مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
فَصْلٌ وَمِنْ ذَلِكَ عُقُوبَةُ الْمُحَارِبِينَ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ : الَّذِينَ يَعْتَرِضُونَ النَّاسَ بِالسِّلَاحِ فِي الطُّرُقَاتِ وَنَحْوِهَا لِيَغْصِبُوهُمْ الْمَالَ مُجَاهَرَةً : مِنْ الْأَعْرَابِ وَالتُّرْكُمَانِ وَالْأَكْرَادِ وَالْفَلَّاحِينَ وَفَسَقَةِ الْجُنْدِ أَوْ مَرَدَةِ الْحَاضِرَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ - : " إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِّلُوا وَصُلِّبُوا وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِّلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نَفَوْا مِنْ الْأَرْضِ " . وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهِمْ فَيَقْتُلُ مَنْ رَأَى قَتْلَهُ مَصْلَحَةً وَإِنْ كَانَ لَمْ يُقْتَلْ : مِثْلَ أَنْ يَكُونَ رَئِيسًا مُطَاعًا فِيهَا وَيَقْطَعُ مَنْ رَأَى قَطْعَهُ مَصْلَحَةً ; وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ ذَا جَلَدٍ وَقُوَّةٍ فِي أَخْذِ الْمَالِ . كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُمْ إذَا أَخَذُوا الْمَالَ قُتِّلُوا وَقُطِّعُوا وَصُلِّبُوا . وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ . فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُحَارِبِينَ قَدْ قَتَلَ فَإِنَّهُ يُقَتِّلُهُ الْإِمَامُ حَدَا لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ بِحَالِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ . ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا يَكُونُ أَمْرُهُ إلَى وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ ; بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا لِعَدَاوَةِ بَيْنَهُمَا أَوْ خُصُومَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَاصَّةِ ; فَإِنَّ هَذَا دَمُهُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا عَفَوْا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ ; لِأَنَّهُ قَتَلَهُ لِغَرَضِ خَاصٍّ . وَأَمَّا الْمُحَارِبُونَ فَإِنَّمَا يَقْتُلُونَ لِأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ فَضَرَرُهُمْ عَامٌّ ; بِمَنْزِلَةِ السُّرَّاقِ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ حَدًّا لِلَّهِ . وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ غَيْرَ مُكَافِئٍ لِلْقَاتِلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ حُرًّا وَالْمَقْتُولُ عَبْدًا أَوْ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا وَالْمَقْتُولُ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ يُقْتَلُ فِي الْمُحَارَبَةِ ؟ وَالْأَقْوَى أَنَّهُ يُقْتَلُ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ لِلْفَسَادِ الْعَامِّ حَدًّا كَمَا يُقَطَّعُ إذَا أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَكَمَا يُحْبَسُ بِحُقُوقِهِمْ .