مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
فَصْلٌ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ : فَإِنَّهُمْ لَا يَقْتَصِرُونَ فِي كُفْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ وَلَدَ شَيْئًا أَوْ اتَّخَذَ وَلَدًا أَوْ أَنَّهُ بَشَرٌ مَوْلُودٌ ; لِاتِّحَادِ الرَّبِّ بِهِ . فَإِنَّ هَذَا جَمِيعَهُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ شَيْئَيْنِ مُتَمَيِّزَيْنِ اتَّحَدَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ أَوْ حَلَّ فِيهِ وَهَذَا إنَّمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ بِالِاتِّحَادِ الْخَاصِّ الْمُقَيَّدِ أَوْ الْحُلُولِ الْخَاصِّ الْمُقَيَّدِ . وَهَؤُلَاءِ عِنْدَهُمْ مَا ثَمَّ غَيْرُهُ وَلَا سِوَاهُ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا وَلَا هُوَ رَبُّ شَيْءٍ وَلَا مَالِكُ شَيْءٍ وَلَا لَهُ عَبْدٌ وَلَا عَابِدٌ وَلَا دَاعٍ يَدْعُوهُ فَيُجِيبُهُ وَلَا مُضْطَرٌّ يَضْطَرُّ إلَيْهِ فَيُجِيبُهُ وَلَا سَائِلٌ يَسْأَلُهُ فَيُجِيبُهُ وَإِنَّمَا يَشْهَدُ الْعَبْدُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ ; إذَا كَانَ مَحْجُوبًا عَنْ شُهُودِ الْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي خَيَالِهِ . فَإِذَا انْكَشَفَ حِجَابُ قَلْبِهِ عِنْدَهُمْ : رَأَى مَا ثَمَّ اثْنَيْنِ بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدُهُمَا خَالِقًا وَالْآخَرُ مَخْلُوقًا أَوْ أَحَدُهُمَا عَابِدًا وَالْآخَرُ رَبًّا أَوْ أَحَدُهُمَا وَالِدًا وَالْآخَرُ مَوْلُودًا أَوْ أَحَدُهُمَا شَرِيكًا لِلْآخَرِ أَوْ شَفِيعًا عِنْدَهُ حَتَّى يَتَقَرَّبَ بِعِبَادَتِهِ إلَيْهِ . وَهَذَا قَوْلُ الْحُذَّاقِ مِنْهُمْ كالتلمساني وَابْنِ الْفَارِضِ ; والتلمساني أَعْرَفُ بِحَقَائِقِ قَوْلِهِمْ . وَأَمَّا ابْنُ عَرَبِيٍّ فَيَقُولُ : هَذَا كُلُّهُ فِي الذَّوَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الْعَدَمِ لَا فِي شَيْءٍ مَوْجُودٍ فَأَمَّا الْوُجُودُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رَبٌّ وَعَبْدٌ وَخَالِقٌ وَمَخْلُوقٌ وَدَاعٍ وَمُجِيبٌ وَإِنَّمَا الْوُجُودُ لَمَّا فَاضَ عَلَى الْأَعْيَانِ فَظَهَرَ فِيهَا حَصَلَ التَّفَرُّقُ مِنْ جِهَةِ الْأَعْيَانِ ; كَتَفَرُّقِ النُّورِ فِي الزُّجَاجِ ; لِاخْتِلَافِ أَلْوَانِهِ . فَهَؤُلَاءِ ; يَرُدُّ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ فِي مَوَاضِعَ لَا تُحْصَى وَقِصَصِ اللَّهِ الَّتِي قَصَّهَا عَنْ فِرْعَوْنَ الَّذِي هُوَ رَئِيسُهُمْ : يَتَضَمَّنُ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ ; فَإِنَّ فِرْعَوْنَ أَنْكَرَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ يَكُونَ لِمُوسَى إلَهٌ يَطَّلِعُ إلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْ هَذَا الْوُجُودَ الَّذِي هُوَ الْعَالَمُ . وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ : إنَّمَا يُقِرُّونَ بِهَذَا الْوُجُودِ الَّذِي هُوَ هَذَا الْعَالَمُ فَمَا ثَمَّ غَيْرُهُ عِنْدَهُمْ وَيَقُولُونَ : هُوَ اللَّهُ وَهُوَ الْإِنْسَانُ الْكَبِيرُ .