وَسُئِلَ : عَمَّا فِي الْخَمِيسِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبِدَعِ
فَأَجَابَ : أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ سَوَّلَ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ فِي أَوَاخِرِ صَوْمِ النَّصَارَى وَهُوَ الْخَمِيسُ الْحَقِيرُ مِنْ الْهَدَايَا وَالْأَفْرَاحِ وَالنَّفَقَاتِ وَكُسْوَةِ الْأَوْلَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَصِيرُ بِهِ مِثْلَ عِيدِ الْمُسْلِمِينَ . وَهَذَا الْخَمِيسُ الَّذِي يَكُونُ فِي آخِرِ صَوْمِ النَّصَارَى : فَجَمِيعُ مَا يُحْدِثُهُ الْإِنْسَانُ فِيهِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ فَمِنْ ذَلِكَ خُرُوجُ النِّسَاءِ وَتَبْخِيرُ الْقُبُورِ وَوَضْعُ الثِّيَابِ عَلَى السَّطْحِ وَكِتَابَةُ الْوَرَقِ وَإِلْصَاقُهَا بِالْأَبْوَابِ وَاِتِّخَاذُهُ مَوْسِمًا لِبَيْعِ الْخُمُورِ وَشِرَائِهَا وَرَقْيُ الْبَخُورِ مُطْلَقًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ قَصْدُ شِرَاءِ الْبَخُورِ الْمَرْقِيِّ فَإِنَّ رَقْيَ الْبَخُورِ وَاِتِّخَاذَهُ قُرْبَانًا هُوَ دِينُ النَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ . وَإِنَّمَا الْبَخُورُ طِيبٌ يُتَطَيَّبُ بِدُخَانِهِ كَمَا يُتَطَيَّبُ بِسَائِرِ الطِّيبِ وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُهُ بِطَبْخِ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صَبْغِ الْبِيضِ . وَأَمَّا الْقِمَارُ بِالْبَيْضِ وَبَيْعُهُ لِمَنْ يُقَامِرُ بِهِ أَوْ شِرَاؤُهُ مِنْ الْمُقَامِرِينَ فَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ مِنْ أَخْذِ وَرَقِ الزَّيْتُونِ أَوْ الِاغْتِسَالِ بِمَائِهِ فَإِنَّ أَصْلَ ذَلِكَ مَاءُ الْمَعْمُودِيَّةِ . وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا تَرْكُ الْوَظَائِفِ الرَّاتِبَةِ مِنْ الصَّنَائِعِ وَالتِّجَارَاتِ أَوْ حِلَقِ الْعِلْمِ فِي أَيَّامِ عِيدِهِمْ وَاِتِّخَاذُهُ يَوْمَ رَاحَةٍ وَفَرْحَةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ . فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ عَنْ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانُوا يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الذَّبْحِ بِالْمَكَانِ إذَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ فِيهِ وَيَفْعَلُونَ أُمُورًا يَقْشَعِرُّ مِنْهَا قَلْبُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ - بَلْ يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ وَيُنْكِرُ الْمُنْكَرَ - كَمَا لَا يَتَشَبَّهُ بِهِمْ فَلَا يُعَانُ الْمُسْلِمُ الْمُتَشَبِّهُ بِهِمْ فِي ذَلِكَ بَلْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ . فَمَنْ صَنَعَ دَعْوَةً مُخَالِفَةً لِلْعَادَةِ فِي أَعْيَادِهِمْ لَمْ تَجِبْ دَعْوَتُهُ وَمَنْ أَهْدَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَدِيَّةً فِي هَذِهِ الْأَعْيَادِ مُخَالِفَةٌ لِلْعَادَةِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لَمْ تُقْبَلْ هَدِيَّتُهُ خُصُوصًا إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِمْ مِثْلَ إهْدَاءِ الشَّمْعِ وَنَحْوِهِ فِي الْمِيلَادِ وَإِهْدَاءِ الْبَيْضِ وَاللَّبَنِ وَالْغَنَمِ فِي الْخَمِيسِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي آخِرِ صَوْمِهِمْ وَهُوَ الْخَمِيسُ الْحَقِيرُ . وَلَا يُبَايِعُ الْمُسْلِمُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مُشَابَهَتِهِمْ فِي الْعِيدِ مِنْ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالْبَخُورِ ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إعَانَةً عَلَى الْمُنْكَرِ .