وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ أَعْطَاهُ أَخٌ لَهُ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا أَيَقْبَلُهُ ؟ أَمْ يَرُدُّهُ ؟ وَقَدْ وَرَدَ { مَنْ جَاءَهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ سُؤَالٍ فَرَدَّهُ فَكَأَنَّمَا رَدَّهُ عَلَى اللَّهِ } هَلْ هُوَ صَحِيحٌ ؟ أَمْ لَا ؟
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ فِي الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ . فِي الصَّحِيحِ حَدِيثُ { حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ : لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ثُمَّ قَالَ : يَا حَكِيمُ : إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى . قَالَ حَكِيمٌ : فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَك شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا . فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ إنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ . فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي رِوَايَةٍ إنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَى حَكِيمٍ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ فِي هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } . قَوْلُهُ : " لَمْ يَرْزَأْ " : أَيْ لَمْ يُنْقِصْ لَا لَمْ يَسْأَلْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ . فَفِيهِ أَنَّ حَكِيمًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ . وَهَذَا حُجَّةٌ فِي جَوَازِ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إشْرَافٍ . وَقَوْلُهُ : { الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى } تَنْبِيهٌ لَهُ عَلَى أَنَّ يَدَ الْآخِذِ سُفْلَى . وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَد عَنْ حُجَّةٍ لِذَلِكَ مِنْ الْآيَةِ فَلَمْ يَعْرِفْهَا . وَهَذِهِ حُجَّةٌ جَيِّدَةٌ . وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ زِيَادَاتٌ مِثْلُ قَوْلِهِ : { إنَّ خَيْرًا لَك أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا } لَكِنْ يُنْظَرُ إسْنَادُهُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَفْضِيلِ عَدَمِ الْأَخْذِ مُطْلَقًا .