تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ فَإِذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ ذَهَبَ إلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَهُوَ طَرِيقُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ ; لِأَنَّهُ إلَى عَرَفَةَ طَرِيقٌ أُخْرَى تُسَمَّى طَرِيقَ ضَبٍّ وَمِنْهَا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى عَرَفَاتٍ وَخَرَجَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ . وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَاسِكِ وَالْأَعْيَادِ يَذْهَبُ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ مِنْ أُخْرَى فَدَخَلَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى . وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَخَرَجَ بَعْدَ الْوَدَاعِ مِنْ بَابِ حَزْوَرَةَ الْيَوْمَ . وَدَخَلَ إلَى عَرَفَاتٍ مِنْ طَرِيقِ ضَبٍّ وَخَرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ وَأَتَى إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ - يَوْمَ الْعِيدِ - مِنْ الطَّرِيقِ الْوُسْطَى الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا إلَى خَارِجِ مِنَى ثُمَّ يَعْطِفُ عَلَى يَسَارِهِ إلَى الْجَمْرَةِ ثُمَّ لَمَّا رَجَعَ إلَى مَوْضِعِهِ بِمِنَى الَّذِي نَحَرَ فِيهِ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ رَجَعَ مِنْ الطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي يَسِيرُ مِنْهَا جُمْهُورُ النَّاسِ الْيَوْمَ . فَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ بمزدلفة وَلَا يُزَاحِمُ النَّاسَ بَلْ إنْ وَجَدَ خَلْوَةً أَسْرَعَ فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ تَبْرِيكِ الْجِمَالِ إنْ أَمْكَنَ ثُمَّ إذَا بَرَّكُوهَا صَلَّوْا الْعِشَاءَ وَإِنْ أَخَّرَ الْعِشَاءَ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ وَيَبِيتُ بمزدلفة وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا يُقَالُ لَهَا الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَهِيَ مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ إلَى بَطْنِ مُحَسِّرٍ . فَإِنَّ بَيْنَ كُلِّ مَشْعَرَيْنِ حَدًّا لَيْسَ مِنْهُمَا : فَإِنَّ بَيْنَ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ بَطْنُ عرنة وَبَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنَى بَطْنُ مُحَسِّرٍ . قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عرنة وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَمِنَى كُلُّهَا مَنْحَرٌ وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا طَرِيقٌ } . وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبِيتَ بمزدلفة إلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَيُصَلِّيَ بِهَا الْفَجْرَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ يَقِفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَام إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الضَّعَفَةِ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُ يَتَعَجَّلُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنَى إذَا غَابَ الْقَمَرُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْقُوَّةِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ مُزْدَلِفَةَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَيُصَلُّوا بِهَا الْفَجْرَ وَيَقِفُوا بِهَا وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ لَكِنَّ الْوُقُوفَ عِنْدَ قُزَحَ أَفْضَلُ وَهُوَ جَبَلُ الميقدة وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ الْيَوْمَ . وَقَدْ بُنِيَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يَخُصُّهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِاسْمِ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ . فَإِذَا كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَفَاضَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنَى فَإِذَا أَتَى مُحَسِّرًا أَسْرَعَ قَدْرَ رَمْيَةٍ بِحَجَرِ فَإِذَا أَتَى مِنَى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيَرْفَعُ يَدَهُ فِي الرَّمْيِ وَهِيَ الْجَمْرَةُ الَّتِي هِيَ آخِرُ الْجَمَرَاتِ مِنْ نَاحِيَةِ مِنَى وَأَقْرَبُهُنَّ مِنْ مَكَّةَ وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَلَا يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ غَيْرَهَا يَرْمِيهَا مُسْتَقْبِلًا لَهَا يَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنَى عَنْ يَمِينِهِ هَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَإِنْ شَاءَ قَالَ مَعَ ذَلِكَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرَّمْيِ . وَلَا يَزَالُ يُلَبِّي فِي ذَهَابِهِ مِنْ مَشْعَرٍ إلَى مَشْعَرٍ مِثْلَ ذَهَابِهِ إلَى عَرَفَاتٍ وَذَهَابِهِ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى مُزْدَلِفَةَ حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَإِذَا شَرَعَ فِي الرَّمْيِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَشْرَعُ فِي التَّحَلُّلِ . وَالْعُلَمَاءُ فِي التَّلْبِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَقْطَعُهَا إذَا وَصَلَ إلَى عَرَفَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بَلْ يُلَبِّي بِعَرَفَةَ وَغَيْرِهَا إلَى أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مُزْدَلِفَةَ لَبَّى وَإِذَا أَفَاضَ مَنَّ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنَى لَبَّى حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَهَكَذَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .