تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَالْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ أَيْضًا ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ بِشَرْطِ الْمُسَاوَاةِ ; فَإِذَا قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلٍ فَلَهُ أَنْ يُقْطَعَ يَدُهُ كَذَلِكَ . وَإِذَا قَلَعَ سِنَّهُ فَلَهُ أَنْ يُقْلَعَ سِنُّهُ . وَإِذَا شَجَّهُ فِي رَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ فَأَوْضَحَ الْعَظْمَ فَلَهُ أَنْ يَشُجَّهُ كَذَلِكَ . وَإِذَا لَمْ تُمَكَّنْ الْمُسَاوَاةُ : مِثْلَ أَنْ يَكْسِرَ لَهُ عَظْمًا بَاطِنًا أَوْ يَشُجَّهُ دُونَ الْمُوضِحَةِ فَلَا يُشْرَعُ الْقِصَاصُ ; بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ الْمَحْدُودَةُ أَوْ الْأَرْشُ . وَأَمَّا الْقِصَاصُ فِي الضَّرْبِ بِيَدِهِ أَوْ بِعَصَاهُ أَوْ سَوْطِهِ مِثْلَ أَنْ يَلْطِمَهُ أَوْ يَلْكُمَهُ أَوْ يَضْرِبَهُ بِعَصَا وَنَحْوِ ذَلِكَ : فَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ : إنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ ; بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ لِأَنَّهُ لَا تُمَكَّنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ . وَالْمَأْثُورُ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ : أَنَّ الْقِصَاصَ مَشْرُوعٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ نَصُّ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّوَابُ . قَالَ أَبُو فِرَاسٍ : خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَ حَدِيثًا قَالَ فِيهِ : أَلَا إنِّي وَاَللَّهِ مَا أُرْسِلُ عُمَّالِي إلَيْكُمْ لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ ; وَلَكِنْ أُرْسِلُهُمْ إلَيْكُمْ لِيُعَلِّمُوكُمْ دِينَكُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ . فَمَنْ فُعِلَ بِهِ سِوَى ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إلَيَّ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إذًا لَأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ فَوَثَبَ عَمْرُو بْنُ العاص فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ : إنْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُمِّرَ عَلَى رَعِيَّةٍ فَأَدَبَّ رَعِيَّتَهُ أَإِنَّك لَتَقُصَّهُ مِنْهُ ؟ قَالَ : إي وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إذًا لَأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ وَقَدْ رَأَيْت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ . أَلَّا لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ وَلَا تَمْنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ . وَمَعْنَى هَذَا إذَا ضَرَبَ الْوَالِي رَعِيَّتَهُ ضَرْبًا غَيْرَ جَائِزٍ . فَأَمَّا الضَّرْبُ الْمَشْرُوعُ فَلَا قِصَاصُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ إذْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ جَائِزٌ .