تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ طَوَافِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ .
12345
وَفِيهِ أَيْضًا تَقْدِيمُ الطَّوَافِ قَبْلَ وَقْتِهِ الثَّابِتِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ . وَالْمَنَاسِكُ قَبْلَ وَقْتِهَا لَا تُجْزِئُ . وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ مَعَ الْحَدَثِ وَبَيْنَ أَنْ لَا تَطُوفَهُ كَانَ أَنْ تَطُوفَهُ مَعَ الْحَدَثِ أَوْلَى فَإِنَّ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ نِزَاعًا مَعْرُوفًا وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَقُولُونَ : إنَّهَا فِي حَالِ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ إذَا طَافَتْ مَعَ الْحَيْضِ أَجْزَأَهَا وَعَلَيْهَا دَمٌ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهَا تَأْثَمُ بِذَلِكَ وَلَوْ طَافَتْ قَبْلَ التَّعْرِيفِ لَمْ يُجْزِئْهَا وَهَذَا الْقَوْلُ مَشْهُورٌ مَعْرُوفٌ . فَتَبَيَّنَ لَك أَنَّ الطَّوَافَ مَعَ الْحَيْضِ أَوْلَى مِنْ الطَّوَافِ قَبْلَ الْوَقْتِ . وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ : إنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِيهَا لَا شَرْطٌ فِيهَا وَالْوَاجِبَاتُ كُلُّهَا تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كُلَّ مَا يَجِبُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ فَلَيْسَ بِفَرْضِ وَإِنَّمَا الْفَرْضُ مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ . وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَمَّا أَسْقَطَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَائِضِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنِ ; بَلْ يَجْبُرُهُ دَمٌ . وَكَذَلِكَ الْمَبِيتُ بِمِنَى لَمَّا أَسْقَطَهُ عَنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضِ ; بَلْ هُوَ وَاجِبٌ يَجْبُرُهُ دَمٌ . وَكَذَلِكَ الرَّمْيُ لَمَّا جَوَّزَ فِيهِ لِلرُّعَاةِ وَأَهْلِ السِّقَايَةِ التَّأْخِيرَ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَيْسَ بِفَرْضِ . وَكَذَلِكَ لَمَّا رَخَّصَ لِلضَّعَفَةِ أَنْ يُفِيضُوا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بمزدلفة بَعْدَ الْفَجْرِ لَيْسَ بِفَرْضِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ يَجْبُرُهُ الدَّمُ . فَهَذَا حُجَّةٌ لِهَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَهَا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ كالطحاوي وَغَيْرِهِ . فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُمْ إنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا فِي الطَّوَافِ وَشَرْطًا فِيهِ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِدَمِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ مَا أُوجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ إنَّمَا هُوَ فَرْضٌ عِنْدَهُمْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ لَا يَجْبُرُ بِدَمِ . وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَتْ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةً فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ سَقَطَتْ مَعَ الْعَجْزِ كَمَا سَقَطَ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ مَعَ الْعَجْزِ كَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَكَمَا يُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ مِنْ حَاجَةٍ عَامَّةٍ كَالسَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ فَلَا فِدْيَةَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَسَائِرِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ بِخِلَافِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا مَعَ الْفِدْيَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ فِي الْجَمِيعِ . وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْمُحْتَاجَةُ إلَى الطَّوَافِ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ إنَّهُ يَلْزَمُهَا دَمٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . فَإِنَّ الدَّمَ يَلْزَمُهَا بِدُونِ الْعُذْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةً وَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ فَهَذَا غَايَةُ مَا يُقَالُ فِيهَا . وَالْأَقْيَسُ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ . وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ هَذَا وَاجِبًا يَجْبُرُهُ دَمٌ وَيُقَالَ : أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ فَهَذَا خِلَافُ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ . وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْمُضْطَرَّةَ إلَى الطَّوَافِ مَعَ الْحَيْضِ لَمَّا كَانَ فِي عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُفْتِيهَا بِالْإِجْزَاءِ مَعَ الدَّمِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُضْطَرَّةً . لَمْ تَكُنْ الْأُمَّةُ مُجَمَّعَةً عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهَا إلَّا الطَّوَافُ مَعَ الطُّهْرِ مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ مَعَ الْمُنَازِعِ الْقَائِلِ بِذَلِكَ لَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُسْتَلْزِمٌ لِجَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا ؟ وَأَنَّ قَوْلَ النفاة لِلْوُجُوبِ أَظْهَرُ . فَلَمْ تُجْمِعْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا وَلَا عَلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ الطَّهَارَةِ شَرْطٌ فِي الطَّوَافِ . وَأَمَّا الَّذِي لَا أَعْلَمُ فِيهِ نِزَاعًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَطُوفَ مَعَ الْحَيْضِ إذَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى الطَّوَافِ مَعَ الطُّهْرِ فَمَا أَعْلَمُ مُنَازِعًا أَنَّ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا وَتَأْثَمُ بِهِ وَتَنَازَعُوا فِي إجْزَائِهِ : فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْزِئُهَا ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد فَإِنَّ أَحْمَد نَصَّ فِي رِوَايَةٍ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ إذَا طَافَ نَاسِيًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى حَالِ النِّسْيَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا إذْ لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا سَقَطَتْ بِالنِّسْيَانِ ; لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا مِنْ بَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ ; بِخِلَافِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِ أَحْمَد أَنَّهُ إذَا صَلَّى نَاسِيًا لَهَا أَوْ جَاهِلًا بِهَا لَا يُعِيدُ . لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَإِذَا فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا بِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إثْمٌ فَيَكُونُ وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ . ثُمَّ إنَّ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ قَالَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الطَّوَافِ لَيْسَتْ عِنْدَهُ رُكْنًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَلْ وَاجِبَةٌ تُجْبَرُ بِدَمِ وَحَكَى هَؤُلَاءِ فِي صِحَّةِ طَوَافِ الْحَائِضِ رِوَايَتَيْنِ . إحْدَاهُمَا : لَا يَصِحُّ وَالثَّانِيَةُ : يَصِحُّ وَتَجْبُرُهُ بِدَمِ . وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا أَبُو الْبَرَكَاتِ وَغَيْرُهُ كَذَلِكَ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَنَّ هَذَا النِّزَاعَ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ . فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ . وَذَكَرَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ : رِوَايَةٌ يُجْزِئُهُ الطَّوَافُ مَعَ الْجَنَابَةِ نَاسِيًا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ . وَرِوَايَةٌ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا . وَرِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ النِّزَاعَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد إنَّمَا هُوَ فِي الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ دُونَ الْحَائِضِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ . بَلْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَنَّ النِّزَاعَ فِي الْحَائِضِ وَغَيْرِهَا وَكَلَامُ أَحْمَد يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَقِّفًا فِي طَوَافِ الْحَائِضِ وَفِي طَوَافِ الْجُنُبِ وَكَانَ يَذْكُرُ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي " الشَّافِي " عَنْ الميموني قَالَ : قُلْت لِأَحْمَدَ : مَنْ سَعَى وَطَافَ طَوَافَ الْوَاجِبِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ وَاقَعَ أَهْلَهُ فَقَالَ : هَذِهِ مَسْأَلَةٌ النَّاسُ فِيهَا مُخْتَلِفُونَ وَذَكَرَ قَوْلَ ابْنُ عُمَرَ وَمَا يَقُولُ عَطَاءٌ وَمَا يُسَهِّلُ فِيهِ وَمَا يَقُولُ الْحَسَنُ { وَأَمْرَ عَائِشَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَاضَتْ : افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ إنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ } فَقَدْ بُلِيَتْ بِهِ نَزَلَ بِهَا لَيْسَ مِنْ قِبَلِهَا . قَالَ الميموني : قُلْت : فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَقَالَ : نَعَمْ كَذَلِكَ أَكْثَرُ عِلْمِي وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا هِيَ مَسْأَلَةٌ مُشْتَبِهَةٌ فِيهَا نَظَرٌ دَعْنِي حَتَّى أَنْظُرَ فِيهَا . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ يَرْجِعُ حَتَّى يَطُوفَ . قُلْت : وَالنِّسْيَانُ قَالَ : وَالنِّسْيَانُ أَهْوَنُ حُكْمًا بِكَثِيرِ ؟ يُرِيدُ أَهْوَنُ مِمَّنْ يَطُوفُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَعَمِّدًا . قَالَ أبو بكر عبد العزيز : قَدْ بَيَّنَّا أَمْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فِي أَحْكَامِ الطَّوَافِ عَلَى قَوْلَيْنِ يَعْنِي لِأَحْمَدَ . أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ : إذَا طَافَ الرَّجُلُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ أَنَّ الطَّوَافَ يُجْزِئُ عَنْهُ إذَا كَانَ نَاسِيًا . وَالْقَوْلُ الْآخَرُ : أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَكُونَ طَاهِرًا فَإِنْ وَطِئَ وَقَدْ طَافَ غَيْرَ طَاهِرٍ نَاسِيًا فَعَلَى قَوْلَيْنِ : مِثْلَ قَوْلِهِ فِي الطَّوَافِ فَمَنْ أَجَازَ الطَّوَافَ غَيْرَ طَاهِرٍ قَالَ تَمَّ حَجُّهُ وَمَنْ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا طَاهِرًا رَدَّهُ مِنْ أَيِّ الْمَوَاضِعِ ذَكَرَ حَتَّى يَطُوفَ . قَالَ : وَبِهَذَا أَقُولُ . فأبو بكر وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد يَقُولُونَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يُجْزِئُهُ مَعَ الْعُذْرِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَكَلَامُ أَحْمَد بَيِّنٌ فِي هَذَا . وَجَوَابُ أَحْمَد الْمَذْكُورُ يُبَيِّنُ أَنَّ النِّزَاعَ عِنْدَهُ فِي طَوَافِ الْحَائِضِ وَغَيْرِهِ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمَا التَّسْهِيلُ فِي هَذَا . وَمِمَّا نُقِلَ عَنْ عَطَاءٌ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فَإِنَّهَا تُتِمُّ طَوَافَهَا وَهَذَا صَرِيحٌ عَنْ عَطَاءٌ أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ الْحَيْضِ لَيْسَتْ شَرْطًا وَقَوْلُهُ : مِمَّا اعْتَدَّ بِهِ أَحْمَد وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَأَنَّ { قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ } يُبَيِّنُ أَنَّهُ أَمْرٌ بَلِيَتْ بِهِ نَزَلَ عَلَيْهَا لَيْسَ مِنْ قِبَلِهَا فَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِي ذَلِكَ . وَلِهَذَا تَعَذَّرَ إذَا حَاضَتْ وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ فَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهَا بَلْ تُقِيمُ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ اُضْطُرَّتْ إلَى الْمُقَامِ فِي الْمَسْجِدِ أَقَامَتْ بِهِ وَكَذَلِكَ إذَا حَاضَتْ فِي صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا تَشْهَدُ الْمَنَاسِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ وَتَشْهَدُ الْعِيدَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا كَرَاهَةٍ وَتَدْعُو وَتَذْكُرُ اللَّهَ وَالْجُنُبُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَهَذِهِ عَاجِزَةٌ عَنْهَا فَهِيَ مَعْذُورَةٌ كَمَا عَذَرَهَا مِنْ جَوَّزَ لَهَا الْقِرَاءَةَ بِخِلَافِ الْجُنُبِ الَّذِي يُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ فَالْحَائِضُ أَحَقُّ بِأَنْ تُعْذَرَ مِنْ الْجُنُبِ الَّذِي طَافَ مَعَ الْجَنَابَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ وَهَذِهِ تَعْجِزُ عَنْ الطِّهَارَةِ وَعُذْرُهَا بِالْعَجُزِ وَالضَّرُورَةِ أَوْلَى مِنْ عُذْرِ الْجُنُبِ بِالنِّسْيَانِ فَإِنَّ النَّاسِيَ لَمَّا أُمِرَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِهَا إذَا ذَكَرَهَا وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ لِلصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ وَيُصَلِّيَ إذَا ذَكَرَ ; بِخِلَافِ الْعَاجِزِ عَنْ الشَّرْطِ : مِثْلَ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ كَذَلِكَ الْعَاجِزِ عَنْ سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ : كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ وَعَنْ تَكْمِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَعَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ هَذَا يَسْقُطُ عَنْهُ كُلُّ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْعِبَادَاتِ . فَهَذِهِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّوَافُ عَلَى الطَّهَارَةِ سَقَطَ عَنْهَا مَا تَعْجِزُ عَنْهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا الطَّوَافُ الَّذِي تَقْدِرُ عَلَيْهِ بِعَجْزِهَا عَمَّا هُوَ رُكْنٌ فِيهِ أَوْ وَاجِبٌ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَهَذِهِ لَا تَسْتَطِيعُ إلَّا هَذَا وَقَدْ اتَّقَتْ اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهَا غَيْرُ ذَلِكَ .