مسألة تالية
				
				
				
				متن:
				 فَصْلٌ   فَآيَاتُهُ سُبْحَانَهُ تُوجِبُ شَيْئَيْنِ : أَحَدُهُمَا : فَهْمُهَا وَتَدَبُّرُهَا لِيَعْلَمَ مَا تَضَمَّنَتْهُ .  وَالثَّانِي : عِبَادَتُهُ وَالْخُضُوعُ لَهُ   إذَا سُمِعَتْ فَتِلَاوَتُهُ إيَّاهَا وَسَمَاعُهَا يُوجِبُ  هَذَا  وَهَذَا فَلَوْ سَمِعَهَا السَّامِعُ وَلَمْ يَفْهَمْهَا  كَانَ مَذْمُومًا وَلَوْ  فَهِمَهَا وَلَمْ يَعْمَلْ بِمَا  فِيهَا  كَانَ مَذْمُومًا بَلْ لَا  بُدَّ لِكُلِّ أَحَدٍ عِنْدَ سَمَاعِهَا  مِنْ فَهْمِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا .  كَمَا  أَنَّهُ لَا  بُدَّ لِكُلِّ أَحَدٍ  مِنْ اسْتِمَاعِهَا فَالْمُعْرِضُ عَنْ اسْتِمَاعِهَا كَافِرٌ وَاَلَّذِي لَا يَفْهَمُ مَا أُمِرَ  بِهِ  فِيهَا كَافِرٌ . وَاَلَّذِي يَعْلَمُ مَا أُمِرَ  بِهِ  فَلَا يُقِرُّ بِوُجُوبِهِ وَيَفْعَلُهُ كَافِرٌ . وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَذُمُّ الْكُفَّارَ بِهَذَا  وَهَذَا .  وَهَذَا كَقَوْلِهِ : {  فَمَا  لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ   }   {  كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ   }   {  فَرَّتْ  مِنْ قَسْوَرَةٍ   }  وَقَوْلِهِ :   {  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا  فِيهِ  لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ   }  وَقَوْلِهِ :   {   كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ   }   {   بَشِيرًا وَنَذِيرًا  فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ   }  وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ .  وَقَالَ فِيمَنْ لَمْ يَفْهَمْهَا وَيَتَدَبَّرْهَا : {   وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ  فِيهِمْ خَيْرًا  لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ  أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ   }  فَذَمَّهُمْ  عَلَى  أَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ وَلَوْ  فَهِمُوا لَمْ يَعْمَلُوا بِعِلْمِهِمْ .  وَقَالَ تَعَالَى : {   وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ  قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ   }   {   إنَّ  شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ   }   {   وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ  فِيهِمْ خَيْرًا  لَأَسْمَعَهُمْ   }  وَقَالَ :   {   وَالَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ  رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا   }  .  قَالَ  ابْنُ قُتَيْبَةَ  : لَمْ يَتَغَافَلُوا عَنْهَا  فَكَأَنَّهُمْ صُمٌّ لَمْ يَسْمَعُوهَا عَمَّنْ لَمْ يَرَوْهَا .  وَقَالَ غَيْرُهُ  مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ : لَمْ يَبْقَوْا  عَلَى  حَالِهِمْ  الْأُولَى  كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَرَوْا  وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا خَرُّوا حَقِيقَةً . تَقُولُ الْعَرَبُ شَتَمْت فُلَانًا فَقَامَ يَبْكِي  وَقَعَدَ يَنْدُبُ  وَأَقْبَلَ يَعْتَذِرُ  وَظَلَّ يَفْتَخِرُ  وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَامَ وَلَا  قَعَدَ .  قُلْت :  فِي ذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ لَفْظُ الْخُرُورِ  دُونَ غَيْرِهِ حِكْمَةٌ فَإِنَّهُمْ لَوْ خَرُّوا  وَكَانُوا صُمًّا وَعُمْيَانًا لَمْ يَكُنْ  ذَلِكَ مَمْدُوحًا بَلْ مَعِيبًا .  فَكَيْفَ إذَا  كَانُوا صُمًّا وَعُمْيَانًا  بِلَا خُرُورٍ .  فَلَا  بُدَّ  مِنْ شَيْئَيْنِ :  مِنْ الْخُرُورِ وَالسُّجُودِ . وَلَا  بُدَّ  مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لِمَا  فِي آيَاتِهِ  مِنْ النُّورِ وَالْهُدَى وَالْبَيَانِ .  وَكَذَلِكَ  لَمَّا شُرِعَتْ الصَّلَاةُ شُرِعَ  فِيهَا  الْقِرَاءَةُ  فِي الْقِيَامِ  ثُمَّ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ .  فَأَوَّلُ مَا  أَنْزَلَ اللَّهُ  مِنْ الْقُرْآنِ :   {   اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي  خَلَقَ   }  فَافْتَتَحَهَا بِالْأَمْرِ  بِالْقِرَاءَةِ  وَخَتَمَهَا بِالْأَمْرِ بِالسُّجُودِ  فَقَالَ : {   وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ   }  فَقَوْلُهُ تَعَالَى :   {   إنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ  رَبِّهِمْ   }  يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّ التَّذْكِيرَ بِهَا  كَقِرَاءَتِهَا  فِي الصَّلَاةِ مُوجِبٌ لِلسُّجُودِ وَالتَّسْبِيحِ وَإِنَّهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ إذَا ذُكِّرَ بِهَا يَخِرُّ سَاجِدًا وَيُسَبِّحُ بِحَمْدِ  رَبِّهِ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنِ  وَهَذَا مُتَنَاوِلٌ الْآيَاتِ الَّتِي لَيْسَ  فِيهَا سُجُودٌ وَهِيَ جُمْهُورُ آيَاتِ الْقُرْآنِ  فَفِي الْقُرْآنِ أَكْثَرُ  مِنْ سِتَّةِ آلَافِ آيَةٍ  وَأَمَّا آيَاتُ السَّجْدَةِ فَبِضْعَ عَشْرَةَ آيَةً .  وَقَوْلُهُ :   {   ذُكِّرُوا بِهَا   }  يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْآيَاتِ فَالتَّذْكِيرُ بِهَا جَمِيعُهَا مُوجِبٌ لِلتَّسْبِيحِ وَالسُّجُودِ  وَهَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ  بِهِ  عَلَى وُجُوبِ التَّسْبِيحِ وَالسُّجُودِ .  وَعَلَى  هَذَا تَدُلُّ عَامَّةُ  أَدِلَّةِ الشَّرِيعَةِ  مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَدُلُّ  عَلَى وُجُوبِ جِنْسِ التَّسْبِيحِ فَمَنْ  لَمْ يُسَبِّحْ  فِي السُّجُودِ   فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَإِذَا أَتَى بِنَوْعِ  مِنْ أَنْوَاعِ التَّسْبِيحِ الْمَشْرُوعِ  أَجْزَأَهُ .  وَلِلْفُقَهَاءِ  فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ .  قِيلَ : لَا يَجِبُ ذِكْرٌ بِحَالِ وَقِيلَ : يَجِبُ وَيَتَعَيَّنُ قَوْلُهُ : " سُبْحَانَ  رَبِّي الْأَعْلَى " لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ .  وَقِيلَ : يَجِبُ جِنْسُ التَّسْبِيحِ  وَإِنْ  كَانَ  هَذَا النَّوْعُ  أَفْضَلَ  مِنْ غَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ أُمِرَ  بِهِ أَنْ يُجْعَلَ  فِي السُّجُودِ . وَقَدْ  ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي الصَّحِيحِ أَنْوَاعٌ أُخَرُ . وَقَوْلُهُ :   {   اجْعَلُوهَا  فِي سُجُودِكُمْ   }  فِيهِ كَلَامٌ لَيْسَ  هَذَا مَوْضِعَهُ إذْ قَدْ  يُقَالُ الْمُسَبِّحُ لِرَبِّهِ : بِأَيِّ اسْمٍ سَبَّحَهُ فَقَدْ سَبَّحَ اسْمَ  رَبِّهِ الْأَعْلَى .  كَمَا  أَنَّهُ بِأَيِّ اسْمٍ  دَعَاهُ فَقَدْ  دَعَا  رَبَّهُ الَّذِي لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى .  كَمَا  قَالَ : {   قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى   }  وَقَالَ :   {   وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا   }  فَإِذَا  كَانَ يُدْعَى بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَبِأَيِّ اسْمٍ  دَعَاهُ فَقَدْ  دَعَا الَّذِي لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَهُوَ يُسَبِّحُ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَبِأَيِّ اسْمٍ سَبَّحَ فَقَدْ سَبَّحَ الَّذِي لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْأَسْمَاءِ  أَفْضَلَ  مِنْ بَعْضٍ . وَبَسْطُ  هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ .  وَالْمَقْصُودُ هُنَا :  أَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّجُودِ تَابِعٌ  لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ  كَمَا  فِي هَذِهِ الْآيَةِ .  وَفِي قَوْله تَعَالَى   {  فَمَا  لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ   }   {   وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ   }  فَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ  وَأَنَّهُ مَنْ قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالسُّجُودِ  وَالْمُصَلِّي قَدْ قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ  وَذَلِكَ سَبَبٌ لِلْأَمْرِ بِالسُّجُودِ فَلِهَذَا يَسْمَعُ الْقُرْآنَ وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ يَسْمَعُ  قِرَاءَةَ نَفْسِهِ وَهُوَ يَقْرَأُ  عَلَى نَفْسِهِ الْقُرْآنَ . وَقَدْ يُقَالُ : لَا  يُصَلُّونَ ; لَكِنْ قَوْلَهُ :   {   خَرُّوا سُجَّدًا   }  صَرِيحٌ  فِي السُّجُودِ الْمَعْرُوفِ لِاقْتِرَانِهِ بِلَفْظِ الْخُرُورِ .  وَأَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ  فَفِيهَا نِزَاعٌ  قَالَ أَبُو الْفَرَجِ : {   وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ   }  فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا  يُصَلُّونَ  قَالَهُ  عَطَاءُ بْنُ  السَّائِبِ  . وَالثَّانِي : لَا يَخْضَعُونَ لَهُ وَلَا  يَسْتَكِينُونَ لَهُ  قَالَهُ  ابْنُ جَرِيرٍ  وَاخْتَارَهُ  الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى  .  قَالَ : وَاحْتَجَّ بِهَا قَوْمٌ  عَلَى   وُجُوبِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ  وَلَيْسَ  فِيهَا دَلَالَةٌ  عَلَى  ذَلِكَ . وَإِنَّمَا الْمَعْنَى لَا يَخْشَعُونَ  أَلَا  تَرَى  أَنَّهُ  أَضَافَ السُّجُودَ إلَى جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودُ يَخْتَصُّ بِمَوَاضِعَ مِنْهُ .  قُلْت : الْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَذْكُرُهُ كَثِيرٌ  مِنْ الْمُفَسِّرِينَ لَا يَذْكُرُونَ غَيْرَهُ :  كَالثَّعْلَبِيِّ  والبغوي  وَحَكَوْهُ عَنْ  مُقَاتِلٍ  وَالْكَلْبِيِّ  وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ . وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي :  فَمَا عَلِمْت  أَحَدًا  نَقَلَهُ عَنْ أَحَدٍ  مِنْ السَّلَفِ وَاَلَّذِينَ  قَالُوهُ إنَّمَا  قَالُوهُ  لَمَّا رَأَوْا  أَنَّهُ لَا يَجِبُ  عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا  مِنْ الْقُرْآنِ أَنْ يَسْجُدَ فَأَرَادُوا أَنْ يُفَسِّرُوا الْآيَةَ بِمَعْنَى يَجِبُ  فِي كُلِّ  حَالٍ .  فَقَالُوا : يَخْضَعُونَ  وَيَسْتَكِينُونَ .  فَإِنَّ  هَذَا يُؤْمَرُ بِهِ كُلُّ مَنْ قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ . وَلَفْظُ السُّجُودِ يُرَادُ  بِهِ مُطْلَقُ الْخُضُوعِ  وَالِاسْتِكَانَةِ .  كَمَا قَدْ بُسِطَ  هَذَا  فِي مَوَاضِعَ لَكِنْ  يُقَالُ  لَهُمْ : الْخُضُوعُ مَأْمُورٌ  بِهِ وَخُضُوعُ  الْإِنْسَانِ وَخُشُوعُهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالسُّجُودِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ فَرْضٌ  فِي الْجُمْلَةِ  عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ الْمُرَادُ  مِنْ السُّجُودِ الْمُضَافِ إلَى بَنِي  آدَمَ  : حَيْثُ ذُكِرَ  فِي الْقُرْآنِ ; إذْ هُوَ خُضُوعُ الْآدَمِيِّ لِلرَّبِّ وَالرَّبُّ لَا يَرْضَى  مِنْ النَّاسِ بِدُونِ  هَذَا الْخُضُوعِ إذْ هُوَ غَايَةُ خُضُوعِ الْعَبْدِ وَلِكُلِّ مَخْلُوقٍ خُضُوعٌ بِحَسْبِهِ هُوَ سُجُودُهُ .  وَإِمَّا أَنْ  يَكُونَ سُجُودُ  الْإِنْسَانِ لَا يُرَادُ  بِهِ إلَّا خُضُوعٌ لَيْسَ  فِيهِ سُجُودُ الْوَجْهِ :  فَهَذَا لَا يُعْرَفُ بَلْ  يُقَالُ : هُمْ مَأْمُورُونَ : إذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ بِالسُّجُودِ  وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السُّجُودُ التَّامُّ  عَقِبَ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَا  بُدَّ أَنْ  يَكُونَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ فَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ فَقَدْ  أَتَوْا بِالسُّجُودِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ  لَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِمْ  حَصَلَ  لَهُمْ نَوْعٌ  مِنْ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ بِاعْتِقَادِ الْوُجُوبِ وَالْعَزْمِ  عَلَى الِامْتِثَالِ . فَإِذَا اعْتَقَدُوا وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَعَزَمُوا  عَلَى الِامْتِثَالِ  فَهَذَا مَبْدَأُ السُّجُودِ الْمَأْمُورِ  بِهِ  ثُمَّ إذَا  صَلَّوْا  فَهَذَا تَمَامُهُ .  كَمَا  قَالَ  فِي الْمُشْرِكِينَ : {  فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ  وَآتَوُا الزَّكَاةَ  فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ   }  فَهُمْ إذَا تَابُوا وَالْتَزَمُوا الصَّلَاةَ  كُفَّ عَنْ قِتَالِهِمْ .  فَهَذَا مَبْدَأُ  إقَامَتِهَا  ثُمَّ إذَا فَعَلُوهَا فَقَدْ  أَتَمُّوا  إقَامَتَهَا .  وَأَمَّا إذَا الْتَزَمُوهَا بِالْكَلَامِ وَلَمْ يَفْعَلُوا فَإِنَّهُمْ يُقَاتَلُونَ . وَمِمَّا يَدُلُّ  عَلَى  ذَلِكَ مَا  ثَبَتَ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  سَجَدَ بِهَا  فِي الصَّلَاةِ .  فَفِي   الصَّحِيحَيْنِ   {   عَنْ  أَبِي رَافِعٍ  قَالَ  صَلَّيْت مَعَ  أَبِي هُرَيْرَةَ  الْعَتَمَةَ . فَقَرَأَ   {   إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ   }  فَسَجَدَ فَقُلْت : مَا هَذِهِ ؟  قَالَ : سَجَدْت بِهَا خَلْفَ  أَبِي الْقَاسِمِ  وَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى  أَلْقَاهُ   }  وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ  اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ  عَلَى صِحَّتِهِ  .  وَأَمَّا سُجُودُهُ  فِيهَا فَرَوَاهُ  مُسْلِمٌ  دُونَ  الْبُخَارِيِّ  . وَالسُّجُودُ  فِيهَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ  كَأَبِي حَنِيفَةَ  وَالشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ  وَغَيْرِهِمْ . وَهُوَ قَوْلُ  ابْنِ وَهْبٍ  وَغَيْرِهِ  مِنْ أَصْحَابِ  مَالِكٍ  فَكَيْفَ  يُقَالُ : إنَّ لَفْظَ السُّجُودِ  فِيهَا لَمْ يُرِدْ  بِهِ إلَّا مُطْلَقَ الْخُضُوعِ  وَالِاسْتِكَانَةِ  وَأَمَّا السُّجُودُ الْمَعْرُوفُ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَلَوْ  كَانَ  هَذَا صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ السُّجُودُ الْخَاصُّ مَشْرُوعًا إذَا تُلِيَتْ لَا سِيَّمَا  فِي الصَّلَاةِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ جَوَابُ مَنْ  أَجَابَ مَنْ احْتَجَّ بِهَا  عَلَى وُجُوبِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ : بِأَنَّ الْمُرَادَ الْخُضُوعُ . فَإِنْ  قِيلَ : فَإِذَا فُسِّرَ السُّجُودُ بِالصَّلَاةِ  كَمَا  قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ لَمْ  يَجِبْ سُجُودُ التِّلَاوَةِ .  قِيلَ الصَّلَاةُ مُرَادَةٌ  مِنْ جِنْسِ  قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ .  كَمَا تَقَدَّمَ . وَهَذِهِ الْآيَةُ تُوجِبُ  عَلَى مَنْ قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنْ يَسْجُدَ فَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ قَرِيبًا إذَا  حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مَا  مِنْ سَاعَةٍ يُقْرَأُ عَلَيْهِ  فِيهَا الْقُرْآنُ إلَّا هُوَ وَقْتُ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ  يُصَلِّيَهَا ; إذْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ أَقَلُّ  مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَإِذَا لَمْ  يُصَلِّ فَهُوَ مِمَّنْ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُ  فَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ  فِي الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَةً يَخِرُّ  فِيهَا  مِنْ قِيَامٍ وَسَجْدَةٍ يَخِرُّ  فِيهَا  مِنْ قُعُودٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ رُكُوعٍ  كَمَا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  .  وَأَمَّا السُّجُودُ عِنْدَ تِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَةِ : فَهُوَ السُّجُودُ الْخَاصُّ وَهُوَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ  وَهَذَا سُجُودٌ مُبَادَرٌ إلَيْهِ عِنْدَ سَمَاعِ هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّهَا  أَمَرَتْهُ أَنْ يَسْجُدَ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ  فَمِنْ تَمَامِ  الْمُبَادَرَةِ أَنْ يَسْجُدَ عِنْدَ سَمَاعِهَا سُجُودَ التِّلَاوَةِ .  ثُمَّ يَسْجُدَ عِنْدَ تِلَاوَةِ غَيْرِهَا  كَمَا تَقَدَّمَ  فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَأْمُرُ بِالسُّجُودِ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا فَهِيَ الْآمِرَةُ بِالسُّجُودِ عِنْدَ  قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ  دُونَ  سَائِرِ الْآيَاتِ الَّتِي لَا يَسْجُدُ عِنْدَهَا  فَكَانَ  لَهَا حَضٌّ  مِنْ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ مَعَ عُمُومِ كَوْنِهَا  مِنْ الْقُرْآنِ فَتُخَصُّ بِالسُّجُودِ  لَهَا وَيَسْجُدُ  فِي الصَّلَاةِ إذَا قُرِئَتْ  كَمَا يَسْجُدُ إذَا قُرِئَ غَيْرُهَا .  وَبِهَذَا فَسَّرَهَا النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  . فَإِنَّهُ  سَجَدَ بِهَا  فِي الصَّلَاةِ وَفَعَلَهُ إذَا  خَرَجَ امْتِثَالًا  لِأَمْرِ أَوْ تَفْسِيرًا لِمُجْمَلِ  كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ  فَدَلَّ ذَلِكَ  عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ الَّذِي  سَجَدَهُ عِنْدَ  قِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ  فِي الصَّلَاةِ . وَالصَّلَاةُ مَفْرُوضَةٌ وَإِتْمَامُهَا مَفْرُوضٌ  فَلَا تُقْطَعُ إلَّا بِعَمَلِ هُوَ أَفْضَلُ  مِنْ إتْمَامِهَا فَعُلِمَ  أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ  فِيهَا أَفْضَلُ  مِنْ إتْمَامِهَا  بِلَا سُجُودٍ وَلَوْ  زَادَ  فِي الصَّلَاةِ فِعْلًا  مِنْ جِنْسِهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ . وَهُنَا سُجُودُ التِّلَاوَةِ مَشْرُوعٌ  فِيهَا .  وَعَنْ  أَحْمَد  فِي وُجُوبِ  هَذَا السُّجُودِ  فِي الصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ : وَالْأَظْهَرُ الْوُجُوبُ  كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِوُجُوهِ مُتَعَدِّدَةٍ : مِنْهَا  أَنَّ نَفْسَ الْأَئِمَّةِ يُؤْمَرُونَ أَنْ  يُصَلُّوا  كَمَا  صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَهُوَ هَكَذَا  صَلَّى . وَاَللَّهُ  أَعْلَمُ . وَقَوْلُهُ : {   لَا يَسْجُدُونَ   }  وَلَمْ يَقُلْ لَا  يُصَلُّونَ يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّ السُّجُودَ مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ  وَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ السُّجُودَ  فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ فَيَتَنَاوَلُ أَيْضًا الْخُضُوعَ وَالْخُشُوعَ  كَمَا مُثِّلَ . فَالْقُرْآنُ مُوجِبٌ لِمُسَمَّى السُّجُودِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ  فَمَا  مِنْ سُجُودٍ إلَّا وَالْقُرْآنُ مُوجِبٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا فَهُوَ كَافِرٌ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ كُلُّ سُجُودٍ  فِي كُلِّ وَقْتٍ بَلْ هُوَ بِحَسَبِ مَا بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَلَكِنْ الْآيَةُ  دَلَّتْ  عَلَى تَكْرَارِ السُّجُودِ عِنْدَ تَكْرَارِ  قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ وَهَذَا وَاجِبٌ إذَا قُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ  فِي الصَّلَاةِ  وَخَارِجِ الصَّلَاةِ  كَمَا تَقَدَّمَ . وَاَللَّهُ  أَعْلَمُ . وَأَمَّا الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ بِالسُّجُودِ :  فَلَا رَيْبَ  أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ  الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَإِنَّهَا فَرْضٌ بِالِاتِّفَاقِ  وَيَتَنَاوَلُ سُجُودَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ السُّجُودَ  فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ .  فَلَا  بُدَّ أَنْ  يَكُونَ مَا تُلِيَ سَبَبًا لَهُ  وَإِلَّا  كَانَ أَجْنَبِيًّا . وَالْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ  فَدَلَّ  عَلَى  أَنَّ  هَذَا السُّجُودَ  مِنْ السُّجُودِ الْمَأْمُورِ  بِهِ  وَإِلَّا  فَكَيْفَ يَخْرُجُ السُّجُودُ الْمَقْرُونُ بِالْأَمْرِ عَنْ الْأَمْرِ  وَهَذَا كَسُجُودِ الْمَلَائِكَةِ  لِآدَمَ  لَمَّا أُمِرُوا . وَهَكَذَا جَاءَ  فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ   {   إذَا قَرَأَ ابْنُ  آدَمَ  السَّجْدَةَ اعْتَزَلَ  الشَّيْطَانُ يَبْكِي . يَقُولُ : يَا وَيْلَهُ . أُمِرَ ابْنُ  آدَمَ  بِالسُّجُودِ  فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْت بِالسُّجُودِ فَأَبَيْت  فَلِي النَّارُ   }  . رَوَاهُ  مُسْلِمٌ  . وَالنَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ذَكَرَ  هَذَا تَرْغِيبًا  فِي  هَذَا السُّجُودِ  فَدَلَّ  عَلَى  أَنَّ  هَذَا السُّجُودَ مَأْمُورٌ  بِهِ  كَمَا  كَانَ السُّجُودُ  لِآدَمَ  ;  لِأَنَّ كِلَيْهِمَا أَمْرٌ  وَقَدْ سُنَّ السُّجُودُ عَقِبَهُ فَمَنْ  سَجَدَ  كَانَ مُتَشَبِّهًا بِالْمَلَائِكَةِ وَمَنْ  أَبَى تَشَبَّهَ بإبليس ; بَلْ  هَذَا سُجُودٌ لِلَّهِ فَهُوَ أَعْظَمُ  مِنْ السُّجُودِ  لِآدَمَ  .  وَهَذَا الْحَدِيثُ  كَافٍ  فِي الدَّلَالَةِ  عَلَى الْوُجُوبِ  وَكَذَلِكَ الْآيَاتُ الَّتِي  فِيهَا الْأَمْرُ الْمُقَيَّدُ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ أَيْضًا . وَأَيْضًا  فَإِنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَمَّا قَرَأَ   {   وَالنَّجْمِ   }  سَجَدَ  وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ .  كَمَا  ثَبَتَ  ذَلِكَ  فِي الصَّحِيحِ عَنْ  ابْنِ عَبَّاسٍ  .  وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ  ابْنِ مَسْعُودٍ   {  أَنَّهُمْ سَجَدُوا إلَّا رَجُلًا  مِنْ الْمُشْرِكِينَ  أَخَذَ كَفًّا  مِنْ  حَصَى  وَقَالَ يَكْفِينِي  هَذَا .  قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْته بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا   }  وَهَذَا يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّهُمْ  كَانُوا مَأْمُورِينَ بِهَذَا السُّجُودِ  وَأَنَّ تَارِكَهُ  كَانَ مَذْمُومًا وَلَيْسَ هُوَ سُجُودَ الصَّلَاةِ ; بَلْ  كَانَ خُضُوعًا لِلَّهِ  وَفِيهِمْ كُفَّارٌ  وَفِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَضِّئًا لَكِنْ سُجُودُ الْخُضُوعِ إذَا تُلِيَ كَلَامُهُ . كَمَا أَثْنَى  عَلَى مَنْ إذَا سَمِعَهُ  سَجَدَ  فَقَالَ : {   إذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا   }  وَقَالَ :   {   إنَّ الَّذِينَ  أُوتُوا الْعِلْمَ  مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا   }   {   وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ  رَبِّنَا إنْ  كَانَ وَعْدُ  رَبِّنَا لَمَفْعُولًا   }   {   وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا   }  وَهَذَا  وَإِنْ  قِيلَ : إنَّهُ مُتَنَاوِلٌ سُجُودَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ رَكَعُوا وَسَجَدُوا  فَلَا رَيْبَ  أَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ سُجُودَ الْقُرْآنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى  ;  لِأَنَّ هُنَاكَ السُّجُودَ بَعْضُ الصَّلَاةِ وَهُنَا  ذَكَرَ سُجُودًا مُجَرَّدًا  عَلَى الْأَذْقَانِ  فَمَا بَقِيَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ  عَلَى الرُّكُوعِ ; لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَا يَكُونُ  عَلَى الْأَذْقَانِ  . وَقَوْلُهُ :   {   لِلْأَذْقَانِ   }  أَيْ  عَلَى الْأَذْقَانِ .  كَمَا  قَالَ :   {  وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ   }  أَيْ  عَلَى الْجَبِينِ . وَقَوْلُهُ :   {   لِلْأَذْقَانِ   }  يَدُلُّ  عَلَى تَمَامِ السُّجُودِ  وَأَنَّهُمْ سَجَدُوا  عَلَى الْأَنْفِ مَعَ الْجَبْهَةِ حَتَّى الْتَصَقَتْ الْأَذْقَانُ بِالْأَرْضِ لَيْسُوا كَمَنْ  سَجَدَ  عَلَى الْجَبْهَةِ  فَقَطْ وَالسَّاجِدُ  عَلَى الْأَنْفِ قَدْ لَا يُلْصِقُ الذَّقَنَ بِالْأَرْضِ إلَّا إذَا  زَادَ انْخِفَاضُهُ . وَأَمَّا احْتِجَاجُ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ بِكَوْنِ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْجُدْ  لَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ  زَيْدٌ  النَّجْمَ   وَيَقُولُ  عُمَرُ  : "  لَمَّا قَرَأَ  عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى جَاءَ السَّجْدَةَ  فَنَزَلَ  فَسَجَدَ  وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إذَا  كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَهَا حَتَّى جَاءَ السَّجْدَةُ .  قَالَ : يَا  أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ  سَجَدَ فَقَدْ  أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ  فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ  وَفِي لَفْظٍ  فَلَمَّا  كَانَ  فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ  تَشَرَّفُوا  فَقَالَ : إنَّا نَمُرُّ بِالسَّجْدَةِ وَلَمْ تُكْتَبْ  عَلَيْنَا وَلَكِنْ قَدْ تَشَوَّفْتُمْ  ثُمَّ  نَزَلَ  فَسَجَدَ "  .  فَيُقَالُ : تِلْكَ قَضِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ  وَلَعَلَّهُ  لَمَّا لَمْ يَسْجُدُ  زَيْدٌ  لَمْ يَسْجُدْ هُوَ  كَمَا  قَالَ  ابْنُ مَسْعُودٍ  :  أَنْتَ إمَامُنَا  فَإِنْ سَجَدْت سَجَدْنَا  .  وَقَالَ  عُثْمَانُ  : إنَّمَا السَّجْدَةُ  عَلَى مَنْ جَلَسَ إلَيْهَا وَاسْتَمَعَ  .  وَهَذَا يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّهَا تَجِبُ  عَلَى الْمُسْتَمِعِ وَلَا تَجِبُ  عَلَى السَّامِعِ  وَكَذَلِكَ حَدِيثُ  ابْنِ مَسْعُودٍ  يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّهَا لَا تَجِبُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ الْقَارِئُ .  وَقَدْ  يُقَالُ :  كَانَ لِلنَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُذْرٌ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ :  أَنَّ السُّجُودَ  فِيهَا مَشْرُوعٌ .  فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : يُمْكِنُ  أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ  عَلَى طَهَارَةٍ لَكِنْ قَدْ يُرَجَّحُ جَوَازُ السُّجُودِ  عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ .  وَقَدْ  قِيلَ : إنَّ السُّجُودَ  فِي النَّجْمِ وَحْدَهَا مَنْسُوخٌ ; بِخِلَافِ اقْرَأْ وَالِانْشِقَاقِ فَقَدْ  ثَبَتَ  فِي الصَّحِيحِ {   عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  سَجَدَ  فِيهِمَا  وَسَجَدَ مَعَهُ  أَبُو هُرَيْرَةَ   }  وَهُوَ  أَسْلَمَ بَعْدَ   خَيْبَرَ  .  وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ لَمْ يَسْجُدْ  فِي الْمُفَصَّلِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ  وَأَمَّا سُوَرُ النَّجْمِ : . بَلْ حَدِيثُ  زَيْدٍ  صَرِيحٌ  فِي  أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ  فِيهَا  قَالَ هَؤُلَاءِ فَيَكُونُ النَّسْخُ  فِيهَا خَاصَّةً لَا  فِي غَيْرِهَا  لَمَّا  كَانَ  الشَّيْطَانُ قَدْ  أَلْقَاهُ حِينَ  ظَنَّ مَنْ  ظَنَّ  أَنَّهُ وَافَقَهُمْ تَرْكَ السُّجُودِ  فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ سَدًّا لِهَذِهِ الذَّرِيعَةِ  . وَهِيَ  فِي الصَّلَاةِ  تَأْتِي  فِي آخِرِ الْقِيَامِ وَسَجْدَةُ الصَّلَاةِ تُغْنِي عَنْهَا  فَهَذَا الْقَوْلُ  أَقْرَبُ  مِنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ  أَعْلَمُ . وَأَمَّا حَدِيثُ  عُمَرَ  : فَلَوْ  كَانَ صَرِيحًا  لَكَانَ قَوْلُهُ وَإِقْرَارُ مَنْ  حَضَرَ وَلَيْسُوا كُلَّ الْمُسْلِمِينَ . وَقَوْلُ  عُثْمَانَ  وَغَيْرِهِ يَدُلُّ  عَلَى الْوُجُوبِ .  ثُمَّ  يُقَالُ : قَدْ يَكُونُ مُرَادُ  عُمَرَ  أَنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ  عَلَيْنَا السُّجُودُ  فِي هَذِهِ الْحَالِ وَهُوَ إذَا قَرَأَهَا الْإِمَامُ  عَلَى الْمِنْبَرِ . يُبَيِّنُ  ذَلِكَ  أَنَّ السُّجُودَ  فِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ كَالسُّجُودِ الْمُطْلَقِ ; لِأَنَّهُ يَقْطَعُ  فِيهِ الْإِمَامُ الْخُطْبَةَ وَيَعْمَلُ عَمَلًا كَثِيرًا . وَالسُّنَّةُ  فِي الْخُطْبَةِ  الْمُوَالَاةُ  فَلَمَّا تَعَارَضَ  هَذَا  وَهَذَا  صَارَ السُّجُودُ غَيْرَ وَاجِبٍ ;  لِأَنَّ الْقَارِئَ يَشْتَغِلُ بِعِبَادَةِ  أَفْضَلَ مِنْهُ وَهُوَ خُطْبَةُ النَّاسِ  وَإِنْ  سَجَدَ  جَازَ  . وَلِهَذَا يَقُولُ  مَالِكٌ  وَغَيْرُهُ : إنَّ  هَذَا السُّجُودَ لَا يُسْتَحَبُّ  قَالَ : وَلَيْسَ الْعَمَلُ عِنْدَنَا  عَلَى أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ  عَلَى الْمِنْبَرِ  كَمَا  أَنَّهُ لَمْ يُسْتَحَبُّ السُّجُودُ  فِي الصَّلَاةِ لَا السِّرِّ وَلَا الْجَهْرِ .  وَأَحْمَد  فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ  وَأَبُو حَنِيفَةَ  وَغَيْرُهُمَا يَقُولُونَ : لَا يُسْتَحَبُّ  فِي صَلَاةِ السِّرِّ مَعَ  أَنَّ  أَبَا حَنِيفَةَ  يُوجِبُ السُّجُودَ  وَأَحْمَد  فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يُوجِبُهُ  فِي الصَّلَاةِ  ثُمَّ لَمْ يَسْتَحِبُّوهُ  فِي هَذِهِ الْحَالِ ; بَلْ اتِّصَالُ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ  فَكَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مُرَادَ  عُمَرَ  أَنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ  فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ  كَمَا يَقُولُ مَنْ يَقُولُ لَا يُسْتَحَبُّ أَيْضًا  فِي هَذِهِ الْحَالِ . وَهَذَا  كَمَا  أَنَّ الدُّعَاءَ   بِعَرَفَةَ  لَمَّا  كَانَتْ سُنَّتُهُ الِاتِّصَالَ لَمْ يَقْطَعْ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ بَلْ  صُلِّيَتْ قَبْلَهُ  فَكَذَلِكَ الْخَاطِبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَقْصُودُهُ خِطَابُهُمْ وَأَمْرُهُمْ وَنَهْيُهُمْ  ثُمَّ الصَّلَاةُ  عَقِبَ  ذَلِكَ  فَلَا يَجِبُ أَنْ يَشْتَغِلُوا عَنْ  هَذَا الْمَقْصُودِ مَعَ  أَنَّ عَقِبَهُ يَحْصُلُ السُّجُودُ . وَهَذَا يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ يَسْقُطُ لِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ .  أَلَا تَرَى  أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ قَرَأَ لِنَفْسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ؟ قَدْ  يُقَالُ : إنَّهُ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ  دُونَ النَّاسِ  كَمَا لَا يَشْرَعُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَسْجُدَ لِسَهْوِهِ ; لِأَنَّ  مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ  أَوْلَى  مِنْ السُّجُودِ  وَهُوَ مَعَ الْبُعْدِ  وَإِنْ  قُلْنَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فَهُوَ  كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ إمَامِهِ  . وَلَوْ قَرَأَ بِالسَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ بِهَا  دُونَ الْإِمَامِ . وَمَا  أَعْلَمُ  فِي  هَذَا نِزَاعًا . فَهُنَا مُحَافَظَتُهُ  عَلَى  مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ  فِي الْفِعْلِ الظَّاهِرِ أَفْضَلُ  مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ  وَمِنْ سُجُودِ السَّهْوِ بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ  ذَلِكَ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ إنَّمَا  سَجَدَ النَّاسُ  لَمَّا  سَجَدَ  عُمَرُ  وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْجُدُوا حِينَئِذٍ . فَإِذَا  كَانَ حَدِيثُ  عُمَرَ  قَدْ يُرَادُ  بِهِ  أَنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ  عَلَيْنَا  فِي هَذِهِ الْحَالِ لَمْ يَبْقَ  فِيهِ حُجَّةٌ وَلَوْ  كَانَ مَرْفُوعًا .  وَأَيْضًا فَسُجُودُ الْقُرْآنِ هُوَ  مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ إذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ  فِي الْجَامِعِ  سَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ لِلَّهِ  رَبِّ الْعَالَمِينَ  وَفِي تَرْكِ  ذَلِكَ إخْلَالٌ  بِذَلِكَ ; وَلِهَذَا رَجَّحْنَا  أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ  وَاجِبَةٌ  عَلَى الْأَعْيَانِ كَقَوْلِ  أَبِي حَنِيفَةَ  وَغَيْرِهِ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ  الشَّافِعِيِّ  وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ  فِي مَذْهَبِ  أَحْمَد  . وَقَوْلُ مَنْ  قَالَ لَا تَجِبُ  فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّهَا  مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَالنَّاسُ يَجْتَمِعُونَ  لَهَا  أَعْظَمَ  مِنْ الْجُمُعَةِ وَقَدْ شُرِعَ  فِيهَا التَّكْبِيرُ . وَقَوْلُ مَنْ  قَالَ هِيَ فَرْضٌ  عَلَى الْكِفَايَةِ لَا يَنْضَبِطُ فَإِنَّهُ لَوْ  حَضَرَهَا  فِي الْمِصْرِ الْعَظِيمِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ  كَمَا  فِي الْجُمُعَةِ  .  وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُهَا أَيْضًا فَإِنَّهَا  مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ النُّسُكُ الْعَامُّ  فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالنُّسُكُ مَقْرُونٌ بِالصَّلَاةِ  فِي قَوْلِهِ : {   إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ  رَبِّ الْعَالَمِينَ   }  وَقَدْ  قَالَ تَعَالَى :   {  فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ   }  فَأَمَرَ بِالنَّحْرِ  كَمَا  أَمَرَ بِالصَّلَاةِ . وَقَدْ  قَالَ تَعَالَى : {   وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ  عَلَى مَا رَزَقَهُمْ  مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ   }  وَقَالَ :   {  وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ  مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ  فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا  وَجَبَتْ جُنُوبُهَا  فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ  وَالْمُعْتَرَّ  كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ  لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ   }   {   لَنْ  يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ  يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ  كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ  عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ   }  وَهِيَ  مِنْ مِلَّةِ   إبْرَاهِيمَ  الَّذِي أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ وَبِهَا يُذْكَرُ قِصَّةُ الذَّبِيحِ  فَكَيْفَ يَجُوزُ  أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ يَتْرُكُونَ  هَذَا لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ  وَتَرْكُ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ  هَذَا أَعْظَمُ  مِنْ تَرْكِ الْحَجِّ  فِي بَعْضِ السِّنِينَ .  وَقَدْ  قَالُوا إنَّ   الْحَجَّ كُلَّ  عَامٍ  فَرْضٌ  عَلَى الْكِفَايَةِ ;  لِأَنَّهُ  مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَالضَّحَايَا  فِي عِيدِ النَّحْرِ  كَذَلِكَ  بَلْ هَذِهِ تُفْعَلُ  فِي كُلِّ بَلَدٍ  هِيَ وَالصَّلَاةُ فَيَظْهَرُ بِهَا عِبَادَةُ اللَّهِ وَذِكْرُهُ وَالذَّبْحُ لَهُ وَالنُّسُكُ لَهُ مَا لَا يَظْهَرُ بِالْحَجِّ  كَمَا يَظْهَرُ ذِكْرُ اللَّهِ بِالتَّكْبِيرِ  فِي الْأَعْيَادِ . وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرِ بِهَا . وَقَدْ  خَرَجَ وُجُوبُهَا قَوْلًا  فِي مَذْهَبِ  أَحْمَد  وَهُوَ قَوْلُ  أَبِي حَنِيفَةَ  وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ  فِي مَذْهَبِ  مَالِكٍ  أَوْ  ظَاهِرِ مَذْهَبِ  مَالِكٍ  . ونفاة الْوُجُوبِ لَيْسَ مَعَهُمْ نَصٌّ  فَإِنَّ عُمْدَتَهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   مَنْ  أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ  وَدَخَلَ الْعَشْرُ  فَلَا يَأْخُذُ  مِنْ شَعْرِهِ وَلَا  مِنْ أَظْفَارِهِ   }  .  قَالُوا : وَالْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ بِالْإِرَادَةِ .  وَهَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ  فَإِنَّ الْوَاجِبَ لَا يُوكِلُ إلَى إرَادَةِ الْعَبْدِ .  فَيُقَالُ : إنْ شِئْت فَافْعَلْهُ ; بَلْ قَدْ يُعَلَّقُ الْوَاجِبُ بِالشَّرْطِ لِبَيَانِ حُكْمٍ  مِنْ الْأَحْكَامِ . كَقَوْلِهِ : {   إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا   }  وَقَدْ قَدَّرُوا  فِيهِ : إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ وَقَدَّرُوا : إذَا أَرَدْت  الْقِرَاءَةَ فَاسْتَعِذْ وَالطَّهَارَةُ  وَاجِبَةٌ  وَالْقِرَاءَةُ  فِي الصَّلَاةِ  وَاجِبَةٌ وَقَدْ  قَالَ : {   إنْ هُوَ إلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ   }   {   لِمَنْ  شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ   }  وَمَشِيئَةُ الِاسْتِقَامَةِ  وَاجِبَةٌ . وَأَيْضًا فَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ وَإِنَّمَا تَجِبُ  عَلَى الْقَادِرِ فَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ .  كَمَا  قَالَ : {   مَنْ  أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ تَضِلُّ الضَّالَّةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ   }  وَالْحَجُّ فَرْضٌ  عَلَى الْمُسْتَطِيعِ . فَقَوْلُهُ :   {   مَنْ  أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ   }  كَقَوْلِهِ :   {   مَنْ  أَرَادَ الْحَجَّ  فَلْيَتَعَجَّلْ   }  وَوُجُوبُهَا حِينَئِذٍ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ . كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ .  وَيَجُوزُ أَنْ   يُضَحِّيَ بِالشَّاةِ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ - صَاحِبُ الْمَنْزِلِ -  وَنِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ  وَمِنْ مَعَهُمْ  .  كَمَا  كَانَ   الصَّحَابَةُ  يَفْعَلُونَ . وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ   الصَّحَابَةِ  مِنْ  أَنَّهُ لَمْ يُضَحِّ بَلْ اشْتَرَى لَحْمًا . فَقَدْ تَكُونُ مَسْأَلَةَ نِزَاعٍ .  كَمَا  تَنَازَعُوا  فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَقَدْ يَكُونُ مَنْ لَمْ يُضَحِّ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِعَةٌ  فِي  ذَلِكَ الْعَامِ وَأَرَادَ  بِذَلِكَ تَوْبِيخَ أَهْلِ  الْمُبَاهَاةِ الَّذِينَ يَفْعَلُونَهَا لِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ أَنْ  يَكُونَ قَصَدَ بِتَرْكِهَا  ذَلِكَ الْعَامِ تَوْبِيخَهُمْ فَقَدْ  تَرَكَ الْوَاجِبَ لِمَصْلَحَةِ رَاجِحَةٍ .  كَمَا  قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ  ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالِ مَعَهُمْ حُزَمُ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ لَوْلَا مَا  فِي الْبُيُوتِ  مِنْ  النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ   }  فَكَانَ يَدَعُ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ الْوَاجِبَةَ  لِأَجْلِ عُقُوبَةِ الْمُتَخَلِّفِينَ  فَإِنَّ  هَذَا  مِنْ بَابِ الْجِهَادِ الَّذِي قَدْ يَضِيقُ وَقْتُهُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ  عَلَى الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ .  وَلَوْ  أَنَّ  وَلِيَّ الْأَمْرِ كَالْمُحْتَسِبِ وَغَيْرِهِ تَخَلَّفَ بَعْضَ الْأَيَّامِ عَنْ الْجُمُعَةِ لِيَنْظُرَ مَنْ لَا  يُصَلِّيهَا فَيُعَاقِبَهُ  جَازَ  ذَلِكَ .  وَكَانَ  هَذَا  مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ  فَإِنَّ عُقُوبَةَ أُولَئِكَ وَاجِبٌ مُتَعَيَّنٌ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَدْ بَيَّنَ  أَنَّهُ لَوْلَا  النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ  لَحَرَّقَ الْبُيُوتَ  عَلَى مَنْ  فِيهَا لَكِنْ  فِيهَا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ جُمُعَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ  مِنْ  النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ  فَلَا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ .  كَمَا لَا تُرْجَمُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا  ; لِأَنَّ قَتْلَ الْجَنِينِ لَا يَجُوزُ .  كَمَا  فِي حَدِيثِ الغامدية .