تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَحْكَامَ مِثْلَ صِيَامِ رَمَضَانَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَهِلَّةِ لَا رَيْبَ فِيهِ . لَكِنْ الطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ طُلُوعِ الْهِلَالِ هُوَ الرُّؤْيَةُ ; لَا غَيْرُهَا : بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ . أَمَّا السَّمْعُ : فَقَدْ أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ المقدسي وَأَبُو الْغَنَائِمِ الْمُسْلِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْقَيْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا : أَنْبَأَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُؤَذِّنُ أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمُذْهِبِ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ أَنْبَأَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ . وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ الثَّلَاثِينَ } . وَقَالَ أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ وَإِسْحَاقَ يَعْنِي الْأَزْرَقَ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ . الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي ذَكَرَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ قَالَ إسْحَاقُ : وَطَبَّقَ بِيَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَخَنَّسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ وَلَفْظُهُ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ } . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو داود عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ وَلَفْظُهُ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَّسَ سُلَيْمَانُ أُصْبُعَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ } . رَوَاهُ النسائي مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ . كَمَا ذَكَرْنَاهُ . وَمِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ أَيْضًا كَمَا سُقْنَاهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ تَمَامُ الثَّلَاثِينَ . وَلَمْ يَقُلْ : يَعْنِي . فَرِوَايَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُسْنَدِ كَمَا سُقْنَاهُ أَجَلُّ الطُّرُقِ وَأَرْفَعُهَا قَدْرًا ; إذْ غُنْدَرٌ أَرْفَعُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ وَأَضْبَطُ لِحَدِيثِهِ وَالْإِمَامُ أَحْمَد أَجَلُّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُسْنَدَةُ الَّتِي رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو داود والنسائي مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ تُفَسِّرُ رِوَايَةَ النَّوَوِيِّ وَسَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِمَّا فِيهِ إجْمَالٌ يُوهَمُ بِسَبَبِهِ عَلَى ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ مَا رَوَيْنَاهُ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ أَحْمَد قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَبَهْزٌ قَالَا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جبلة يَقُولُ لَنَا ابْنُ سحيم : قَالَ بَهْزٌ : أَخْبَرَنِي جبلة بْنُ سحيم سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَطَبَّقَ بِأَصَابِعِهِ مَرَّتَيْنِ وَكَسَرَ فِي الثَّالِثَةِ الْإِبْهَامَ . } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فِي حَدِيثِهِ يَعْنِي قَوْلَهُ : " تِسْعًا وَعِشْرِينَ " . هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ والنسائي مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَلَفْظُهُ : { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَّسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ } . وَمِثْلُ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا رَوَيْنَاهُ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى أَحْمَد : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ أَنْبَأَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ فَإِنْ رُئِيَ فَذَاكَ فَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا . وَرَوَيْنَاهُ . فِي سُنَنِ أَبِي داود مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : أَنْبَأَنَا أَيُّوبُ هَكَذَا سَوَاءً . وَلَفْظُهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } قَالَ فِي آخِرِهِ : فَكَانَ ابْنِ عُمَرَ إذَا كَانَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نُظِرَ لَهُ فَإِنْ رُئِيَ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا قَالَ فَكَانَ ابْنِ عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ وَرِوَى لَهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } وَبِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ سَحَابٌ أَصْبَحَ صَائِمًا . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَحَابٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا . قَالَ : وَأَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طاوس عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ كَمَا رَوَيْنَاهُ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : إذَا كَانَ لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ . وَكَانَ فِي السَّمَاءِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا . رَوَاهُ النسائي عَنْ عُمَرَ وَابْنُ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى . وَلَفْظُهُ : { لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } وَذَكَرَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهِلَالَ فَقَالَ : إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ } وَجَعَلَ هَذَا اخْتِلَافًا عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ . وَمِثْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا يَقْدَحُ إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ فَإِنَّ الْحُفَّاظَ كَالزُّهْرِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَنَحْوِهِمَا يَكُونُ الْحَدِيثُ عِنْدَهُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ وَثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ . فَتَارَةً يُحَدِّثُونَ بِهِ مِنْ وَجْهٍ وَتَارَةً يُحَدِّثُونَ بِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهَذَا يُوجَدُ كَثِيرًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا . وَيُظْهِرُ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْ الرُّوَاةِ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ شَيْخَيْنِ أَوْ يَذْكُرُ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ذَكَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَقَالَ : لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } لَمْ يَذْكُرْ فِي أَوَّلِهِ قَوْلَهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } وَلَا ذَكَرَ الزِّيَادَةَ عَلَى عَادَتِهِ فِي أَنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يَتْرُكُ التَّحْدِيثَ بِمَا لَا يُعْمَلُ بِهِ عِنْدَهُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } فَرَوَاهَا مَالِكٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ . وَرَوَاهَا مِنْ طَرِيقِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسلمة وَهُوَ القعنبي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ } هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ مُخْتَصَرًا فِي الْبُخَارِيِّ . وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ القعنبي عَنْ مَالِكٍ . وَهُوَ نَاقِصٌ . فَإِنَّ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ : " يَوْمًا " لِأَنَّ القعنبي لَفْظُهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ . فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } فَذَكَرَ قَوْلَهُ : { وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ } وَذَكَرَهُ بِلَفْظَةِ { فَاقْدُرُوا لَهُ } لَا بِلَفْظِ { فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ } وَهَكَذَا فِي سَائِر الْمُوَطَّآتِ مَسْبُوقٌ بِذِكْرِ الْجُمْلَتَيْنِ . وَلَفْظُ " الْقَدْر " حَتَّى قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ : { فَاقْدُرُوا لَهُ } قَالَ : وَكَذَلِكَ رَوَى سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ . وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : وَرَوَاهُ الدراوردي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ فِيهِ : { فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } فَهَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَقْصٌ وَرِوَايَةٌ بِالْمَعْنَى وَقَعَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ كَمَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي لَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَمِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ الْمُشْعِرُ بِالْحَصْرِ مَا رَوَيْنَاهُ أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى أَحْمَد : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شيبان عَنْ يَحْيَى أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ : قَالَ : سَمِعْت { ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } وَرَوَاهُ النسائي مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى هَكَذَا . وَسَاقَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الشَّهْرُ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ } وَجَعَلَ النسائي هَذَا اخْتِلَافًا عَلَى يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ . وَالصَّوَابُ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَحْفُوظٌ عَنْ يَحْيَى . عَنْ أَبِي سَلَمَةَ لَا اخْتِلَافَ فِي اللَّفْظِ . وَقَالَ أَحْمَد حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ . حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حريث سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَطَبَّقَ شُعْبَةُ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَكَسَرَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ عُقْبَةُ وَأَحْسَبُهُ قَالَ : الشَّهْرُ ثَلَاثُونَ وَطَبَّقَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } وَرَوَاهُ النسائي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنَّى عَنْ غُنْدُرٍ ; لَكِنْ لَفْظُهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } لَمْ يَزِدْ . فَرِوَايَةُ أَحْمَد أَكْمَلُ وَأَحْسَنُ سِيَاقًا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الْمُفَسِّرَةَ تُبَيِّنُ أَنَّ سَائِر رِوَايَاتِ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي فِيهَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ عُنِيَ بِهَا أَحَدُ شَيْئَيْنِ : أَمَّا أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ رَدًّا عَلَى مَنْ يَتَّهِمُ أَنَّ الشَّهْرَ الْمُطْلَقَ هُوَ ثَلَاثُونَ كَمَا تَوَهَّمَ مَنْ تَوَهَّمَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي الشَّهْرِ الْعَدَدِيِّ فَيَجْعَلُونَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِكُلِّ حَالٍ وَعَارَضَهُمْ قَوْمٌ فَقَالُوا : الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْيَوْمُ الْآخِرُ زِيَادَةٌ . وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا } يَعْنِي : مَرَّةً ثَلَاثِينَ وَمَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَمَنْ جَزَمَ بِكَوْنِهِ ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَقَدْ أَخْطَأَ . وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّ عَدَدَ الشَّهْرِ اللَّازِمَ الدَّائِمَ هُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَأَمَّا الزَّائِدُ فَأَمْرٌ جَائِزٌ يَكُونُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ وَلَا يَكُونُ فِي بَعْضِهَا . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التِّسْعَةَ وَالْعِشْرِينَ يَجِبُ عَدَدُهَا وَاعْتِبَارُهَا بِكُلِّ حَالٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا يُشْرَعُ الصَّوْمُ بِحَالِ حَتَّى يَمْضِيَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ شَعْبَانَ وَلَا بُدَّ أَنْ يُصَامَ فِي رَمَضَانَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ ; لَا يُصَامُ أَقَلُّ مِنْهَا بِحَالِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يُفَسَّرُ بِهِ رِوَايَةُ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ : { إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ . فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ } أَيْ إنَّمَا الشَّهْرُ اللَّازِمُ الدَّائِمُ الْوَاجِبُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ . وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ هَذَا اللَّفْظُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ ; لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَصْرِ . وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ إشَارَةً إلَى شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَا إلَى جِنْسِ الشَّهْرِ : أَيْ إنَّمَا ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ كَأَنَّهُ الشَّهْرُ الَّذِي آلَى فِيهِ مِنْ أَزْوَاجِهِ لَكِنْ هَذَا يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ عَقِبَهُ : { فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ . فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَقْدِرُوا لَهُ } فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا لِبَيَانِ الشَّرْعِ الْعَامِّ الْمُتَعَلِّقِ بِجِنْسِ الشَّهْرِ لَا لِشَهْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ . فَلَوْ أَرَادَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ لَكَانَ إذَا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ الْغَمِّ وَعَدَمِهِ وَلَمْ يَقُلْ : { فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ } وَلِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا وَقَدْ رُئِيَ هِلَالُ الصَّوْمِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ : { فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ } . وَلِذَلِكَ حَمَلَ الْأَئِمَّةُ كَالْإِمَامِ أَحْمَد قَوْلَهُ الْمُطْلَقَ عَلَى أَنَّهُ لِجِنْسِ الشَّهْرِ لَا لِشَهْرِ مُعَيَّنٍ . وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ . قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حميد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قُلْت لِيَحْيَى : الَّذِينَ يَقُولُونَ الملائي قَالَ : نَعَمْ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ : صُمْنَا عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَأَمَرَنَا عَلِيٍّ أَنْ نُتِمَّهَا يَوْمًا . أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ : الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الشَّهْرِ ; لِأَنَّ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَمَنْ صَامَ هَذَا الصَّوْمَ قَضَى يَوْمًا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ . وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَتَبَيَّنُ الْجَوَابُ عَمَّا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا قَالَتْ . يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ { وَظَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فَنَزَلَ لِتِسْعِ وَعِشْرِينَ . فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ : إنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ } فَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَدَّتْ مَا أَفْهَمُوهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَوْ مَا فَهِمَتْهُ هِيَ مِنْ أَنَّ الشَّهْرَ لَا يَكُونُ إلَّا تِسْعًا وَعِشْرِينَ . وَابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرُدَّ هَذَا بَلْ قَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ . بِأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ ابْنِ عُمَرَ رَوَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تَارَةً كَذَلِكَ وَتَارَةً كَذَلِكَ . وَمَا رَوَاهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ أَيْضًا : مِنْ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّهْرَ اللَّازِمَ الدَّائِمَ الْوَاجِبَ هُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ يَنْفُونَ الشَّيْءَ فِي صِيَغِ الْحَصْرِ أَوْ غَيْرِهَا تَارَةً لِانْتِفَاءِ ذَاتِهِ . وَتَارَةً لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ وَمَقْصُودِهِ . وَيَحْصُرُونَ الشَّيْءَ فِي غَيْرِهِ : تَارَةً لِانْحِصَارِ جَمِيعِ الْجِنْسِ مِنْهُ . وَتَارَةً لِانْحِصَارِ الْمُفِيدِ أَوْ الْكَامِلِ فِيهِ . ثُمَّ إنَّهُمْ تَارَةً يُعِيدُونَ النَّفْيَ إلَى الْمُسَمَّى . وَتَارَةً يُعِيدُونَ النَّفْيَ إلَى الِاسْمِ . وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي اللُّغَةِ ; إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْحَقِيقِيُّ بِالِاسْمِ مُنْتَفِيًا عَنْهُ ثَابِتًا لِغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } فَنَفَى عَنْهُمْ مُسَمَّى الشَّيْءِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ شَامِلٌ لِكُلِّ مَوْجُودٍ مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ ; لَمَّا كَانَ مَا لَا يُفِيدُ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ يَئُولُ إلَى الْبَاطِلِ الَّذِي هُوَ الْعَدَمُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ . بَلْ مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ كَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا مِنْ الْمَعْدُومِ الْمُسْتَمِرِّ عَدَمُهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ . فَمَنْ قَالَ الْكَذِبَ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا . وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا يَنْفَعُهُ فَلَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا . وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْكُهَّانِ قَالَ . " لَيْسُوا بِشَيْءِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَاسٍ مِنْ الْكُهَّانِ فَقَالَ : لَيْسُوا بِشَيْءِ } وَيَقُولُ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ لَيْسَ بِشَيْءِ أَوْ عَنْ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ بِشَيْءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ ; لِظُهُورِ كَذِبِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً . وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ خَرَجَ عَنْ مُوجِبِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي الْأَخْلَاقِ وَنَحْوِهَا : هَذَا لَيْسَ بِآدَمِيِّ وَلَا إنْسَانٍ مَا فِيهِ إنْسَانِيَّةٌ وَلَا مُرُوءَةٌ هَذَا حِمَارٌ ; أَوْ كَلْبٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ اتَّصَفَ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ مِنْ حُدُودِ الْإِنْسَانِيَّةِ . كَمَا قُلْنَ لِيُوسُفَ : { مَا هَذَا بَشَرًا إنْ هَذَا إلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } . وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ إنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ إلْحَافًا } وَقَالَ : { مَا تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : الَّذِي لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا دِينَارَ فَقَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ إنَّمَا الْمُفْلِسُ الَّذِي يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الْحَدِيثَ . وَقَالَ : { مَا تُعِدُّونَ الرَّقُوبَ ؟ } الْحَدِيثَ . فَهَذَا نَفْيٌ لِحَقِيقَةِ الِاسْمِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ : بِاعْتِبَارِ أَنَّ الرَّقُوبَ وَالْمُفْلِسَ إنَّمَا قُيِّدَ بِهَذَا الِاسْمِ لَمَّا عَدِمَ الْمَالَ وَالْوَلَدَ وَالنُّفُوسُ تَجْزَعُ مِنْ ذَلِكَ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ حَيْثُ يَضُرُّهُ عَدَمُهُ هُوَ أَحَقُّ بِهَذَا الِاسْمِ مِمَّنْ يَعْدَمُهُ حَيْثُ قَدْ لَا يَضُرُّهُ ضَرَرًا لَهُ اعْتِبَارٌ . وَمَثَّالُ هَذَا أَنْ يُقَالَ لِمَنْ يَتَأَلَّمُ أَلَمًا يَسِيرًا لَيْسَ هَذَا بِأَلَمِ إنَّمَا الْأَلَمُ كَذَا وَكَذَا وَلِمَنْ يَرَى أَنَّهُ غَنِيٌّ لَيْسَ هَذَا بِغَنِيِّ إنَّمَا الْغَنِيُّ فُلَانٌ . وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْعَالَمِ وَالزَّاهِدِ . كَقَوْلِهِمْ إنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى . وَكَقَوْلِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ النَّاسُ يَقُولُونَ : مَالِكٌ زَاهِدٌ إنَّمَا الزَّاهِدُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الَّذِي أَتَتْهُ الدُّنْيَا فَتَرَكَهَا . وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا تَكُونُ الْقُلُوبُ تُعَظِّمُهُ لِذَلِكَ الْمُسَمَّى اعْتِقَادًا وَاقْتِصَادًا : إمَّا طَلَبًا لِوُجُودِهِ وَإِمَّا طَلَبًا لِعَدَمِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلِاسْمِ فَيُبَيِّنُ لَهَا أَنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثَابِتَةٌ لِغَيْرِهِ دُونَهُ عَلَى وَجْهٍ يَنْبَغِي تَعْلِيقُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ وَالِاقْتِصَادِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ } وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } إلَى قَوْلِهِ { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } فَهَؤُلَاءِ الْمُسْتَحِقُّونَ لِهَذَا الِاسْمِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْوَاجِبَةِ لَهُمْ . وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لَا عِلْمَ إلَّا مَا نَفَعَ وَلَا مَدِينَةَ إلَّا بِمُلْكِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ } أَوْ { إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } . فَإِنَّمَا الرِّبَا الْعَامُّ الشَّامِلُ لِلْجِنْسَيْنِ وَلِلْجِنْسِ الْوَاحِدِ الْمُتَّفِقَةِ صِفَاتُهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي النَّسِيئَةِ . وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ إلَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّفَاتُ . كَالْمَضْرُوبِ بِالتِّبْرِ وَالْجِيدِ بِالرَّدِيءِ فَإِمَّا إذَا اسْتَوَتْ الصِّفَاتُ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَبِيعُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ . وَلِهَذَا شُرِعَ الْقَرْضُ هُنَا ; لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ التَّبَرُّعِ . فَلَمَّا كَانَ غَالِبُ الرِّبَا وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أَوَّلًا وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ وَهُوَ رِبَا النَّسَاءِ : قِيلَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ . وَأَيْضًا رِبَا الْفَضْلِ إنَّمَا حُرِّمَ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ فَالرِّبَا الْمَقْصُودُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ هُوَ رِبَا النَّسِيئَةِ فَلَا رِبَا إلَّا فِيهِ وَأَظْهَرُ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ الرِّبَا الْجِنْسُ الْوَاحِدُ الْمُتَّفَقُ فِيهِ الصِّفَاتُ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ وَعِشْرِينَ ظَهَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ قَابَلَتْ الْأَجَلَ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ لِلْحَاجَةِ ; وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ الْآجَالُ بِالْيَدِ وَلَا بِالْإِتْلَافِ . فَلَوْ تَبَقَّى الْعَيْنُ فِي يَدِهِ أَوْ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ مُدَّةً لَمْ يَضْمَنْ الْأَجَلَ ; بِخِلَافِ زِيَادَةِ الصِّفَةِ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ فِي الْإِتْلَافِ وَالْغَصْبِ وَفِي الْبَيْعِ إذَا قَابَلَتْ غَيْرَ الْجِنْسِ . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ . فَإِنَّ الْكَلَامَ الْخَبَرِيَّ إمَّا إثْبَاتٌ وَإِمَّا نَفْيٌ . فَكَمَا أَنَّهُمْ فِي الْإِثْبَاتِ يُثْبِتُونَ لِلشَّيْءِ اسْمَ الْمُسَمَّى إذَا حَصَلَ فِيهِ مَقْصُودُ الِاسْمِ وَإِنْ انْتَفَتْ صُورَةُ الْمُسَمَّى . فَكَذَلِكَ فِي النَّفْيِ . فَإِنَّ أَدَوَاتِ النَّفْيِ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الِاسْمِ بِانْتِفَاءِ مُسَمَّاهُ فَكَذَلِكَ تَارَةً ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا . وَتَارَةً لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْحَقِيقَةُ الْمَقْصُودَةُ بِالْمُسَمَّى . وَتَارَةً لِأَنَّهُ لَمْ تَكْمُلْ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ . وَتَارَةً لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُسَمَّى مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا ; بَلْ الْمَقْصُودُ غَيْرُهُ . وَتَارَةً لِأَسْبَابِ أُخَرَ . وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي لَا تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا حَقِيقَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلِكَوْنِ الْمُرَكَّبِ قَدْ صَارَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ الَّتِي تَجْعَلُهَا مَجَازًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَأَمَّا إذَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرِينَتَيْنِ فَمَعْنَاهُ السَّلْبُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ . فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } وَقَوْلُهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } حَيْثُ قَصَدَ بِهِ الْحَصْرَ فِي النَّوْعِ لَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ عَلَّقَ بِالشَّهْرِ أَحْكَامًا كَقَوْلِهِ : { شَهْرُ رَمَضَانَ } وَقَوْلِهِ : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } وَقَوْلِهِ : { شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَكَانَ مِنْ الْأَفْهَامِ مَا يَسْبِقُ إلَى أَنَّ مُطْلَقَ الشَّهْرِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا . وَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ لَمْ يَعُدَّ أَيَّامَ الشَّهْرِ يَتَوَهَّمُ أَنَّ السَّنَةَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا . وَأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ الثَّابِتُ اللَّازِمُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ . وَزِيَادَةُ الْيَوْمِ قَدْ تَدْخُلُ فِيهِ وَقَدْ تَخْرُجُ مِنْهُ كَمَا يَقُولُ الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَقَدْ يَمُوتُ قَبْلَ الْكَلَامِ فَلَا يَكُونُ الْإِسْلَامُ فِي حَقِّهِ إلَّا مَا تَكَلَّمَ بِهِ . وَعَلَى مَا قَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَيَكُونُ قَدْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِلَا الْخِبْرَيْنِ أَوْ أَنْ يَكُونَ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ : { أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ } كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ وَسُمِعَ مِنْهُ : { أَنَّ الشَّهْرَ إنَّمَا هُوَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } رُوِيَ هَذَا بِالْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَرْوِي بِالْمَعْنَى . رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ أَنَّ قَوْلَهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } لِشَهْرِ مُعَيَّنٍ . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { قَدْ يَكُونُ } وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّمَا الشَّهْرُ } وَقَدْ اسْتَفَاضَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُوَافِقُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ . مِثْلُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جريج . عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ إنَّك حَلَفْت أَنْ لَا تَدْخُلُ شَهْرًا . فَقَالَ : إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا } فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكْمُلُ بِحَسْبِهِ مُطْلَقًا . إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِيلَاءُ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ . فَمَتَى كَانَ الْإِيلَاءُ . فِي أَثْنَائِهِ فَهُوَ نَصٌّ فِي مَسْأَلَةِ النِّزَاعِ . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ حَمِيدٍ عَنْ أَنَسٍ { قَالَ : آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرَبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ . فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْت شَهْرًا فَقَالَ : إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ } . وَأَمَّا الشَّهْرُ الْمُعَيَّنُ فَرَوَى النسائي مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ : تَمَّ الشَّهْرُ لِتِسْعِ وَعِشْرِينَ } هَكَذَا رَوَاهُ بَهْز عَنْهُ . وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ غُنْدُرٍ . وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ غُنْدُرٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ إيلَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِيمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ . فَلَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ أَنَّ الشَّهْرَ تَمَّ لِتِسْعِ وَعِشْرِينَ لِأَنَّ الشَّهْرَ الَّذِي آلَى فِيهِ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظُنُّ أَنَّ عَلَيْهِ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ . فَأَخْبَرَهُ جبرائيل بِأَنَّهُ تَمَّ شَهْرُ إيلَائِهِ لِتِسْعِ وَعِشْرِينَ . وَلَوْ كَانَ الْإِيلَاءُ فِي أَوَّلِ الْهِلَالِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُخْبِرَهُ جبرائيل بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ إذَا رُئِيَ لِتَمَامِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ تَمَّ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِهِ جبرائيل . وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الْإِيلَاءُ بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ لَكَانَ الصَّحَابَةُ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ شَهْرٌ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ يَشُكُّونَ فِيهِ هُمْ وَلَا أَحَدٌ أَنَّ الشَّهْرَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْعَدَدِ ; وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الْإِيلَاءُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ تَوَهَّمُوا أَنَّهُ يَجِبُ تَكْمِيلُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ بِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ شَهْرُ إيلَائِهِ لِتِسْعِ وَعِشْرِينَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : { إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } أَيْ شَهْرُ الْإِيلَاءِ { وَأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ } . وَأَيْضًا فَقَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَعُدُّهُنَّ . وَلَوْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِلَالِ لَمْ تَحْتَجْ إلَى أَنْ تَعُدَّهُنَّ كَمَا لَمْ يَعُدَّ رَمَضَانَ إذَا صَامُوا بِالرُّؤْيَةِ ; بَلْ رِوَى عَنْهُ مَا ظَاهِرُهُ الْحَصْرُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى أَحْمَد : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ { قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْرِبُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ يَقُولُ : الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا ثُمَّ يَقْبِضُ أُصْبُعَهُ فِي الثَّالِثَةِ } . وَقَالَ أَحْمَد حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا عَشْرٌ عَشْرٌ وَتِسْعٌ مَرَّةً } رَوَاهُ النسائي مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ . وَرَوَاهُ هُوَ وَأَحْمَد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ مُسْنَدًا كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَوَكِيعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدٍ مُرْسَلًا . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ قُلْت لِإِسْمَاعِيلَ : عَنْ أَبِيهِ ؟ قَالَ : لَا . وَقَدْ صَحَّحَ أَحْمَد الْمُسْنَدَ . وَقَالَ فِي حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ حَدِيثُ سَعْدٍ { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا } قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ : أَرَدْنَا أَنْ يَقُولَ عَنْ أَبِيهِ فَأَبَى . قَالَ أَحْمَد : هَذَا عَنْ إسْمَاعِيلَ كَانَ يُسْنِدُهُ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا لَا يُسْنِدُهُ . وَرَوَاهُ زَائِدَةُ عَنْ أَبِيهِ قِيلَ لَهُ : إنَّ وَكِيعًا . قَدْ رَوَاهُ وَيَحْيَى يَقُولُ : مَا يَقُولُ ؟ قَالَ : زَائِدَةُ قَدْ رَوَاهُ . وَقَالَ أَيْضًا : قَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ وَابْنُ بِشْرٍ وَزَائِدَةُ وَغَيْرُهُمْ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَيَانٌ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ الثِّقَات فَهِيَ مَقْبُولَةٌ . وَأَنَّ الَّذِينَ حَدَّثُوا عَنْهُ كَانَ تَارَةً يَذْكُرُهَا وَتَارَةً يَتْرُكُهَا . وَقَدْ رُوِيَ مَا يُفَسِّرُهُ : فَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ وَكِيعٌ بِالْعَشْرِ الْأَصَابِعِ مَرَّتَيْنِ وَخَنَّسَ وَاحِدَةً الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ } . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُسْتَفِيضَة�