تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ الْكُحْلِ وَالِاغْتِسَالِ وَالْحِنَّاءِ . وَالْمُصَافَحَةِ وَطَبْخِ الْحُبُوبِ وَإِظْهَارِ السُّرُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَى الشَّارِعِ : فَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ؟ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا لَمْ يَرِدْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ فِعْلُ ذَلِكَ بِدْعَةً أَمْ لَا ؟ وَمَا تَفْعَلُهُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مِنْ الْمَأْتَمِ وَالْحُزْنِ وَالْعَطَشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ وَقِرَاءَةِ الْمَصْرُوعِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ . هَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ ؟ أَمْ لَا ؟ .
1
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ وَلَا اسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ . لَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ . وَلَا رَوَى أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ . فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا لَا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ وَلَا فِي السُّنَنِ وَلَا الْمَسَانِيدِ وَلَا يُعْرَفُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى عَهْدِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ . وَلَكِنْ رَوَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ مِثْلَ مَا رَوَوْا أَنَّ مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَمْرَضْ ذَلِكَ الْعَامَ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ . وَرَوَوْا فَضَائِلَ فِي صَلَاةِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَرَوَوْا أَنَّ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ تَوْبَةَ آدَمَ وَاسْتِوَاءَ السَّفِينَةِ عَلَى الْجُودِيِّ وَرَدَّ يُوسُفُ عَلَى يَعْقُوبَ وَإِنْجَاءَ إبْرَاهِيمَ مِنْ النَّارِ وَفِدَاءَ الذَّبِيح بِالْكَبْشِ وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ } . وَرِوَايَةُ هَذَا كُلِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذِبٌ وَلَكِنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عيينة عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ . قَالَ : { بَلَغَنَا أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ } وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ كَانَ فِيهِمْ طَائِفَتَانِ . طَائِفَةٌ رَافِضَةٌ يُظْهِرُونَ مُوَالَاةَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ إمَّا مَلَاحِدَةٌ زَنَادِقَةٌ وَإِمَّا جُهَّالٌ وَأَصْحَابُ هَوًى . وَطَائِفَةٌ نَاصِبَةٌ تُبْغِضُ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ لَمَّا جَرَى مِنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ مَا جَرَى . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { سَيَكُونُ فِي ثَقِيفَ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ } فَكَانَ الْكَذَّابُ هُوَ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيَّ وَكَانَ يُظْهِرُ مُوَالَاةَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالِانْتِصَارَ لَهُمْ وَقَتَلَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ أَمِيرَ الْعِرَاقِ الَّذِي جَهَّزَ السَّرِيَّةَ الَّتِي قَتَلَتْ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثُمَّ إنَّهُ أَظْهَرَ الْكَذِبَ وَادَّعَى النُّبُوَّةَ . وَأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ حَتَّى قَالُوا لِابْنِ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ . قَالُوا لِأَحَدِهِمَا : إنَّ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُنَزَّلُ عَلَيْهِ فَقَالَ صَدَقَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ } { تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } وَقَالُوا لِلْآخَرِ : إنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ فَقَالَ صَدَقَ : { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } . وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَهُوَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ وَكَانَ : مُنْحَرِفًا عَنْ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ النَّوَاصِبِ وَالْأَوَّلُ مِنْ الرَّوَافِضِ وَهَذَا الرافضي كَانَ : أَعْظَمَ كَذِبًا وَافْتِرَاءً وَإِلْحَادًا فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَذَاكَ كَانَ أَعْظَمَ عُقُوبَةً لِمَنْ خَرَجَ عَلَى سُلْطَانِهِ وَانْتِقَامًا لِمَنْ اتَّهَمَهُ بِمَعْصِيَةِ أَمِيرِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَانَ فِي الْكُوفَةِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِتَنٌ وَقِتَالٌ فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ قَتَلَتْهُ الطَّائِفَةُ الظَّالِمَةُ الْبَاغِيَةُ وَأَكْرَمَ اللَّهُ الْحُسَيْنَ بِالشَّهَادَةِ كَمَا أَكْرَمَ بِهَا مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ . أَكْرَمَ بِهَا حَمْزَةَ وَجَعْفَرًا وَأَبَاهُ عَلِيًّا وَغَيْرَهُمْ وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ مِمَّا رَفَعَ اللَّهُ بِهَا مَنْزِلَتَهُ وَأَعْلَى دَرَجَتَهُ فَإِنَّهُ هُوَ وَأَخُوهُ الْحَسَنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالْمَنَازِلُ الْعَالِيَةُ لَا تُنَالُ إلَّا بِالْبَلَاءِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً فَقَالَ : { الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ . يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ وَلَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ . فَكَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ قَدْ سَبَقَ لَهُمَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَا سَبَقَ مِنْ الْمَنْزِلَةِ الْعَالِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ حَصَلَ لَهُمَا مِنْ الْبَلَاءِ مَا حَصَلَ لِسَلَفِهِمَا الطَّيِّبِ فَإِنَّهُمَا وُلِدَا فِي عِزِّ الْإِسْلَامِ وَتَرَبَّيَا فِي عِزٍّ وَكَرَامَةٍ وَالْمُسْلِمُونَ يُعَظِّمُونَهُمَا وَيُكْرِمُونَهُمَا وَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْتَكْمِلَا سِنَّ التَّمْيِيزِ فَكَانَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا أَنْ ابْتَلَاهُمَا بِمَا يُلْحِقُهُمَا بِأَهْلِ بَيْتِهِمَا كَمَا ابْتَلَى مَنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمَا فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ مِنْهُمَا وَقَدْ قُتِلَ شَهِيدًا وَكَانَ مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ مِمَّا ثَارَتْ بِهِ الْفِتَنُ بَيْنَ النَّاسِ كَمَا كَانَ مَقْتَلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَوْجَبَتْ الْفِتَنَ بَيْنَ النَّاسِ وَبِسَبَبِهِ تَفَرَّقَتْ الْأُمَّةُ إلَى الْيَوْمِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { ثَلَاثٌ مَنْ نَجَا مِنْهُنَّ فَقَدْ نَجَا : مَوْتِي وَقَتْلُ خَلِيفَةٍ مُضْطَهِدٍ وَالدَّجَّالُ } . فَكَانَ مَوْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي افْتَتَنَ بِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ فَأَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى ثَبَّتَ اللَّهُ بِهِ الْإِيمَانَ وَأَعَادَ بِهِ الْأَمْرَ إلَى مَا كَانَ فَأَدْخَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ فِي الْبَابِ الَّذِي مِنْهُ خَرَجُوا وَأَقَرَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ عَلَى الدِّينِ الَّذِي وَلَجُوا فِيهِ وَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْجِهَادِ وَالشِّدَّةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَاللِّينِ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ وَبِغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ فَقَهَرَ الْكُفَّارَ مِنْ الْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَأَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ وَفَرَضَ الْعَطَاءَ وَوَضَعَ الدِّيوَانَ وَنَشَرَ الْعَدْلَ وَأَقَامَ السُّنَّةَ وَظَهَرَ الْإِسْلَامُ فِي أَيَّامِهِ ظُهُورًا بَانَ بِهِ تَصْدِيقُ قَوْله تَعَالَى { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا } وقَوْله تَعَالَى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ . وَاَلَّذِي . نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا . فِي سَبِيلِ اللَّهِ } فَكَانَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ الَّذِي أَنْفَقَ كُنُوزَهُمَا . فَعُلِمَ أَنَّهُ أَنْفَقَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً رَاشِدًا مَهْدِيًّا ثُمَّ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى فِي سِتَّةٍ فَاتَّفَقَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ مِنْ غَيْرِ رَغْبَةٍ بَذَلَهَا لَهُمْ وَلَا رَهْبَةٍ أَخَافَهُمْ بِهَا وَبَايَعُوهُ بِأَجْمَعِهِمْ طَائِعِينَ غَيْرَ كَارِهِينَ وَجَرَى فِي آخِرِ أَيَّامِهِ أَسْبَابٌ ظَهَرَ بِالشَّرِّ فِيهَا ( عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ ( أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْعُدْوَانِ وَمَا زَالُوا يَسْعَوْنَ فِي الْفِتَنِ حَتَّى قُتِلَ الْخَلِيفَةُ مَظْلُومًا شَهِيدًا بِغَيْرِ سَبَبٍ يُبِيحُ قَتْلَهُ وَهُوَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ لَمْ يُقَاتِلْ مُسْلِمًا . فَلَمَّا قُتِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَفَرَّقَتْ الْقُلُوبُ وَعَظُمَتْ الْكُرُوبُ وَظَهَرَتْ الْأَشْرَارُ وَذَلَّ الْأَخْيَارُ وَسَعَى فِي الْفِتْنَةِ مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا وَعَجَزَ عَنْ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مَنْ كَانَ يُحِبُّ إقَامَتَهُ فَبَايَعُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَحَقّ النَّاسِ بِالْخِلَافَةِ حِينَئِذٍ وَأَفْضَلُ مَنْ بَقِيَ لَكِنْ كَانَتْ الْقُلُوبُ مُتَفَرِّقَةً وَنَارُ الْفِتْنَةِ مُتَوَقِّدَةً فَلَمْ تَتَّفِقْ الْكَلِمَةُ وَلَمْ تَنْتَظِمْ الْجَمَاعَةُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخَلِيفَةُ وَخِيَارُ الْأُمَّةِ مِنْ كُلِّ مَا يُرِيدُونَهُ مِنْ الْخَيْرِ وَدَخَلَ فِي الْفُرْقَةِ وَالْفِتْنَةِ أَقْوَامٌ وَكَانَ مَا كَانَ إلَى أَنْ ظَهَرَتْ الحرورية الْمَارِقَةُ مَعَ كَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتِهِمْ فَقَاتَلُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا وَمَنْ مَعَهُ ; فَقَتَلَهُمْ بِأَمْرِ اللَّه وَرَسُولِهِ طَاعَةً لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ : { يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . وَقَوْلِهِ : { تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . فَكَانَتْ هَذِهِ الحرورية هِيَ الْمَارِقَةَ وَكَانَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فُرْقَةٌ وَالْقِتَالُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُمْ مَعَ الِاقْتِتَالِ وَبَغْيِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ وَأَمَرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ . فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ قُوتِلَتْ الْبَاغِيَةُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالِاقْتِتَالِ ابْتِدَاءً . وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَارِقَةَ يَقْتُلُهَا أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إلَى الْحَقِّ فَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ مَعَهُ هُمْ الَّذِينَ قَاتَلُوهُمْ . فَدَلَّ كَلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُمْ أَدْنَى إلَى الْحَقِّ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ مَعَ إيمَانِ الطَّائِفَتَيْنِ . ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُلْجَمٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَارِقِينَ قَتَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا فَصَارَ إلَى كَرَامَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ شَهِيدًا وَبَايَعَ الصَّحَابَةُ لِلْحَسَنِ ابْنِهِ فَظَهَرَتْ فَضِيلَتُهُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ حَيْثُ قَالَ : { إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ } فَنَزَلَ عَنْ الْوِلَايَةِ وَأَصْلَحَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَكَانَ هَذَا مِمَّا مَدَحَهُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمَا مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيَحْمَدُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . ثُمَّ إنَّهُ مَاتَ وَصَارَ إلَى كَرَامَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَقَامَتْ طَوَائِفُ كَاتَبُوا الْحُسَيْنَ وَوَعَدُوهُ بِالنَّصْرِ وَالْمُعَاوَنَةِ إذَا قَامَ بِالْأَمْرِ وَلَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ بَلْ لَمَّا أَرْسَلَ إلَيْهِمْ ابْنَ عَمِّهِ أَخْلَفُوا وَعْدَهُ . وَنَقَضُوا عَهْدَهُ وَأَعَانُوا عَلَيْهِ مَنْ وَعَدُوهُ أَنْ يَدْفَعُوهُ عَنْهُ وَيُقَاتِلُوهُ مَعَهُ . وَكَانَ أَهْلُ الرَّأْيِ وَالْمَحَبَّةِ لِلْحُسَيْنِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا أَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَذْهَبَ إلَيْهِمْ وَلَا يَقْبَلَ مِنْهُمْ وَرَأَوْا أَنَّ خُرُوجَهُ إلَيْهِمْ لَيْسَ بِمَصْلَحَةِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَسُرُّ وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا . فَلَمَّا خَرَجَ الْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَأَى أَنَّ الْأُمُورَ قَدْ تَغَيَّرَتْ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَدَعُوهُ يَرْجِعُ أَوْ يَلْحَقُ بِبَعْضِ الثُّغُورِ أَوْ يَلْحَقُ بِابْنِ عَمِّهِ يَزِيدَ فَمَنَعُوهُ هَذَا وَهَذَا . حَتَّى يُسْتَأْسَرَ وَقَاتِلُوهُ فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ . وَطَائِفَةٌ مِمَّنْ مَعَهُ مَظْلُومًا شَهِيدًا شَهَادَةً أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهَا وَأَلْحَقَهُ بِأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ . وَأَهَانَ بِهَا مَنْ ظَلَمَهُ وَاعْتَدَى عَلَيْهِ وَأَوْجَبَ ذَلِكَ شَرًّا بَيْنَ النَّاسِ . فَصَارَتْ طَائِفَة جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ : إمَّا مُلْحِدَةً مُنَافِقَةً وَإِمَّا ضَالَّةً غَاوِيَةً تُظْهِرُ مُوَالَاتَهُ وَمُوَالَاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ لَطْمِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ . وَاَلَّذِي أَمَرَ اللَّه بِهِ وَرَسُولُهُ فِي الْمُصِيبَةِ - إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً - إنَّمَا هُوَ الصَّبْرُ وَالِاحْتِسَابُ وَالِاسْتِرْجَاعُ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } { الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ } { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ } وَقَالَ : { أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ } وَقَالَ : { النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطْرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ } . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهَا الْحُسَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةِ فَيَذْكُرُ مُصِيبَتَهُ وَإِنْ قَدُمَتْ فَيُحْدِثُ لَهَا اسْتِرْجَاعًا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِهِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا } . وَهَذَا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ مُصِيبَةَ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ طُولِ الْعَهْدِ فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ فِيهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِيُعْطَى مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِ الْمُصَابِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا . وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ عِنْدَ حَدَثَانِ الْعَهْدِ بِالْمُصِيبَةِ فَكَيْفَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لِأَهْلِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ وَالصِّدْقُ فِيهَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ وَالتَّعَصُّبُ وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ; وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَكَثْرَةِ الْكَذِبِ وَالْفِتَنِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَعْرِفْ طَوَائِفُ الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ كَذِبًا وَفِتَنًا وَمُعَاوَنَةً لِلْكُفَّارِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَة الضَّالَّةِ الْغَاوِيَةِ فَإِنَّهُمْ شَرٌّ مِنْ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ . وَأُولَئِكَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ } . وَهَؤُلَاءِ يُعَاوِنُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا أَعَانُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ التُّرْكِ وَالتَّتَارِ عَلَى مَا فَعَلُوهُ بِبَغْدَادَ وَغَيْرِهَا بِأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَعْدِنِ الرِّسَالَةِ وَلَدِ الْعَبَّاسِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَخَرَابِ الدِّيَارِ . وَشَرُّ هَؤُلَاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلَامِ . فَعَارَضَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ إمَّا مِنْ النَّوَاصِبِ الْمُتَعَصِّبِينَ عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَإِمَّا مِنْ الْجُهَّالِ الَّذِينَ قَابَلُوا الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ وَالْكَذِبَ بِالْكَذِبِ وَالشَّرَّ بِالشَّرِّ وَالْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ فَوَضَعُوا الْآثَارَ فِي شَعَائِرِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَالِاكْتِحَالِ وَالِاخْتِضَابِ وَتَوْسِيعِ النَّفَقَاتِ عَلَى الْعِيَالِ وَطَبْخِ الْأَطْعِمَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الْأَعْيَادِ وَالْمَوَاسِمِ فَصَارَ هَؤُلَاءِ يَتَّخِذُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَوْسِمًا كَمَوَاسِمِ الْأَعْيَادِ وَالْأَفْرَاحِ . وَأُولَئِكَ يَتَّخِذُونَهُ مَأْتَمًا يُقِيمُونَ فِيهِ الْأَحْزَانَ وَالْأَتْرَاحَ وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ أَسْوَأَ قَصْدًا وَأَعْظَمَ جَهْلًا وَأَظْهَرَ ظُلْمًا لَكِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ . فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } . وَلَمْ يَسُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا شَعَائِرِ الْحُزْنِ وَالتَّرَحِ وَلَا شَعَائِرِ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ : { مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى مِنْ الْغَرَقِ فَنَحْنُ نَصُومُهُ فَقَالَ : نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ . فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ } وَكَانَتْ قُرَيْشٌ أَيْضًا تُعَظِّمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَالْيَوْمُ الَّذِي أَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ كَانَ يَوْمًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ثُمَّ فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ ذَلِكَ الْعَامَ فَنُسِخَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ . وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ كَانَ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاجِبًا ؟ أَوْ مُسْتَحَبًّا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا ثُمَّ إنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَصُومُهُ مَنْ يَصُومُهُ اسْتِحْبَابًا وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَامَّةَ بِصِيَامِهِ بَلْ كَانَ يَقُولُ : { هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَأَنَا صَائِمٌ فِيهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَ } . وَقَالَ : { صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سِنَةً وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ } . وَلَمَّا كَانَ آخِرُ عُمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَلَغَهُ أَنَّ الْيَهُودَ يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا قَالَ : { لَئِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَن التَّاسِعَ } لِيُخَالِفَ الْيَهُودَ وَلَا يُشَابِهَهُمْ فِي اتِّخَاذِهِ عِيدًا وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ مَنْ لَا يَصُومُهُ وَلَا يَسْتَحِبُّ صَوْمَهُ ; بَلْ يَكْرَهُ إفْرَادَهُ بِالصَّوْمِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَة مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَسْتَحِبُّ صَوْمَهُ . وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَامَهُ أَنْ يَصُومَ مَعَهُ التَّاسِعَ ; لِأَنَّ هَذَا آخَرُ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ : { لَئِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَن التَّاسِعَ مَعَ الْعَاشِرِ } كَمَا جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَهَذَا الَّذِي سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا سَائِر الْأُمُورِ : مِثْلُ اتِّخَاذِ طَعَامٍ خَارِجٍ عَنْ الْعَادَةِ إمَّا حُبُوبٍ وَإِمَّا غَيْرِ حُبُوبٍ أَوْ فِي تَجْدِيدِ لِبَاسٍ أَوْ تَوْسِيعِ نَفَقَةٍ أَوْ اشْتِرَاءِ حَوَائِجَ الْعَامِ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ فِعْلُ عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ . كَصَلَاةِ مُخْتَصَّةٍ بِهِ أَوْ قَصْدُ الذَّبْحِ أَوْ ادِّخَارُ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ لِيَطْبُخَ بِهَا الْحُبُوبَ أَوْ الِاكْتِحَالُ أَوْ الِاخْتِضَابُ أَوْ الِاغْتِسَالُ أَوْ التَّصَافُحُ أَوْ التَّزَاوُرُ أَوْ زِيَارَةُ الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي لَمْ يَسُنُّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ وَلَا اسْتَحِبَّهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا مَالِكٌ وَلَا الثَّوْرِيُّ وَلَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَلَا أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا الأوزاعي وَلَا الشَّافِعِيِّ وَلَا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَلَا إسْحَاقَ بْنِ راهويه وَلَا أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ قَدْ كَانُوا يَأْمُرُونَ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَيَرْوُونَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ وَآثَارًا وَيَقُولُونَ : " إنَّ بَعْضَ ذَلِكَ صَحِيحٌ فَهُمْ مُخْطِئُونَ غَالَطُونِ بِلَا رَيْبٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ . وَقَدْ قَالَ حَرْبٌ الكرماني فِي مَسَائِلِهِ : سُئِلَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ : { مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ } فِلْم يَرَهُ شَيْئًا . وَأَعْلَى مَا عِنْدَهُمْ أَثَرٌ يُرْوَى عَنْ إبْرَاهِيمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : بَلَغَنَا { أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِر سَنَتِهِ } قَالَ سُفْيَانَ بْنِ عيينة جَرَّبْنَاهُ مُنْذُ سِتِّينَ عَامًا فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحًا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِمَّنْ سَمِعَ هَذَا وَلَا عَمَّنْ بَلَغَهُ فَلَعَلَّ الَّذِي قَالَ هَذَا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُقَابِلُوا الرَّافِضَةَ بِالْكَذِبِ : مُقَابَلَةَ الْفَاسِدِ بِالْفَاسِدِ وَالْبِدْعَةِ بِالْبِدْعَةِ . وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عيينة . فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِرِزْقِهِ وَلَيْسَ فِي إنْعَامِ اللَّهِ بِذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ كَانَ التَّوْسِيعَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى مَنْ هُمْ أَفْضَلُ الْخَلْقِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَمْ يَكُونُوا يَقْصِدُونَ أَنْ يُوَسِّعُوا عَلَى أَهْلِيهِمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بِخُصُوصِهِ وَهَذَا كَمَا أَنَّ كَثِيرً مِنْ النَّاسِ يَنْذُرُونَ نَذْرًا لِحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَيَقْضِي اللَّهُ حَاجَتَهُ فَيَظُنُّ أَنَّ النَّذْرَ كَانَ السَّبَبَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ : إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرِ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ } فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ حَاجَتَهُ إنَّمَا قُضِيَتْ بِالنَّذْرِ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنَّاسُ مَأْمُورُونَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتِّبَاعِ دِينِهِ وَسَبِيلِهِ وَاقْتِفَاءِ هُدَاهُ وَدَلِيلِهِ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى مَا عَظُمَتْ بِهِ النِّعْمَةُ حَيْثُ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ . { إنَّ خَيْرَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ; وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } . وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ مَشَى عَلَى الْمَاءِ لَمْ يُتَّبَعْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ رَأَى مِنْ رَجُلٍ مُكَاشَفَةً أَوْ تَأْثِيرًا فَاتَّبَعَهُ فِي خِلَافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ مِنْ جِنْسِ أَتْبَاعِ الدَّجَّالِ فَإِنَّ الدَّجَّالَ يَقُولُ لِلسَّمَاءِ : أَمْطِرِي فَتُمْطِرُ وَيَقُولُ لِلْأَرْضِ : أَنْبِتِي فَتُنْبِتُ وَيَقُولُ لِلْخَرِبَةِ أَخْرِجِي كُنُوزَك فَيَخْرُجُ مَعَهُ كُنُوزُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَقْتُلُ رَجُلًا ثُمَّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَقُومَ فَيَقُومُ وَهُوَ مَعَ هَذَا كَافِرٌ مَلْعُونٌ عَدُوٌّ لِلَّهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا قَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ : وَأَنَا أُنْذِرُكُمُوهُ إنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ - ك ف ر - يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ قَارِئٌ وَغَيْرُ قَارِئٍ وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ } . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ } . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ } . وَهَؤُلَاءِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ الشَّيَاطِينُ وَتُوحِي إلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ } { تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } { يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } وَمِنْ أَوَّلِ مَنْ ظَهَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ . وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الرَّحْمَانِيَّةِ : كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَوَّى بَيْنَ مُحَمَّدِ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ فَإِنَّ مُسَيْلِمَةَ كَانَ لَهُ شَيْطَانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِ وَيُوحِي إلَيْهِ . وَمِنْ عَلَامَاتِ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْأَحْوَالَ إذَا تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمْ وَقْتَ سَمَاعِ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ أَزْبَدُوا وَأَرْعَدُوا - كَالْمَصْرُوعِ - وَتَكَلَّمُوا بِكَلَامِ لَا يُفْقَهُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَتَكَلَّمُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ . وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ : أَنْ يَعْلَمَ الرَّجُلُ أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمْ الَّذِينَ نَعَتَهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ : { أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } فَكُلُّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا تَقِيًّا كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَمْ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا . فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ و لَإِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنهُ وَمَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ . وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ } . وَدِينُ الْإِسْلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ عَلَى أَلَّا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَأَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَ لَا نَعْبُدُهُ بِالْبِدَعِ . قَالَ تَعَالَى : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ الْمَسْنُونُ وَلِهَذَا كَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِك خَالِصًا وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا . وَلِهَذَا كَانَتْ أُصُولُ الْإِسْلَامِ تَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ : قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئِ مَا نَوَى } وَقَوْلُهُ : { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } . وَقَوْلُهُ : { الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ } وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .