مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
وَإِذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ عَلَى جَوَازِ أَحَدِ الطَّهُورَيْنِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ الْآخَرُ كِلَاهُمَا مُتَطَهِّرٌ فَعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ; وَلِهَذَا جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ وَالْمُغْتَسِلِ بِالْمُتَيَمِّمِ كَمَا فَعَلَ عَمْرُو بْنُ العاص وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَا فَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ حَيْثُ وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ ثُمَّ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِالتَّيَمُّمِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَمَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِ . لَكِنْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ ; لِنَقْصِ حَالِ الْمُتَيَمِّمِ . وَأَيْضًا كَانَ دُخُولُ الْوَقْتِ وَخُرُوجُهُ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ سَبَبٍ حَادِثٍ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي بُطْلَانِ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ إذْ كَانَ حَالُ الْمُتَطَهِّرِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً . وَالشَّارِعُ حَكِيمٌ إنَّمَا يُثْبِتُ الْأَحْكَامَ وَيُبْطِلُهَا بِأَسْبَابِ تُنَاسِبُهَا فَكَمَا لَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ بِالْأَمْكِنَةِ لَا يُبْطِلُ بِالْأَزْمِنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الشَّرْعِ . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا يَنْتَقِضُ بِطَهَارَةِ الْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَذَوِي الْأَحْدَاثِ الدَّائِمَةِ . قِيلَ : أَمَّا طَهَارَةُ الْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَلَيْسَتْ وَاجِبَةً بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَسْحِ وَبَيْنَ الْخَلْعِ وَالْغَسْلِ ; وَلِهَذَا وَقَّتَهَا الشَّارِعُ وَلَمْ يُوَقِّتْهَا لِدُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ وَلَا خُرُوجِهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ رُخْصَةً لَيْسَتْ بِعَزِيمَةِ حَدَّ لَهَا وَقْتًا مَحْدُودًا فِي الزَّمَنِ ثَلَاثًا لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ ; وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَلِهَذَا لَمَّا كَانَتْ طَهَارَةُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ عَزِيمَةً لَمْ تَتَوَّقَتْ بَلْ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَحِلَّهَا وَيَمْسَحُ فِي الطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى كَمَا يَتَيَمَّمُ عَنْ الْحَدَثَيْنِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ فَإِلْحَاقُ التَّيَمُّمِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ . وَأَمَّا ذَوُو الْأَحْدَاثِ الدَّائِمَةِ : كَالْمُسْتَحَاضَةِ فَأُولَئِكَ وُجِدَ فِي حَقِّهِمْ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْحَدَثِ وَهُوَ خُرُوجُ الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَلَكِنْ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ رَخَّصَ لَهُمْ الشَّارِعُ فِي الصَّلَاةِ مَعَهُ فَجَازَ أَنْ تَكُونَ الرُّخْصَةُ مُؤَقَّتَةً ; وَلِهَذَا لَوْ تَطَهَّرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ تَنْتَقِضْ طَهَارَتُهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا تَنْتَقِضُ إذَا خَرَجَ الْخَارِجُ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهَا تُصَلِّي بِهِ إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ ثُمَّ لَا تُصَلِّي لِوُجُودِ النَّاقِضِ لِلطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ مَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ . وَالتَّيَمُّمُ كَالْوُضُوءِ فَلَا يُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ إلَّا مَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ مَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا وَقَوْلِ مَنْ وَافَقَنَا عَلَى التَّوْقِيتِ فِي مَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَعَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَإِنَّ هَذَا مَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ : أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَنْقُضْ الطَّهَارَةَ بِهَذَا أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ هَذَا كَمَالِكِ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْمُعَارَضَةُ بِهَذَا وَهَذَا ; فَإِنَّهُ لَا يتوقت عِنْدَهُ لَا هَذَا وَلَا هَذَا فَالتَّيَمُّمُ أَوْلَى أَنْ لَا يتوقت . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ الْقَائِمَ إلَى الصَّلَاةِ مَأْمُورٌ بِإِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ . قِيلَ : نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ لَكِنْ إذَا كَانَ قَدْ تَطَهَّرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَأَتَى بِالْوَاجِبِ قَبْلَ هَذَا كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ هَذَا فَإِنَّ كَوْنَهُ عَلَى طَهَارَةٍ قَبْلَ الْوَقْتِ إلَى حِينِ الْوَقْتِ أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يَبْقَى مُحْدِثًا وَكَذَلِكَ الْمُتَيَمِّمُ إذَا كَانَ قَدْ أَحْسَنَ بِتَقْدِيمِ طَهَارَتِهِ لِكَوْنِهِ عَلَى طَهَارَةٍ قَبْلَ الْوَقْتِ أَحْسَنُ مِنْ كَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ حَتَّى ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَيَمَّمَ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ : كَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ } . وَإِذَا كَانَ تَطَهَّرَ قَبْلَ الْوَقْتِ كَانَ قَدْ أَحْسَنَ وَأَتَى بِأَفْضَلَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ وَكَانَ كَالْمُتَطَهِّرِ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَكَمَنْ أَدَّى أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَكَمَنْ زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ فِي الصَّلَاةِ . وَالتَّيَمُّمُ مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ حَسَنٌ لَيْسَ بِمُحَرَّمِ وَلِهَذَا يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ لِلنَّافِلَةِ وَلَمْسُ الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَثَرِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَبَعْضُهُ ضَعِيفٌ وَبَعْضُهُ مُعَارِضٌ بِقَوْلِ غَيْرِهِ وَلَا إجْمَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } .