مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ إقَامَةِ الدِّينِ بِالسُّلْطَانِ وَالْجِهَادِ فَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ النَّصِيحَةِ بِقَلْبِهِ وَالدُّعَاءِ لِلْأُمَّةِ وَمَحَبَّةِ الْخَيْرِ وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ : لَمْ يُكَلَّفْ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ ; فَإِنَّ قِوَامَ الدِّينِ بِالْكِتَابِ الْهَادِي وَالْحَدِيدِ النَّاصِرِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى . فَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ الِاجْتِهَادُ فِي اتِّفَاقِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِطَلَبِ مَا عِنْدَهُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ فِي ذَلِكَ ; ثُمَّ الدُّنْيَا تَخْدِمُ الدِّينَ كَمَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا ابْنَ آدَمَ أَنْتَ مُحْتَاجٌ إلَى نَصِيبِك مِنْ الدُّنْيَا وَأَنْتَ إلَى نَصِيبِك مِنْ الْآخِرَةِ أَحْوَجُ فَإِنْ بَدَأْت بِنَصِيبِك مِنْ الْآخِرَةِ مُرْ بِنَصِيبِك مِنْ الدُّنْيَا فَانْتَظَمَهَا انْتِظَامًا وَإِنْ بَدَأْت بِنَصِيبِك مِنْ الدُّنْيَا فَاتَك نَصِيبُك مِنْ الْآخِرَةِ وَأَنْتَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى خَطَرٍ . وَدَلِيلُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ أَصْبَحَ وَالْآخِرَةُ أَكْبَرُ هَمِّهِ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ; وَمَنْ أَصْبَحَ وَالدُّنْيَا أَكْبَرُ هَمِّهِ فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا مَا كَتَبَ لَهُ } . وَأَصْلُ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } { مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } { إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } . فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يُوَفِّقَنَا وَسَائِرَ إخْوَانِنَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا يُحِبُّهُ لَنَا وَيَرْضَاهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا دَائِمًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ .