مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 فَصْلٌ  وَأَمَّا   الْفَيْءُ  فَأَصْلُهُ مَا  ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى  فِي سُورَةِ الْحَشْرِ الَّتِي  أَنْزَلَهَا اللَّهُ  فِي غَزْوَةِ   بَنِي النَّضِيرِ  بَعْدَ   بَدْرٍ  مِنْ   قَوْله تَعَالَى   {   وَمَا  أَفَاءَ اللَّهُ  عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ  فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ  مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ  وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ  عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ  عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ   }   {   مَا  أَفَاءَ اللَّهُ  عَلَى رَسُولِهِ  مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى  وَالْمَسَاكِينِ  وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا  يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا  آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا  نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ   }   {   لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا  مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ   }   {   وَالَّذِينَ  تَبَوَّءُوا الدَّارَ  وَالْإِيمَانَ  مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ  هَاجَرَ إلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ  فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا  أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ  عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ  كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ  شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ   }   {   وَالَّذِينَ جَاءُوا  مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ  رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا  بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ  فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا  رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ   }  .  فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى   الْمُهَاجِرِينَ   وَالْأَنْصَارَ  وَاَلَّذِينَ جَاءُوا  مِنْ بَعْدِهِمْ  عَلَى مَا وَصَفَ  فَدَخَلَ  فِي الصِّنْفِ الثَّالِثِ كُلُّ مَنْ جَاءَ  عَلَى  هَذَا الْوَجْهِ إلَى يَوْمِ  الْقِيَامَةِ ;  كَمَا دَخَلُوا  فِي قَوْله تَعَالَى   {   وَالَّذِينَ آمَنُوا  مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ   }  وَفِي قَوْلِهِ :   {   وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ   }  وَفِي قَوْلِهِ :   {   وَآخَرِينَ مِنْهُمْ  لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ   }  . وَمَعْنَى قَوْلِهِ :   {  فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ  مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ   }  . أَيْ مَا  حَرَّكْتُمْ وَلَا سُقْتُمْ خَيْلًا وَلَا إبِلًا . وَلِهَذَا  قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّ الْفَيْءَ هُوَ مَا أُخِذَ  مِنْ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ ; لِأَنَّ إيجَافَ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ هُوَ مَعْنَى الْقِتَالِ .  وَسُمِّيَ فَيْئًا ; لِأَنَّ اللَّهَ  أَفَاءَهُ  عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ  رَدَّهُ عَلَيْهِمْ  مِنْ الْكُفَّارِ ;  فَإِنَّ الْأَصْلَ  أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا  خَلَقَ الْأَمْوَالَ  إعَانَةً  عَلَى عِبَادَتِهِ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا  خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ . فَالْكَافِرُونَ  بِهِ  أَبَاحَ  أَنْفُسَهُمْ الَّتِي لَمْ يَعْبُدُوهُ بِهَا وَأَمْوَالَهُمْ الَّتِي لَمْ يَسْتَعِينُوا بِهَا  عَلَى عِبَادَتِهِ ; لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ وَأَفَاءَ إلَيْهِمْ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ  كَمَا يُعَادُ  عَلَى الرَّجُلِ مَا غُصِبَ  مِنْ مِيرَاثِهِ  وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ قَبْلَ  ذَلِكَ ;  وَهَذَا مِثْلُ الْجِزْيَةِ الَّتِي  عَلَى   الْيَهُودِ   وَالنَّصَارَى  وَالْمَالُ الَّذِي يُصَالِحُ عَلَيْهِ الْعَدُوَّ أَوْ يَهْدُونَهُ إلَى  سُلْطَانِ الْمُسْلِمِينَ كَالْحِمْلِ الَّذِي يُحْمَلُ  مِنْ بِلَادِ   النَّصَارَى  وَنَحْوِهِمْ ; وَمَا يُؤْخَذُ مَنْ تُجَّارِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُوَ الْعُشْرُ  وَمِنْ تُجَّارِ   أَهْلِ الذِّمَّةِ  إذَا  اتَّجَرُوا  فِي غَيْرِ بِلَادِهِمْ وَهُوَ نِصْفُ الْعُشْرِ . هَكَذَا  كَانَ  عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  يَأْخُذُ . وَمَا يُؤْخَذُ  مِنْ أَمْوَالِ مَنْ يَنْقُضُ الْعَهْدَ مِنْهُمْ وَالْخَرَاجِ الَّذِي  كَانَ مَضْرُوبًا  فِي الْأَصْلِ عَلَيْهِمْ  وَإِنْ  كَانَ قَدْ  صَارَ بَعْضُهُ  عَلَى بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ . ثُمَّ إنَّهُ يَجْتَمِعُ  مِنْ الْفَيْءِ جَمِيعُ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ الَّتِي لِبَيْتِ  مَالِ الْمُسْلِمِينَ : كَالْأَمْوَالِ الَّتِي لَيْسَ  لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ مِثْلَ مَنْ مَاتَ  مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مُعَيَّنٌ ; وكالغصوب وَالْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ : الَّتِي تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِهَا ; وَغَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ .  فَهَذَا وَنَحْوُهُ مَالُ الْمُسْلِمِينَ . وَإِنَّمَا  ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى  فِي الْقُرْآنِ الْفَيْءَ  فَقَطْ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مَا  كَانَ يَمُوتُ  عَلَى عَهْدِهِ مَيِّتٌ إلَّا  وَلَهُ وَارِثٌ مُعَيَّنٌ لِظُهُورِ الْأَنْسَابِ  فِي أَصْحَابِهِ وَقَدْ مَاتَ مَرَّةً رَجُلٌ  مِنْ قَبِيلَةٍ فَدَفَعَ مِيرَاثَهُ إلَى  أَكْبَرِ رَجُلٍ  مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَيْ : أَقْرَبِهِمْ نَسَبًا إلَى جَدِّهِمْ وَقَدْ  قَالَ  بِذَلِكَ  طَائِفَةٌ  مِنْ الْعُلَمَاءِ  كَأَحْمَدَ  فِي قَوْلٍ مَنْصُوصٍ وَغَيْرِهِ وَمَاتَ رَجُلٌ لَمْ يُخَلِّفْ إلَّا عَتِيقًا لَهُ فَدَفَعَ مِيرَاثَهُ إلَى عَتِيقِهِ  وَقَالَ  بِذَلِكَ  طَائِفَةٌ  مِنْ أَصْحَابِ  أَحْمَدَ  وَغَيْرِهِمْ . وَدَفَعَ مِيرَاثَ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ  مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ  وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ يَتَوَسَّعُونَ  فِي دَفْعِ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ إلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبٌ  كَمَا ذَكَرْنَاهُ .  وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ  مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا  الصَّدَقَاتِ  وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا  فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ;  كَمَا  أَمَرَ اللَّهُ  بِهِ  فِي كِتَابِهِ .  وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَمْوَالِ الْمَقْبُوضَةِ وَالْمَقْسُومَةِ ; دِيوَانٌ جَامِعٌ  عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأَبِي بَكْرٍ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  بَلْ  كَانَ يُقْسَمُ الْمَالُ شَيْئًا فَشَيْئًا  فَلَمَّا  كَانَ  فِي زَمَنِ  عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  كَثُرَ الْمَالُ وَاتَّسَعَتْ الْبِلَادُ وَكَثُرَ النَّاسُ  فَجَعَلَ دِيوَانَ الْعَطَاءِ لِلْمُقَاتِلَةِ وَغَيْرِهِمْ ; وَدِيوَانُ الْجَيْشِ -  فِي  هَذَا الزَّمَانِ - مُشْتَمِلٌ  عَلَى أَكْثَرِهِ ;  وَذَلِكَ الدِّيوَانُ هُوَ  أَهَمُّ دَوَاوِينِ الْمُسْلِمِينَ .  وَكَانَ لِلْأَمْصَارِ دَوَاوِينُ الْخَرَاجِ وَالْفَيْءِ وَمَا يُقْبَضُ  مِنْ الْأَمْوَالِ ;  وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَخُلَفَاؤُهُ يُحَاسِبُونَ الْعُمَّالَ  عَلَى  الصَّدَقَاتِ وَالْفَيْءِ وَغَيْرِ  ذَلِكَ . فَصَارَتْ   الْأَمْوَالُ  فِي  هَذَا الزَّمَانِ وَمَا قَبْلَهُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ  : نَوْعٌ يَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ قَبْضَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ  كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَنَوْعٌ يَحْرُمُ أَخْذُهُ  بِالْإِجْمَاعِ  كَالْجِبَايَاتِ الَّتِي تُؤْخَذُ  مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ ;  لِأَجْلِ قَتِيلٍ قُتِلَ بَيْنَهُمْ  وَإِنْ  كَانَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ  عَلَى حَدٍّ ارْتَكَبَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ  بِذَلِكَ وَكَالْمُكُوسِ الَّتِي لَا يَسُوغُ وَضْعُهَا اتِّفَاقًا . وَنَوْعٌ  فِيهِ اجْتِهَادٌ وَتَنَازُعٌ  كَمَالٍ مَنْ لَهُ ذُو رَحِمٍ وَلَيْسَ بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ .  وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ الظُّلْمُ مِنْهُ الْوُلَاةُ وَالرَّعِيَّةُ : هَؤُلَاءِ يَأْخُذُونَ مَا لَا يَحِلُّ وَهَؤُلَاءِ يَمْنَعُونَ مَا يَجِبُ  كَمَا قَدْ يَتَظَالَمُ الْجُنْدُ وَالْفَلَّاحُونَ .  وَكَمَا قَدْ يَتْرُكُ بَعْضُ النَّاسِ  مِنْ الْجِهَادِ مَا يَجِبُ وَيَكْنِزُ الْوُلَاةُ  مِنْ  مَالِ اللَّهِ مَا لَا يَحِلُّ كَنْزُهُ .  وَكَذَلِكَ الْعُقُوبَاتُ  عَلَى  أَدَاءِ الْأَمْوَالِ ; فَإِنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ مِنْهَا مَا يُبَاحُ أَوْ يَجِبُ ; وَقَدْ يَفْعَلُ مَا لَا يَحِلُّ .  وَالْأَصْلُ  فِي  ذَلِكَ : إنَّ كُلَّ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ يَجِبُ  أَدَاؤُهُ ; كَرَجُلِ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ مُضَارَبَةٌ أَوْ شَرِكَةٌ أَوْ مَالٌ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ مَالُ يَتِيمٍ أَوْ مَالُ وَقْفٍ أَوْ مَالٌ لِبَيْتِ الْمَالِ ; أَوْ عِنْدَهُ دَيْنٌ وَهُوَ قَادِرٌ  عَلَى أَدَائِهِ ; فَإِنَّهُ إذَا  امْتَنَعَ  مِنْ  أَدَاءِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ :  مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ ;  وَعَرَفَ  أَنَّهُ قَادِرٌ  عَلَى أَدَائِهِ  ; فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ حَتَّى يُظْهِرَ الْمَالَ أَوْ يَدُلَّ  عَلَى مَوْضِعِهِ . فَإِذَا  عَرَفَ الْمَالَ وَصَبَرَ  عَلَى الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي الْحَقَّ  مِنْ الْمَالِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ضَرْبِهِ  وَإِنْ امْتَنَعَ  مِنْ الدَّلَالَةِ  عَلَى  مَالِهِ  وَمِنْ الْإِيفَاءِ ضُرِبَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ أَوْ يُمَكَّنُ  مِنْ أَدَائِهِ .  وَكَذَلِكَ لَوْ امْتَنَعَ  مِنْ  أَدَاءِ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ; لِمَا رَوَى  عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ  عَنْ  أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ  قَالَ :   {   لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ   }  رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ .  وَقَالَ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {   مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ   }  أَخْرَجَاهُ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  وَ " اللَّيُّ " هُوَ الْمَطْلُ : وَالظَّالِمُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ وَالتَّعْزِيرَ . وَهَذَا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ :  أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا أَوْ  تَرَكَ وَاجِبًا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ ;  فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً بِالشَّرْعِ  كَانَ تَعْزِيرًا يَجْتَهِدُ  فِيهِ  وَلِيُّ الْأَمْرِ فَيُعَاقِبُ الْغَنِيَّ الْمُمَاطِلَ بِالْحَبْسِ  فَإِنْ  أَصَرَّ عُوقِبَ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْوَاجِبَ وَقَدْ  نَصَّ  عَلَى  ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ :  مِنْ أَصْحَابِ  مَالِكٍ  وَالشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَدَ  وَغَيْرِهِمْ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ  وَلَا  أَعْلَمُ  فِيهِ خِلَافًا . وَقَدْ رَوَى  الْبُخَارِيُّ  فِي صَحِيحِهِ   {   عَنْ  ابْنِ عُمَرَ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ  النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَالَحَ   أَهْلَ   خَيْبَرَ  عَلَى الصَّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالسِّلَاحِ سَأَلَ بَعْضَ   الْيَهُودِ  - وَهُوَ  سَعْيَةَ  عَمَّ  حيي بْنِ  أَخْطَبَ  - عَنْ كَنْزِ  مَالِ  حيي بْنِ  أَخْطَبَ  .  فَقَالَ : أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ  فَقَالَ : الْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالْمَالُ أَكْثَرُ  مِنْ  ذَلِكَ فَدَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  سَعْيَةَ  إلَى  الزُّبَيْرِ  فَمَسَّهُ بِعَذَابِ  فَقَالَ : قَدْ رَأَيْت  حييا  يَطُوفُ  فِي  خَرِبَةٍ هَهُنَا فَذَهَبُوا  فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمِسْكَ  فِي  الْخَرِبَةِ   }  وَهَذَا الرَّجُلُ  كَانَ ذِمِّيًّا وَالذِّمِّيُّ لَا تَحِلُّ عُقُوبَتُهُ إلَّا بِحَقِّ ;  وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ  كَتَمَ مَا يَجِبُ إظْهَارُهُ  مِنْ دَلَالَةٍ  وَاجِبَةٍ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ يُعَاقَبُ  عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ . وَمَا  أَخَذَهُ الْعُمَّالُ وَغَيْرُهُمْ  مِنْ  مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ الْعَادِلِ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُمْ ; كَالْهَدَايَا الَّتِي يَأْخُذُونَهَا بِسَبَبِ الْعَمَلِ .  قَالَ  أَبُو سَعِيدٍ  الخدري   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ  . وَرَوَى  إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ  -  فِي كِتَابِ الْهَدَايَا - عَنْ  ابْنِ عَبَّاسٍ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ :   {   هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ   }  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ   {   عَنْ  أَبِي حميد الساعدي   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا  مِنْ   الأزد  ;  يُقَالُ لَهُ  ابْنُ اللتبية  عَلَى الصَّدَقَةِ  فَلَمَّا قَدِمَ  قَالَ :  هَذَا لَكُمْ  وَهَذَا  أُهْدِيَ إلَيَّ .  فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مَا بَالُ الرَّجُلِ نَسْتَعْمِلُهُ  عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانَا اللَّهُ ; فَيَقُولُ :  هَذَا لَكُمْ  وَهَذَا  أُهْدِيَ إلَيَّ ؟  فَهَلَّا جَلَسَ  فِي بَيْتِ  أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ . فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا ؟ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا جَاءَ  بِهِ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ  عَلَى رَقَبَتِهِ ; إنْ  كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةٌ  لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةٌ تَيْعَرُ  ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عَفْرَتَيْ إبِطَيْهِ ;  ثُمَّ  قَالَ : اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت ؟ ثَلَاثًا   }  .