تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَلْ الْأَفْضَلُ الْمُجَاوَرَةُ بِمَكَّةَ ؟ أَوْ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ؟ أَوْ بِثَغْرِ مِنْ الثُّغُورِ لِأَجْلِ الْغَزْوِ ؟ وَفِيمَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي } . و { مَنْ زَارَ الْبَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي } وَهَلْ زِيَارَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
12
وَقَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ : { مَنْ زَارَ قَبْرِي فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي } وَأَمْثَالُ هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا رُوِيَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْهَا شَيْئًا : لَا أَصْحَابُ الصَّحِيحِ : كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ . وَلَا أَصْحَابُ السُّنَنِ : كَأَبِي داود والنسائي . وَلَا الْأَئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ الْمَسَانِيدِ : كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَأَمْثَالِهِ وَلَا اعْتَمَدَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ والأوزاعي وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَمْثَالِهِمْ ; بَلْ عَامَّةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا كَذِبٌ مَوْضُوعَةٌ كَقَوْلِهِ : { مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبِي فِي عَامٍ وَاحِدٍ ضَمِنْت لَهُ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ } وَقَوْلِهِ : { مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي } فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَنَحْوَهَا كَذِبٌ . وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الدارقطني وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَمَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ قَبْرِهِ وَلَا قَبْرِ الْخَلِيلِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ أَصْلًا ; بَلْ إنَّمَا اعْتَمَدَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَحَادِيثِ السَّلَامِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْ رَجُلٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ } رَوَاهُ أَبُو داود وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِقَبْرِي مَلَائِكَةً يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ } رَوَاهُ النسائي وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمْعَةِ : فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ قَالُوا : كَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْك وَقَدْ أَرَمْت ؟ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لُحُومَ الْأَنْبِيَاءِ } رَوَاهُ أَبُو داود وَغَيْرُهُ . وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلَ : زُرْت قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالُوا : لِأَنَّ لَفْظَ الزِّيَارَةِ قَدْ صَارَتْ فِي عُرْفِ النَّاسِ تَتَضَمَّنُ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَإِنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ عَلَى وَجْهَيْنِ : وَجْهٌ شَرْعِيٌّ وَوَجْهٌ بِدْعِيٌّ . " فَالزِّيَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ " مَقْصُودُهَا السَّلَامُ عَلَى الْمَيِّتِ وَالدُّعَاءُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ نَبِيًّا أَوْ غَيْرَ نَبِيٍّ . وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ إذَا زَارُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَيَدْعُونَ لَهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَقِفُ عِنْدَ قَبْرِهِ لِيَدْعُوَ لِنَفْسِهِ ; وَلِهَذَا كَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ وَقَالُوا : إنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ . وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ : إذَا سَلَّمَ الْمُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَأَرَادَ الدُّعَاءَ لِنَفْسِهِ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ بَلْ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَتَنَازَعُوا وَقْتَ السَّلَامِ عَلَيْهِ : هَلْ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ أَوْ يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد : يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ . وَهَذَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ أَلَّا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } . وَلِهَذَا اتَّفَقَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَلِمُ قَبْرًا مِنْ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَلَا يَتَمَسَّحُ بِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ وَلَا قَصْدُهُ لِلدُّعَاءِ عِنْدَهُ أَوْ بِهِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ كَانَتْ مِنْ أَسْبَابِ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ فِي قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ فَعَبَدُوهُمْ . وَهَذِهِ الْأُمُورُ وَنَحْوُهَا هِيَ مِنْ " الزِّيَارَةِ الْبِدْعِيَّةِ " وَهِيَ مِنْ جِنْسِ دِينِ النَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الزَّائِرِ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعَاؤُهُ عِنْدَ الْقَبْرِ أَوْ أَنْ يَدْعُوَ الْمَيِّتَ وَيَسْتَغِيثَ بِهِ وَيَطْلُبَ مِنْهُ أَوْ يُقْسِمُ بِهِ عَلَى اللَّهِ فِي طَلَبِ حَاجَاتِهِ وَتَفْرِيجِ كُرُبَاتِهِ . فَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَشْرَعْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فَعَلَهَا أَصْحَابُهُ . وَقَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَقْصِدُ زِيَارَةَ " قَبْرِ الْخَلِيلِ " بَلْ كَانُوا يَأْتُونَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَطْ طَاعَةً لِلْحَدِيثِ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا } . وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الدِّينِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ نَذَرَ السَّفَرَ إلَى زِيَارَةِ " قَبْرِ الْخَلِيلِ " و " الطُّورِ " الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ " جَبَلِ حِرَاءَ " وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ وَهَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } وَالسَّفَرُ إلَى هَذِهِ الْبِقَاعِ مَعْصِيَةٌ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ حَتَّى صَرَّحَ مَنْ يَقُولُ : إنَّ الصَّلَاةَ لَا تُقْصَرُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ بِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا السَّفَرِ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَلَوْ نَذَرَ إتْيَانَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالِاتِّفَاقِ . وَلَوْ نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ : فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ . أَظْهَرُهُمَا وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهِ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ . وَالثَّانِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا بِالشَّرْعِ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِكُلِّ نَذْرٍ هُوَ طَاعَةٌ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } وَلَمْ يَسْتَثْنِ طَاعَةً مِنْ طَاعَةٍ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَحِبُّونَ السَّفَرَ لِشَيْءِ مِنْ زِيَارَاتِ الْبِقَاعِ : لَا آثَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا قُبُورِهِمْ وَلَا مَسَاجِدِهِمْ ; إلَّا الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ ; بَلْ إذَا فَعَلَ بَعْضُ النَّاسِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَمَا أَنْكَرُوا عَلَى مَنْ زَارَ الطُّورَ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى حَتَّى إنَّ " غَارَ حِرَاءَ " الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَبَّدُ فِيهِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ لَمْ يَزُرْهُ هُوَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَذَا الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ فِي الْقُرْآنِ . وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ فِي بَعْضِ الْأَسْفَارِ : فَرَأَى قَوْمًا يَتَنَاوَبُونَ مَكَانًا يُصَلُّونَ فِيهِ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : مَكَانٌ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ : وَمَكَانٌ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَتَّخِذُوا أَثَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَكُمْ مَسَاجِدَ إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِهَذَا : مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَإِلَّا فَلْيَمْضِ . وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشْرَعْ لِلْمُسْلِمِينَ مَكَانًا يَتَنَاوَبُونَهُ لِلْعِبَادَةِ إلَّا الْمَسَاجِدَ خَاصَّةً فَمَا لَيْسَ بِمَسْجِدِ لَمْ يَشْرَعْ قَصْدَهُ لِلْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَ مَكَانَ نَبِيٍّ أَوْ قَبْرَ نَبِيٍّ . ثُمَّ إنَّ الْمَسَاجِدَ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُتَّخَذَ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَمَا قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } وَهَذَانِ حَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحِ . وَفِي الْمُسْنَدِ وَصَحِيحِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَاَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ } بَلْ قَدْ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي الْمَقْبَرَةِ عُمُومًا ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ ; إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ } وَهَذِهِ الْمَعَانِي قَدْ نَصَّ عَلَيْهَا أَئِمَّةُ الدِّينِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِمْ ; بَلْ ذَلِكَ مَنْقُولٌ عَنْ أَنَسٍ .