تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَالْجَوَائِحُ مَوْضُوعَةٌ فِي جَمِيعِ الشَّجَرِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ . وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ : إنَّمَا الْجَوَائِحُ فِي النَّخْلِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إخْرَاجَ الزَّرْعِ وَالْخُضَرِ مِنْ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ لَفْظَ الْجَوَائِحِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ هُوَ فِي النَّخْلِ وَبَاقِي الشَّجَرِ ثَابِتَةٌ بِالْقِيَاسِ لَا بِالنَّصِّ ; فَإِنَّ شَجَرَ الْمَدِينَةِ كَانَ النَّخْلَ . وَأَمَّا الْجَوَائِحُ فِيمَا يُبْتَاعُ مِنْ الزَّرْعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ . ( أَحَدُهُمَا لَا جَائِحَةَ فِيهَا . قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا أَشْبَهُ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ إلَّا بَعْدَ تَكَامُلِ صَلَاحِهَا وَأَوَانِ جِذَاذِهَا ; بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّ بَيْعَهَا جَائِزٌ بِمُجَرَّدِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَمُدَّتُهُ تَطُولُ . وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ أَحْمَدَ : إنَّمَا الْجَوَائِحُ فِي النَّخْلِ - يَعْنِي لَمَّا كَانَ بِبَغْدَادَ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ جَوَائِحِ الزَّرْعِ فَقَالَ : إنَّمَا الْجَوَائِحُ فِي النَّخْلِ . وَكَذَلِكَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا جَائِحَةَ فِي الثَّمَرَةِ إذَا يَبِسَتْ وَالزَّرْعُ لَا جَائِحَةَ فِيهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاعُ يَابِسًا وَهَذَا قَوْلُ مَنْ لَا يَضَعُ الْجَوَائِحَ فِي الثَّمَرِ . كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ الْمُعَلَّقِ . ( وَالْوَجْهُ الثَّانِي فِيهَا الْجَائِحَةُ كَالثَّمَرَةِ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا كَأَبِي مُحَمَّدٍ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَبَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ } فَبَيْعُ هَذَا بَعْدَ اسْوِدَادِهِ كَبَيْعِ هَذَا بَعْدَ اشْتِدَادِهِ . وَمِنْ حِينِ يَشْتَدُّ إلَى حِينِ يُسْتَحْصَدُ مُدَّةٌ قَدْ تُصِيبُهُ فِيهَا جَائِحَةٌ . وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ : مَا تَكَرَّرَ حَمْلُهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ كَالشَّجَرِ وَثَمَرُهُ كَثَمَرِهِ فِي ذَلِكَ ; لِصِحَّةِ بَيْعِ أُصُولِهِ صِغَارًا كَانَتْ أَوْ كِبَارًا مُثْمِرَةً أَوْ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ . فَصْلٌ هَذَا إذَا تَلِفَتْ قَبْلَ كَمَالِ صَلَاحِهَا وَوَقْت جِذَاذِهَا . فَإِنْ تَرَكَهَا إلَى حِينِ الْجِذَاذِ فَتَلِفَتْ حِينَئِذٍ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا . وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي . وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ لَا خَاصٌّ وَلَا عَامٌّ فَإِنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى هَذَا الْحِينِ مِنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ . فَأَصْحَابُنَا رَاعَوْا عَدَمَ تَمَكُّنِ الْمُشْتَرِي وَعَدَمَ تَفْرِيطِهِ وَالْمُنَازِعِ رَاعَى تَسْلِيمَ الْبَائِعِ وَتَمْكِينَهُ . وَأَمَّا إنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَجَاوَزَ وَقْتَ نَقْلِهَا وَتَكَامَلَ بُلُوغُهَا ثُمَّ تَلِفَتْ : فَفِيهَا لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : ( أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَيْضًا لِعَدَمِ كَمَالِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ; لَكِنْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ عَلَّلَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ ; دُونَ مَا إذَا عَاقَهُ مَرَضٌ أَوْ مَانِعٌ . وَأَمَّا غَيْرُهُ فَذَهَبُوا إلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَهُوَ عَدَمُ اعْتِبَارِ إمْكَانِ الرَّفْعِ وَالْجِدِّ . قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا . وَهُوَ كَمَا قَالَ ; فَإِنَّ هَذِهِ الثَّمَرَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْإِجَارَةِ . وَلَوْ حَالَ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ يَخُصُّهُ مِثْلَ مَرَضِهِ وَنَحْوَهُ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْأُجْرَةُ ; بِخِلَافِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ أُجْرَةَ مَا ذَهَبَ بِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ . فَصْلٌ هَذَا إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَالزَّرْعَ فَإِنْ اشْتَرَى الْأَصْلَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ أَوْ قَبْلَ التَّأْبِيرِ وَاشْتَرَطَ الثَّمَرَ فَلَا جَائِحَةَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا . وَلِذَلِكَ احْتَرَزَ الخرقي مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ فَقَالَ : وَإِذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ دُونَ الْأَصْلِ فَتَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ مِنْ السَّمَاءِ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ هُنَا حَصَلَ الْقَبْضُ الْكَامِلُ بِقَبْضِ الْأَصْلِ ; وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ سَقْيٌ وَلَا مَئُونَةٌ أَصْلًا ; فَإِنَّ الْمَبِيع عَقَارٌ وَالْعَقَارُ قُبِضَ بِالتَّخْلِيَةِ وَالثَّمَرُ دَخَلَ ضِمْنًا وَتَبَعًا فَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ صَلَاحِهِ جَازَ هُنَا تَبَعًا . وَلَوْ بِيعَ مَقْصُودًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ صَلَاحِهِ .