تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْرَحَ مَا ذَكَرَهُ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ حَمْدَان : مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مُخَالَفَتُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا تَقْلِيدٍ أَوْ عُذْرٍ آخَرَ ؟ .
1
فَأَجَابَ : هَذَا يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا ثُمَّ فَعَلَ خِلَافَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ لِعَالِمِ آخَرَ أَفْتَاهُ ; وَلَا اسْتِدْلَالَ بِدَلِيلِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ يُبِيحُ لَهُ مَا فَعَلَهُ ; فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ وَعَامِلًا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ فَهَذَا مُنْكَرٌ . وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَعْتَقِدَ الشَّيْءَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا ثُمَّ يَعْتَقِدَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ وَلَا حَرَامٍ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا لِشُفْعَةِ الْجِوَارِ فَيَعْتَقِدَهَا أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ ثُمَّ إذَا طَلَبْت مِنْهُ شُفْعَةَ الْجِوَارِ اعْتَقَدَهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً أَوْ مِثْلَ مَنْ يَعْتَقِدُ إذَا كَانَ أَخًا مَعَ جَدٍّ أَنَّ الْإِخْوَةَ تُقَاسِمُ الْجَدَّ فَإِذَا صَارَ جَدًّا مَعَ أَخ اعْتَقَدَ أَنَّ الْجَدَّ لَا يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ أَوْ إذَا كَانَ لَهُ عَدُوٌّ يَفْعَلُ بَعْضَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَشُرْبِ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَلِعْبِ الشِّطْرَنْجِ وَحُضُورِ السَّمَاعِ أَنَّ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَدِيقُهُ اعْتَقَدَ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي لَا تُنْكَرُ فَمِثْلُ هَذَا مُمْكِنٌ فِي اعْتِقَادِهِ حِلُّ الشَّيْءِ وَحُرْمَتُهُ وَوُجُوبُهُ وَسُقُوطُهُ بِحَسَبِ هَوَاهُ هُوَ مَذْمُومٌ بِخُرُوجِهِ خَارِجٌ عَنْ الْعَدَالَةِ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ . وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ مَا يُوجِبُ رُجْحَانَ قَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ إمَّا بِالْأَدِلَّةِ الْمُفَصَّلَةِ إنْ كَانَ يَعْرِفُهَا وَيَفْهَمُهَا وَإِمَّا بِأَنْ يَرَى أَحَدَ رَجُلَيْنِ أَعْلَمَ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْآخَرِ وَهُوَ أَتْقَى لِلَّهِ فِيمَا يَقُولُهُ فَيَرْجِعُ عَنْ قَوْلٍ إلَى قَوْلٍ لِمِثْلِ هَذَا فَهَذَا يَجُوزُ بَلْ يَجِبُ وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَد عَلَى ذَلِكَ . وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَمْدَان : الْمُرَادُ بِهِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ; وَلِهَذَا قَالَ : مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا أُنْكِرُ عَلَيْهِ مُخَالَفَتَهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ تَقْلِيدٍ أَوْ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا خَالَفَهُ لِدَلِيلِ فَتَبَيَّنَ لَهُ بِالْقَوْلِ الرَّاجِحِ أَوْ تَقْلِيدٍ يَسُوغُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي خِلَافِهِ ; أَوْ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ أَبَاحَ الْمَحْظُورَ الَّذِي يُبَاحُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْعُذْرِ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ . وَهُنَا مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ أَرَادَهَا وَلَمْ يُرِدْهَا لَكِنَّا نَتَكَلَّمُ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَتِهَا وَهُوَ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد وَكَذَلِكَ غَيْرُ هَذَا مَا يَذْكُرُهُ ابْنُ حَمْدَان أَوْ غَيْرُهُ ; يَكُونُ مِمَّا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَنْهُ وَكَذَلِكَ مَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ كَثِيرٌ مِنْهُ يَكُونُ مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِمْ وَلَيْسَ مَنْصُوصًا عَنْهُمْ ; بَلْ قَدْ يَكُونُ الْمَنْصُوصُ عَنْهُمْ خِلَافَ ذَلِكَ . وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعَامِّيَّ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا يَأْخُذَ بِعَزَائِمِهِ وَرُخَصِهِ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ أَحْمَد وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَا يُوجِبُونَ ذَلِكَ وَاَلَّذِينَ يُوجِبُونَهُ يَقُولُونَ : إذَا الْتَزَمَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ مَا دَامَ مُلْتَزِمًا لَهُ أَوْ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِالِالْتِزَامِ مِنْهُ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْتِزَامَ الْمَذَاهِبِ وَالْخُرُوجَ عَنْهَا إنْ كَانَ لِغَيْرِ أَمْرٍ دِينِيٍّ مِثْلَ : أَنْ يَلْتَزِمَ مَذْهَبًا لِحُصُولِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ : فَهَذَا مِمَّا لَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ بَلْ يُذَمُّ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ; وَلَوْ كَانَ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا انْتَقَلَ عَنْهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يُسْلِمُ إلَّا لِغَرَضِ دُنْيَوِيٍّ أَوْ يُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ لِامْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا أَوْ دُنْيَا يُصِيبُهَا وَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ هَاجَرَ لِامْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ : مُهَاجِرُ أُمِّ قَيْسٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ; وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ } . وَأَمَّا إنْ كَانَ انْتِقَالُهُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ لِأَمْرِ دِينِيٍّ مِثْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ رُجْحَانَ قَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ فَيَرْجِعَ إلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ : فَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ ; بَلْ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ أَلَّا يَعْدِلَ عَنْهُ وَلَا يَتَّبِعَ أَحَدًا فِي مُخَالَفَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ طَاعَةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } . وَقَدْ صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَد كِتَابًا فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَطَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَحْلِيلُ مَا حَلَّلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَإِيجَابُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ : وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ : الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ : سِرًّا وَعَلَانِيَةً لَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ مَا لَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ رَجَعَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا قَالَهُ الرَّسُولُ وَأَعْلَمُ بِمُرَادِهِ فَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ وَسَائِلُ وَطُرُقٌ وَأَدِلَّةٌ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الرَّسُولِ يُبَلِّغُونَهُمْ مَا قَالَهُ وَيُفَهِّمُونَهُمْ مُرَادَهُ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِمْ وَاسْتِطَاعَتِهِمْ وَقَدْ يَخُصُّ اللَّهُ هَذَا الْعَالِمَ مِنْ الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ وَقَدْ يَكُونُ عِنْدَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَذَا . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } فَهَذَانِ نَبِيَّانِ كَرِيمَانِ حَكَمَا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ; فَخَصَّ اللَّهُ أَحَدَهُمَا بِالْفَهْمِ ; وَأَثْنَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا . وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَاجْتِهَادُ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَحْكَامِ كَاجْتِهَادِ الْمُسْتَدِلِّينَ عَلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ ; فَإِذَا صَلَّى أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِطَائِفَةِ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْقِبْلَةَ هُنَاكَ : فَإِنَّ صَلَاةَ الْأَرْبَعَةِ صَحِيحَةٌ وَاَلَّذِي صَلَّى إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُصِيبُ الَّذِي لَهُ أَجْرَانِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } . وَأَكْثَرُ النَّاسِ إنَّمَا الْتَزَمُوا الْمَذَاهِبَ بَلْ الْأَدْيَانَ بِحُكْمِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَأُ عَلَى دِينِ أَبِيهِ أَوْ سَيِّدِهِ أَوْ أَهْلِ بَلَدِهِ كَمَا يَتْبَعُ . الطِّفْلُ فِي الدِّينِ أَبَوَيْهِ وَسَابِيهِ وَأَهْلَ بَلَدِهِ ثُمَّ إذَا بَلَغَ الرَّجُلُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ حَيْثُ كَانَتْ وَلَا يَكُونُ مِمَّنْ إذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا : بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا فَكُلُّ مَنْ عَدَلَ عَنْ اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَطَاعَةِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ إلَى عَادَتِهِ وَعَادَةِ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَعِيدِ . وَكَذَلِكَ مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْحَقُّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ ثُمَّ عَدَلَ عَنْهُ إلَى عَادَتِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ . وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَدْ اتَّبَعَ فِيهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ قَوْلَ غَيْرِهِ أَرْجَحُ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ مَحْمُودٌ يُثَابُ لَا يُذَمُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُعَاقَبُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِدْلَالِ وَمَعْرِفَةِ مَا هُوَ الرَّاجِحُ ; وَتَوَقَّى بَعْضَ الْمَسَائِلِ فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إلَى التَّقْلِيدِ فَهُوَ قَدْ اخْتَلَفَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد الْمَنْصُوصِ عَنْهُ . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ أَنَّ هَذَا آثِمٌ أَيْضًا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ مُطْلَقًا وَقِيلَ : يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ . وَحَكَى بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ أَحْمَد كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو إسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ وَهُوَ غَلَطٌ عَلَى أَحْمَد ; فَإِنَّ أَحْمَد إنَّمَا يَقُولُ : هَذَا فِي أَصْحَابِهِ فَقَطْ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مِثْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَسُفْيَانَ ; وَمِثْلُ إسْحَاقَ بْنِ راهويه وَأَبِي عُبَيْدٍ فَقَدْ نَصَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَالِمِ الْقَادِرِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يُقَلِّدَهُمْ وَقَالَ : لَا تُقَلِّدُونِي وَلَا تُقَلِّدُوا مَالِكًا وَلَا الشَّافِعِيَّ وَلَا الثَّوْرِيَّ . وَكَانَ يُحِبُّ الشَّافِعِيَّ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُحِبُّ إسْحَاقَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُثْنِي عَلَى مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ وَيَأْمُرُ الْعَامِّيَّ أَنْ يَسْتَفْتِيَ إسْحَاقَ وَأَبَا عُبَيْدٍ وَأَبَا ثَوْرٍ وَأَبَا مُصْعَبٍ . وَيَنْهَى الْعُلَمَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ كَأَبِي داود وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ وَإِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ ; وَأَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ وَأَبِي زُرْعَةَ ; وَأَبِي حَاتِمٍ السجستاني وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ : أَنْ يُقَلِّدُوا أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ . وَيَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِالْأَصْلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .