تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ : عَنْ أَحَادِيثَ : هَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ ؟ وَهَلْ رَوَاهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُعْتَبَرِينَ بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ ؟ وَهِيَ قَوْلُهُ : { أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ . ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ . ثُمَّ قَالَ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْت خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْك : بِك آخُذُ وَبِك أُعْطِي ; وَبِك أُثِيبُ وَبِك أُعَاقِبُ } . وَقَوْلُهُ : { أُمِرْت أَنْ أُخَاطِبَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ } وَهَلْ هَذَا اللَّفْظُ هُوَ لَفْظٌ حَدِيثٌ ؟ أَوْ فِيهِ تَحْرِيفٌ ؟ أَوْ زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ ؟ وَقَوْلُهُ : { إنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَيَّ فِيمَا مَنْ عَلَيَّ : أَنْ أَعْطَيْتُك فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَهِيَ مِنْ كُنُوزِ عَرْشِي قَسَمْتهَا بَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَيْنِ } وَقَوْلُهُ : { النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ : الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ } .
12
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ : { أُمِرْت أَنْ أُخَاطِبَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ } فَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ فِي الرِّوَايَةِ وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِمْ وَخِطَابُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِلنَّاسِ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ كَقَوْلِهِ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } { يَا عِبَادِيَ } { يَا بَنِي إسْرَائِيلَ } وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَاطِبُ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِهِ بِكَلَامِ وَاحِدٍ يَسْمَعُهُ كُلُّ أَحَدٍ ; لَكِنْ النَّاسُ يَتَفَاضَلُونَ فِي فَهْمِ الْكَلَامِ بِحَسَبِ مَا يَخُصُّ اللَّهُ بِهِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ قُوَّةِ الْفَهْمِ وَحُسْنِ الْعَقِيدَةِ . وَلِهَذَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَعْلَمَهُمْ بِمُرَادِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : إنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ قَالَ : فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ : نَفْدِيك بِأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا فَجَعَلَ النَّاسُ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ : عَجَبًا لِهَذَا الشَّيْخِ ; بَكَى أَنْ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ : فَكَانَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ } فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ عَبْدًا مُطْلَقًا لَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ عَرَفَ عَيْنَهُ . وَمَا يَرْوِيه بَعْضُ النَّاسِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَتَحَدَّثَانِ وَكُنْت كَالزِّنْجِيِّ بَيْنَهُمَا } فَهَذَا كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى أَنَّهُ أَجَابَ أَبَا بَكْرٍ بِجَوَابِ وَأَجَابَ عَائِشَةَ بِجَوَابِ فَهَذَا كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ .