مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
فَصْلٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ } لَيْسَ هُوَ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ لَكِنَّهُ إخْبَارٌ بِأَنَّ مَنْ نَوَى بِعَمَلِهِ شَيْئًا فَقَدْ حَصَلَ لَهُ مَا نَوَاهُ أَيْ : مَنْ قَصَدَ بِهِجْرَتِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَصَلَ لَهُ مَا قَصَدَهُ وَمَنْ كَانَ قَصْدُهُ الْهِجْرَةَ إلَى دُنْيَا أَوْ امْرَأَةٍ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ فَهَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ : { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } وَلَمَّا أَخْبَرَ أَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ذَكَرَ أَنَّ لِهَذَا مَا نَوَاهُ وَلِهَذَا مَا نَوَاهُ . وَالْهِجْرَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهَجْرِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ } كَمَا قَالَ : { الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } وَهَذَا بَيَانٌ مِنْهُ لِكَمَالِ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ كَمَا قَالَ : { لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافُ } إلَخْ وَقَدْ يُشْبِهُ هَذَا قَوْلَهُ : { مَا تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : مَنْ لَيْسَ لَهُ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ . قَالَ : لَيْسَ هَذَا الْمُفْلِسُ وَلَكِنَّ الْمُفْلِسَ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتِ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَأْتِي وَقَدْ ضَرَبَ هَذَا ; وَشَتَمَ هَذَا ; وَأَخَذَ مَالَ هَذَا ; فَيُعْطِي هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ; وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ; فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ حَسَنَةٌ أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ; ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ } . وَقَالَ : { مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : مَنْ لَا يُولَدُ لَهُ . قَالَ : الرَّقُوبُ مَنْ لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا } وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : { لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصَّرْعَةِ وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ } . لَكِنْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَقْصُودٌ وَبَيَانُ مَا هُوَ أَحَقُّ بِأَسْمَاءِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِمَّا يَظُنُّونَهُ . فَإِنَّ الْإِفْلَاسَ حَاجَةٌ وَذَلِكَ مَكْرُوه فَبَيَّنَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْحَاجَةِ إنَّمَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَذَلِكَ عَدَمُ الْوَلَدِ تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ لِعَدَمِ الْوَلَدِ النَّافِعِ فَبَيَّنَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْوَلَدِ حَقِيقَةً إنَّمَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ لِمَنْ قَدَّمَ أَوْلَادَهُ بَيْن يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ مَحْبُوبَةٌ فَبَيَّنَ أَنَّ قُوَّةَ النُّفُوسِ أَحَقُّ بِالْمَدْحِ مِنْ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ كَمَا قِيلَ لِبَعْضِ سَادَاتِ الْعَرَبِ : مَا بَالُ عَبِيدِك أَصْبَرُ مِنْكُمْ عِنْدَ الْحَرْبِ وَعَلَى الْأَعْمَالِ ؟ قَالَ : هُمْ أَصْبَرُ أَجْسَادًا وَنَحْنُ أَصْبَرُ نُفُوسًا . وَأَمَّا قَوْلُهُ : فِي اسْمِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ : فِي الْمُسْلِمِ وَالْمُؤْمِنِ وَالْمُهَاجِرِ وَالْمُجَاهِدِ وَهَذَا مُطَابِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الشَّارِعَ لَا يَنْفِي مُسَمَّى اسْمٍ شَرْعِيٍّ إلَّا لِانْتِفَاءِ كَمَالِهِ الْوَاجِبِ ; فَإِنَّ هَجْرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَاجِبٌ ; وَسَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ عُدْوَانِ الْإِنْسَانِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَاجِبٌ وَالْمُؤْمِنُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لَا يَكُونُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ إلَّا إذَا كَانَ أَمِينًا وَالْأَمَانَةُ وَاجِبَةٌ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَلَا يُعْرَفُ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِعْطَاءِ مِمَّنْ أَظْهَرَ حَاجَتَهُ وَسُؤَالَهُ وَعَطَاؤُهُ وَاجِبٌ وَتَخْصِيصُ السَّائِلِ بِالْعَطَاءِ دُونَ هَذَا لَا يَجُوزُ بَلْ تَخْصِيصُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ أَوْلَى وَأَوْجَبُ وَأَحَبُّ . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ ; وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ; وَإِذَا اسْتَنْفَرْتُمْ فَانْفِرُوا } وَقَالَ { لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ } وَكِلَاهُمَا حَقٌّ . فَالْأَوَّلُ أَرَادَ بِهِ الْهِجْرَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي زَمَانِهِ وَهِيَ الْهِجْرَةُ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ فَإِنَّ هَذِهِ الْهِجْرَةَ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لَمَّا كَانَتْ مَكَّةُ وَغَيْرُهَا دَارَ كُفْرٍ وَحَرْبٍ وَكَانَ الْإِيمَانُ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَتْ الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ وَصَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَدَخَلَتْ الْعَرَبُ فِي الْإِسْلَامِ صَارَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ كُلُّهَا دَارَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ : { لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ } وَكَوْنُ الْأَرْضِ دَارَ كُفْرٍ وَدَارَ إيمَانٍ أَوْ دَارَ فَاسِقِينَ لَيْسَتْ صِفَةً لَازِمَةً لَهَا ; بَلْ هِيَ صِفَةٌ عَارِضَةٌ بِحَسَبِ سُكَّانِهَا فَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ هِيَ دَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْكُفَّارُ فَهِيَ دَارُ كُفْرٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكُلُّ أَرْضٍ سُكَّانُهَا الْفُسَّاقُ فَهِيَ دَارُ فُسُوقٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ سَكَنَهَا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَتَبَدَّلَتْ بِغَيْرِهِمْ فَهِيَ دَارُهُمْ . وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إذَا تَبَدَّلَ بِخَمَّارَةٍ أَوْ صَارَ دَارَ فِسْقٍ أَوْ دَارَ ظُلْمٍ أَوْ كَنِيسَةً يُشْرِكُ فِيهَا بِاَللَّهِ كَانَ بِحَسَبِ سُكَّانِهِ ; وَكَذَلِكَ دَارُ الْخَمْرِ وَالْفُسُوقِ وَنَحْوُهَا إذَا جُعِلَتْ مَسْجِدًا يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ جَلَّ وَعَزَّ كَانَ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ يَصِيرُ فَاسِقًا وَالْكَافِرُ يَصِيرُ مُؤْمِنًا أَوْ الْمُؤْمِنُ يَصِيرُ كَافِرًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ كُلٌّ بِحَسَبِ انْتِقَالِ الْأَحْوَالِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً } الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَكَّةَ لَمَّا كَانَتْ دَارَ كُفْرٍ وَهِيَ مَا زَالَتْ فِي نَفْسِهَا خَيْرَ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبَّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ سُكَّانَهَا . فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا : { أَنَّهُ قَالَ لِمَكَّةَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ : وَاَللَّهِ إنَّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْك لَمَا خَرَجْت } وَفِي رِوَايَةٍ : { خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ } فَبَيَّنَ أَنَّهَا أَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكَانَ مَقَامُهُ بِالْمَدِينَةِ وَمَقَامُ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ مِنْ مَقَامِهِمْ بِمَكَّةَ لِأَجْلِ أَنَّهَا دَارُ هِجْرَتِهِمْ ; وَلِهَذَا كَانَ الرِّبَاطُ بِالثُّغُورِ أَفْضَلُ مِنْ مُجَاوَرَةِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : { رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا مَاتَ مُجَاهِدًا وَجَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَأُجْرِيَ رِزْقُهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ } وَفِي السُّنَنِ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَازِلِ } وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَأَنْ أُرَابِطَ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ; وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلُ الْأَرْضِ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ أَرْضٌ يَكُونُ فِيهَا أَطْوَعَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَلَا تَتَعَيَّنُ أَرْضٌ يَكُونُ مُقَامُ الْإِنْسَانِ فِيهَا أَفْضَلَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ بِحَسَبِ التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالْحُضُورِ وَقَدْ كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى سَلْمَانَ : هَلُمَّ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَكَتَبَ إلَيْهِ سَلْمَانُ : أَنَّ الْأَرْضَ لَا تُقَدِّسُ أَحَدًا وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْعَبْدَ عَمَلُهُ . { وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ } وَكَانَ سَلْمَانُ أَفْقَهَ مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي أَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ { سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ } وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي كَانَ بِهَا أُولَئِكَ الْعَمَالِقَةُ ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ هَذَا دَارَ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَأَرْضِ مِصْرَ الَّتِي أَوْرَثَهَا اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَحْوَالُ الْبِلَادِ كَأَحْوَالِ الْعِبَادِ فَيَكُونُ الرَّجُلُ تَارَةً مُسْلِمًا وَتَارَةً كَافِرًا وَتَارَةً مُؤْمِنًا ; وَتَارَةً مُنَافِقًا وَتَارَةً بَرًّا تَقِيًّا وَتَارَةً فَاسِقًا وَتَارَةً فَاجِرًا شَقِيًّا . وَهَكَذَا الْمَسَاكِنُ بِحَسَبِ سُكَّانِهَا فَهِجْرَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ مَكَانِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي إلَى مَكَانِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ كَتَوْبَتِهِ وَانْتِقَالِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ إلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَهَذَا أَمْرٌ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَالَ : { وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ } . قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : هَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ آمَنَ وَهَاجَرَ وَجَاهَدَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَكَذَا قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهَا كُلُّ مَنْ فَتَنَهُ الشَّيْطَانُ عَنْ دِينِهِ أَوْ أَوْقَعَهُ فِي مَعْصِيَةٍ ثُمَّ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ وَجَاهَدَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهَا مِنْ الْعَدُوِّ وَجَاهَدَ الْمُنَافِقِينَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَصَبَرَ عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .