تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
فَصْلٌ وَأَمَّا إذَا خَافَ فَوَاتَ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ أَوْ الْجُمُعَةِ فَفِي التَّيَمُّمِ نِزَاعٌ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا بِالتَّيَمُّمِ وَلَا يُفَوِّتُهَا وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ إلَّا بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا بِالتَّيَمُّمِ . وَمَذْهَبُ أَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْجِنَازَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعِيدَهَا بِوُضُوءِ فَلَيْسَتْ الْعِلَّةُ عَلَى مَذْهَبِهِ تَعَذُّرُ الْإِعَادَةِ ; بِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا عَلَّلَ ذَلِكَ بِتَعَذُّرِ الْإِعَادَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْجِنَازَةِ وَبَيْنَ الْعِيدِ وَالْجُمْعَةِ . وَأَحْمَد لَا يُعَلِّلُ بِذَلِكَ فَكَيْفَ وَالْجُمْعَةُ لَا تُعَادُ وَإِنَّمَا تُصَلَّى ظُهْرًا . وَلَيْسَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ كَالْجُمْعَةِ . وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ صَلَاةُ الْجُمُعَة الْوَاجِبَةِ إلَّا بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا بِالتَّيَمُّمِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ حَيْثُ يُشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا لَيْسَ بِمُفَوِّتِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ وَلَا لِلْجَمْعِ نِيَّةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِك وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ إحْدَى الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد ; بَلْ عَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ : اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ . وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يَجُوزُ لِعُذْرِ فَالْمُسَافِرُ إذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ . وَالْمُسَافِرُونَ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ النُّعَاسُ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ انْتِظَارُ الْعِشَاءِ جَمَعُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَنَامُ فَصَلَاتُهُ بِهِمْ إمَامًا جَامِعًا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاته وَحْدَهُ غَيْرَ جَامِعٍ . وَالْحَرَّاثُ إذَا خَافَ إنْ طَلَبَ الْمَاءَ يُسْرَقُ مَالُهُ أَوْ يَتَعَطَّلُ عَمَلُهُ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ . وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِوُضُوءِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَعْذَارِ الَّذِينَ يُبَاحُ لَهُمْ التَّيَمُّمُ : إذَا أَمْكَنَهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِطَهَارَةِ الْمَاءِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بِطِهَارَةِ التَّيَمُّمِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِمَنْ لَهُ عُذْرٌ كَالْمَطَرِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ الْبَارِدَةِ ; وَلِمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ : فَصَلَاتُهُمْ بِطِهَارَةِ كَامِلَةٍ جَمْعًا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِمْ بِطَهَارَةِ نَاقِصَةٍ مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا . وَالْمَرِيضُ أَيْضًا لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَعَ الْجَمْعِ صَلَاته أَكْمَلُ . إمَّا لِكَمَالِ طَهَارَتِهِ وَإِمَّا لِإِمْكَانِ الْقِيَامِ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاتَانِ سَوَاءً . لَكِنْ إذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا زَادَ مَرَضُهُ فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا . وَقَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ : يَجُوزُ الْجَمْعُ إذَا كَانَ لِشُغْلٍ . قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى : الشُّغْلُ الَّذِي يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَةِ . وَقَالَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ قدامة المقدسي : مُبَيِّنًا عَنْ هَؤُلَاءِ ; وَهُوَ الْمَرِيضُ وَمَنْ لَهُ قَرِيبٌ يَخَافُ مَوْتَهُ وَمَنْ يُدَافِعُ أَحَدًا مِنْ الْأَخْبَثَيْنِ وَمَنْ يَحْضُرُهُ طَعَامٌ وَبِهِ حَاجَةٌ إلَيْهِ وَمَنْ يَخَافُ مِنْ سُلْطَانٍ يَأْخُذُهُ أَوْ غَرِيمٍ يُلَازِمُهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ يُعْطِيهِ وَالْمُسَافِرُ إذَا خَافَ فَوَاتَ الْقَافِلَةِ وَمَنْ يَخَافُ ضَرَرًا فِي مَالِهِ وَمَنْ يَرْجُو وُجُودَهُ وَمَنْ يَخَافُ مِنْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ حَتَّى يَفُوتَهُ الْوَقْتُ وَمَنْ يَخَافُ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ . وَكَذَلِكَ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ إذَا كَانَ فِيهَا وَحْلٌ . فَهَؤُلَاءِ يُعْذَرُوا وَإِنْ تَرَكُوا الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَةَ كَذَا حَكَاهُ ابْنُ قدامة فِي " مُخْتَصَرِ الْهِدَايَةِ " . فَإِنَّهُ يُبِيحُ لَهُمْ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى . وَالصُّنَّاعُ وَالْفَلَّاحُونَ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِمْ : مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ بَعِيدًا فِي فِعْلِ صَلَاةٍ وَإِذَا ذَهَبُوا إلَيْهِ وَتَطَهَّرُوا تَعَطَّلَ بَعْضُ الْعَمَلِ الَّذِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي الْوَقْتِ الْمُشْتَرَكِ فَيَجْمَعُوا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤَخِّرُوا الظُّهْرَ إلَى قَرِيبِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُوهَا وَيُصَلُّوهَا مَعَ الْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَمْعًا فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ . وَيَجُوزُ مَعَ بُعْدِ الْمَاءِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ . وَالْجَمْعُ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ أَفْضَلُ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ .