغْنَمِ أَوْ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيمَا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَغَيْرِهِمَا . وَلَوْ فَتَحَ الْإِمَامُ بَلَدًا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ أَهْلَهُ يُسْلِمُونَ وَيُجَاهِدُونَ جَازَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ أَهْلِ خَيْبَرَ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَأُولَئِكَ قَسَمَ أَرْضَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا مُصِرِّينَ عَلَى الْكُفْرِ وَهَؤُلَاءِ تَرَكَهَا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ صَارُوا مُسْلِمِينَ وَالْمَقْصُودُ بِالْجِهَادِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ لِيَتَأَلَّفَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ لَا يَتَأَلَّفُهُمْ بِإِبْقَاءِ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ . وَهُمْ لَمَّا حَضَرُوا مَعَهُ حنينا أَعْطَاهُمْ مِنْ غَنَائِمِ حنين مَا تَأْلَفُهُمْ بِهِ حَتَّى عَتَبَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : { أَنَّ نَاسًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَالُوا يَوْمَ حنين حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنْ الْإِبِلِ . فَقَالُوا : يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ - قَالَ أَنَسٌ : فَحُدِّثَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِمْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أُدْمٍ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ ؟ فَقَالَ لَهُ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ : أَمَّا ذَوُو رَأْينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا : يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهِدَ بِكُفْرِ أتألفهم أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ وَتَرْجِعُونَ إلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ لِمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا قَالَ : فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ قَالُوا : سَنَصْبِرُ } - وَفِي رِوَايَةٍ { لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شَعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شَعْبًا لَسَلَكْت وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشَعْبَهُمْ النَّاسُ دِثَارٌ وَالْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْت امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَدَّثَهُمْ حَتَّى بَكَوْا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ } . فَهَذَا كُلُّهُ بَذْلٌ وَعَطَاءٌ لِأَجْلِ إسْلَامِ النَّاسِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْجِهَادِ . وَمَنْ قَالَ : إنَّ الْإِمَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ قِسْمَةُ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ مُطْلَقًا فَقَوْلُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الْمَنْقُولَةِ بِالتَّوَاتُرِ وَلَيْسَ مَعَهُ حُجَّةٌ وَاحِدَةٌ تُوجِبُ ذَلِكَ فَإِنَّ قِسْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مَا فَعَلَ لَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ إذْ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ بِنَفْسِهِ عَلَى الْوُجُوبِ وَهُوَ لَمْ يُقَسِّمْ مَكَّةَ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَهَذَا يَعْلَمُهُ ضَرُورَةً مَنْ تَدَبَّرَ الْأَحَادِيثَ وَكَذَلِكَ الْمَنْقُولُ : مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَجِبُ قَسْمُهُ كُلَّهُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فِي كُلِّ غَزَاةٍ فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ بَلْ يَجُوزُ فِيهِ التَّفْضِيلُ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَضِّلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُغَازِي . وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ الَّذِينَ أَعْطَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَنَائِمَ خَيْبَرَ فِيمَا أَعْطَاهُمْ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْخُمُسِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَهَذَا أَظْهَرُ . فَإِنَّ الَّذِي أَعْطَاهُمْ إيَّاهُ هُوَ شَيْءٌ كَثِيرٌ لَا يَحْتَمِلُهُ الْخُمُسُ وَمَنْ قَالَ الْعَطَاءُ كَانَ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ فَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ وَقَعَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ : { لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسَ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ } وَهَذَا لِأَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ كَانُوا مِنْ الْعَسْكَرِ فَفَضَّلَهُمْ فِي الْعَطَاءِ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا كَانَ يُفَضِّلُهُمْ فِيمَا يَقْسِمُهُ مِنْ الْفَيْءِ لِلْمَصْلَحَةِ . وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْسِمَهَا بِاجْتِهَادِهِ كَمَا يَقْسِمُ الْفَيْءَ بِاجْتِهَادِهِ إذَا كَانَ إمَامَ عَدْلٍ قَسَمَهَا بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ لَيْسَ قِسْمَتُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَقِسْمَةِ الْمِيرَاثِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَقِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الصَّدَقَاتِ : { إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ فِيهَا بِقِسْمَةِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَلَكِنْ جَعَلَهَا ثَمَانِيَةَ أَصْنَافٍ فَإِنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ أَعْطَيْتُك } فَعُلِمَ أَنَّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ مِنْ الْكُفَّارِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَقَدْ قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ لِأَهْلِ السَّفِينَةِ الَّذِينَ قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرَ وَلَمْ يَقْسِمْ لِأَحَدِ غَابَ عَنْهَا غَيْرُهُمْ وَقَسَمَ مِنْ غَنَائِمَ بَدْرٍ لِطَلْحَةِ وَالزُّبَيْرِ وَلِعُثْمَانِ وَكَانَ قَدْ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يُرِيدُونَ الْقِتَالَ وَكَانُوا مَشْغُولِينَ بِبَعْضِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِيهَا فِي جِهَادٍ . وَأَيْضًا أَهْلُ السَّفِينَةِ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعُثْمَانُ لَمْ يَكُونُوا كَغَيْرِهِمْ وَالْقِتَالُ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْغَنِيمَةِ فَلَيْسَتْ الْغَنِيمَةُ كَمُبَاحٍ اشْتَرَكَ فِيهِ نَاسٌ مِثْلَ الِاحْتِشَاشِ وَالِاحْتِطَابِ وَالِاصْطِيَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ مَقْصُودُهُ هُوَ اكْتِسَابُ الْمَالِ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ بَلْ مَنْ قَاتَلَ فِيهَا لِأَجْلِ الْمَالِ لَمْ يَكُنْ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِهَذَا لَمْ تُبَحْ الْغَنَائِمُ لِمَنْ قَبْلَنَا وَأُبِيحَتْ لَنَا مَعُونَةً عَلَى مَصْلَحَةِ الدِّينِ . فَالْغَنَائِمُ أُبِيحَتْ لِمَصْلَحَةِ الدِّينِ وَأَهْلِهِ فَمَنْ كَانَ قَدْ نَفَعَ الْمُجَاهِدِينَ بِنَفْعٍ اسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى تَمَامِ جِهَادِهِمْ جُعِلَ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُونَ يَدٌ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ مُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ } . فَإِنَّ الْمُتَسَرِّيَ إنَّمَا تَسَرَّى بِقُوَّةِ الْقَاعِدِ فَالْمُعَاوِنُونَ لِلْمُجَاهِدِينَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ وَلِبَسْطِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَوْضِعٌ آخَرَ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : ذِكْرُ مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ مُتَابَعَتُهُ فِي قَصْدِهِ فَإِذَا قَصَدَ مَكَانًا لِلْعِبَادَةِ فِيهِ كَانَ قَصْدُهُ لِتِلْكَ الْعِبَادَةِ سُنَّةً وَأَمَّا إذَا صَلَّى فِيهِ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ لِلْعِبَادَةِ سُنَّةً وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ يَقْصِدُونَ مُشَابَهَتَهُ فِي ذَلِكَ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ مُشَابَهَتَهُ فِي ظَاهِرِ الْفِعْلِ لَمْ يَكُنْ يَقْصِدُ الصَّلَاةَ إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ لَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ نَزَلَ بِهِ وَلِهَذَا رَخَّصَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا كَمَا فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَنَهَى عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا كَثُرَ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمَفْسَدَةِ وَهِيَ اتِّخَاذُ آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى الْمَشَاهِدُ وَمَا أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَالْآثَارِ فَهُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ فِعْلِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ وَمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَمَالِ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ وَسَدِّ أَبْوَابِ الشِّرْكِ الَّتِي يَفْتَحُهَا الشَّيْطَانُ لِبَنِي آدَمَ ; وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ وَمَعْرِفَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ هُمْ أَكْثَرُ تَعْظِيمًا لِمَوَاضِعِ الشِّرْكِ فَالْعَارِفُونَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثِهِ أَوْلَى بِالتَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ وَأَهْلُ الْجَهْلِ بِذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ . وَلِهَذَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الرَّافِضَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ أَجْهَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَكْثَرُ شِرْكًا وَبِدَعًا وَلِهَذَا يُعَظِّمُونَ الْمَشَاهِدُ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَيُخَرِّبُونَ الْمَسَاجِدَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَالْمَسَاجِدُ لَا يُصَلُّونَ فِيهَا جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً وَلَا يُصَلُّونَ فِيهَا إنْ صَلَّوْا إلَّا أَفْرَادًا وَأَمَّا الْمَشَاهِدُ فَيُعَظِّمُونَهَا أَكْثَرَ مِنْ الْمَسَاجِدِ حَتَّى قَدْ يَرَوْنَ أَنَّ زِيَارَتَهَا أَوْلَى مِنْ حَجِّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَيُسَمُّونَهَا الْحَجَّ الْأَكْبَرَ وَصَنَّفَ ابْنُ الْمُفِيدِ مِنْهُمْ كِتَابًا سَمَّاهُ " مَنَاسِكَ حَجِّ الْمَشَاهِدِ " وَذَكَرَ فِيهِ مِنْ الْأَكَاذِيبِ وَالْأَقْوَالِ مَا لَا يُوجَدُ فِي سَائِرِ الطَّوَائِفِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِمْ أَيْضًا نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ وَالْكَذِبِ وَالْبِدَعِ ; لَكِنْ هُوَ فِيهِمْ أَكْثَرُ وَكُلَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَتْبَعَ لِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْظَمَ تَوْحِيدًا لِلَّهِ وَإِخْلَاصًا لَهُ فِي الدِّينِ وَإِذَا بَعُدَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ نَقَصَ مِنْ دِينِهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ فَإِذَا كَثُرَ بَعْدَهُ عَنْهُ ظَهَرَ فِيهِ مِنْ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ مَا لَا يَظْهَرُ فِيمَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى اتِّبَاعِ الرَّسُولِ . وَاَللَّهُ إنَّمَا أَمَرَ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ بِالْعِبَادَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْعِبَادَةِ فِيهَا هِيَ عِمَارَتُهَا . قَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } وَلَمْ يَقُلْ مَشَاهِدُ اللَّهِ . وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ كُلِّ مَشْهَدٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْمُشَاهِدِ لَيْسَ فِيهِمْ إخْلَاصُ الدِّينِ لِلَّهِ بَلْ فِيهِمْ نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ وَقَالَ تَعَالَى : { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ } { إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ } الْآيَاتِ . وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ . ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ } فَإِنَّ الْمُرَادَ بِعِمَارَتِهَا عِمَارَتُهَا بِالْعِبَادَةِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ يُقَالُ مَدِينَةٌ عَامِرَةٌ إذَا كَانَتْ مَسْكُونَةً وَمَدِينَةٌ خَرَابٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ } . وَأَمَّا نَفْسُ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فَيَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَذَلِكَ يُسَمَّى بِنَاءً كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَا كَانَ لَهُمْ عِمَارَةُ مَسَاجِدِ اللَّهِ مَعَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ وَبَيَّنَ أَنَّمَا يَعْمُرُهَا مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلَّا اللَّهَ وَهَذِهِ صِفَةُ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لِلَّهِ الَّذِينَ لَا يَخْشَوْنَ إلَّا اللَّهَ وَلَا يَرْجُونَ سِوَاهُ وَلَا يَسْتَعِينُونَ إلَّا بِهِ وَلَا يَدْعُونَ إلَّا إيَّاهُ وَعُمَّارُ الْمَشَاهِدِ يَخَافُونَ غَيْرَ اللَّهِ وَيَرْجُونَ غَيْرَهُ وَيَدْعُونَ غَيْرَهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ إنَّمَا يَعْمُرُ مَشَاهِدَ اللَّهِ فَإِنَّ الْمَشَاهِدَ لَيْسَتْ بُيُوتَ اللَّهِ إنَّمَا هِيَ بُيُوتُ الشِّرْكِ وَلِهَذَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ فِيهَا مَدْحُ الْمَشَاهِدِ وَلَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَنَا أَنَّهُمْ بَنَوْا مَسْجِدًا عَلَى قَبْرِ أَهْلِ الْكَهْفِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ الَّذِينَ نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } . فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَمَّ أَهْلَ الْمَشَاهِدِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَمَا قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا } وَقَالَ : { أُولَئِكَ إذَا مَاتَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ثُمَّ أَهْلُ الْمَشَاهِدِ كَثِيرٌ مِنْ مَشَاهِدِهِمْ أَوْ أَكْثَرُهَا كَذِبٌ فَإِنَّ الشِّرْكَ مَقْرُونٌ بِالْكَذِبِ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَثِيرًا . قَالَ تَعَالَى : { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } { حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ قَالَهَا ثَلَاثًا } . وَذَلِكَ كَالْمَشْهَدِ الَّذِي بُنِيَ بِالْقَاهِرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأْسُ الْحُسَيْنِ لَمْ يُحْمَلْ إلَى هُنَاكَ أَصْلًا وَأَصْلُهُ مِنْ عَسْقَلَانَ . وَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ كَانَ رَأْسُ رَاهِبٍ وَرَأْسُ الْحُسَيْنِ لَمْ يَكُنْ بِعَسْقَلَانَ وَإِنَّمَا أُحْدِثَ هَذَا فِي أَوَاخِرِ دَوْلَةِ الْمَلَاحِدَةِ بَنِي عُبَيْدٍ . وَكَذَلِكَ مَشْهَدُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا أُحْدِثَ فِي دَوْلَةِ بَنِي بَوَّيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُطَيَّن الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ : إنَّمَا هُوَ قَبْرُ الْمُغِيرَةِ ابْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا دُفِنَ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ وَدُفِنَ مُعَاوِيَةُ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ بِدِمَشْقَ وَدُفِنَ عَمْرُو بْنُ العاص بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ بِمِصْرِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ إذَا دُفِنُوا فِي الْمَقَابِرِ الْبَارِزَةِ أَنْ ينبشهم الْخَوَارِجُ الْمَارِقُونَ فَإِنَّ الْخَوَارِجَ كَانُوا تَعَاهَدُوا عَلَى قَتْلِ الثَّلَاثَةِ فَقَتَلَ ابْنُ مُلْجِمٍ عَلِيًّا وَجَرَحَ صَاحِبُهُ مُعَاوِيَةَ وَعَمْرًا كَانَ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا اسْمُهُ خَارِجَةَ فَقَتَلَهُ الْخَارِجِيُّ . وَقَالَ : أَرَدْت عَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ خَارِجَةَ . فَسَارَتْ مَثَلًا . فَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا الْمَشْهَدَ إنَّمَا أُحْدِثَ فِي دَوْلَةِ الْمَلَاحِدَةِ دَوْلَةِ بَنِي عُبَيْدٍ . وَكَانَ فِيهِمْ مِنْ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ وَمُعَاضَدَةِ الْمَلَاحِدَةِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ وَلِهَذَا كَانَ فِي زَمَنِهِمْ قَدْ تَضَعْضَعَ الْإِسْلَامُ تَضَعْضُعًا كَثِيرًا وَدَخَلَتْ النَّصَارَى إلَى الشَّامِ فَإِنَّ بَنِي عُبَيْدٍ مَلَاحِدَةٌ مُنَافِقُونَ لَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَلْ فِي الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَمُعَادَاةِ الْإِسْلَامِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَأَتْبَاعُهُمْ كُلُّهُمْ أَهْلُ بِدَعٍ وَضَلَالٍ فَاسْتَوْلَتْ النَّصَارَى فِي دَوْلَتِهِمْ عَلَى أَكْثَرِ الشَّامِ ثُمَّ قَيَّضَ اللَّهُ مِنْ مُلُوكِ السُّنَّةِ مِثْلَ : نُورِ الدِّينِ وَصَلَاحِ الدِّينِ وَإِخْوَتِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ فَفَتَحُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ وَجَاهَدُوا الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ . وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ حِينَئِذٍ وَالشَّيْطَانُ يُقَارِنُهَا وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ الْمُصَلِّي لَا يُقْصَدُ السُّجُودَ لَهَا لَكِنَّ سَدَّ الذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَتَشَبَّهُ بِالْمُشْرِكِينَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ الَّتِي يَخْتَصُّونَ بِهَا فَيُفْضِي إلَى مَا هُوَ شِرْكٌ ; وَلِهَذَا نَهَى عَنْ تَحَرِّي الصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ هَذَا لَفْظُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ . فَقَصْدُ الصَّلَاةِ فِيهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ . وَأَمَّا إذَا حَدَثَ سَبَبٌ تُشْرَعُ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ : مِثْلَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ إمَامِ الْحَيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذِهِ فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ ذَلِكَ وَاسْتِحْبَابُهُ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَا شَرَّ فِيهِ وَهُوَ يَفُوتُ إذَا تُرِكَ وَإِنَّمَا نَهْيٌ عَنْ قَصْدِ الصَّلَاةِ وَتَحَرِّيهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ الْكُفَّارِ بِقَصْدِ السُّجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَمَا لَا سَبَبَ لَهُ قَدْ قَصَدَ فِعْلَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْوَقْتَ بِخِلَافِ ذِي السَّبَبِ فَإِنَّهُ فَعَلَ لِأَجْلِ السَّبَبِ فَلَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِلْوَقْتِ بِحَالِ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ عُمُومًا فَقَالَ : { الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ } رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا وَقَدْ صَحَّحَ الْحِفَاظُ أَنَّهُ مُسْنَدٌ فَإِنَّ الْحَمَّامَ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَالْمَقَابِرُ نَهَى عَنْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْمُتَّخِذِينَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ وَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي قَدْ لَا يَقْصِدُ الصَّلَاةَ لِأَجْلِ فَضِيلَةِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ بَلْ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ . لَكِنَّ فِيهِ تَشَبُّهٌ بِمَنْ يُقْصَدُ ذَلِكَ فَنَهَى عَنْهُ كَمَا يَنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ فَضِيلَةَ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِمَنْ يَقْصِدُ فَضِيلَةَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَنَهْيُهُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ كَنَهْيِهِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ فَلَمَّا كَانَ الشِّرْكُ الَّذِي أَضَلَّ أَكْثَرَ بَنِي آدَمَ أَصْلُهُ وَأَعْظَمُهُ مِنْ عِبَادَةِ الْبَشَرِ وَالتَّمَاثِيلِ الْمُصَوَّرَةِ عَلَى صُوَرِهِمْ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ اعْتَادُوا آلِهَةً يَلِدُونَ وَيُولَدُونَ وَيَرِثُونَ وَيُورَثُونَ وَيَكُونُونَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إلَهِهِ الَّذِي يَعْبُدُهُ : مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ ؟ أَمِنْ كَذَا أَمْ مِنْ كَذَا ؟ وَمِمَّنْ وَرِثَ الدُّنْيَا ؟ وَلِمَنْ يُوَرِّثُهَا ؟ فَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } { اللَّهُ الصَّمَدُ } { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } . وَفِي حَدِيثِ أبي بْنِ كَعْبٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُولَدُ إلَّا يَمُوتُ وَلَا أَحَدٌ يَرِثُ إلَّا يُورَثُ يَقُولُ : كُلُّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَدْ وُلِدَ مِثْلُ الْمَسِيحِ وَالْعُزَيْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّالِحِينَ وَتَمَاثِيلِهِمْ وَمَثَلُ الْفَرَاعِنَةِ الْمُدَّعِينَ الْإِلَهِيَّةَ فَهَذَا مَوْلُودٌ يَمُوتُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَرِثَ مِنْ غَيْرِهِ مَا هُوَ فِيهِ فَإِذَا مَاتَ وَرِثَهُ غَيْرُهُ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ .