مَا قَوْلُ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الدِّينِ فِي مَنْ يَنْزِلُ بِهِ حَاجَةٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَأْتِي قَبْرَ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الصُّلَحَاءِ ثُمَّ يَدْعُو عِنْدَهُ فِي كَشْفِ كُرْبَتِهِ . فَهَلْ ذَلِكَ سُنَّةٌ أَمْ بِدْعَةٌ ؟ وَهَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ فَقَدْ تُقْضَى حَوَائِجُهُمْ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ ؟ وَمَا الْعِلَّةُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ ؟ أَفْتُونَا .
فَصْلٌ وَهَذَا كَافٍ لَوْ لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مِنْ النَّهْيِ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ; كَيْفَ وَسُنَّتُهُ الْمُتَوَاتِرَةُ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ . مِثْلَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ : { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } وَلَوْلَا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ ; غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ - أَوْ خُشِيَ - أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا . وَهَذَا بَعْضُ أَلْفَاظِ الْبُخَارِيِّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { لَمَّا كَانَ مَرَضُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ وَذَكَرْنَ مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ وَقَالَ : إنَّ أُولَئِكَ إذَا مَاتَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ } . وَهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَفِيضٌ عَنْهُ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُنْدُبٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسِ : { إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ - أَوْ قَالَ - قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } وَفِيهِ : { لَوْ كُنْت مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاِتَّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ } وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ وُجُوهٍ وَفِيهِ : { لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إلَّا سُدَّتْ ; إلَّا خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ } . بَيْنَ هَذَيْنَ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ تَوَاتَرَا عَنْهُ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ : مِنْ ذِكْرِ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ وَمِنْ نَهْيِهِ عَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ فَبِهِمَا حَسْمُ مَادَّةِ الشِّرْكِ الَّتِي أُفْسِدَ بِهَا الدِّينُ وَظَهَرَ بِهَا دِينُ الْمُشْرِكِينَ . فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ عَنْ قَوْمِ نُوحٍ : { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا } . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : صَارَتْ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ تُعْبَدُ ; أَمَّا ( وَدٌّ : فَكَانَتْ لِكَلْبِ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَأَمَّا ( سُوَاعٌ : فَكَانَتْ لهذيل وَأَمَّا ( يَغُوثُ : فَكَانَتْ لِمُرَادِ ثُمَّ لِبَنِي غطيف بِالْجَرْفِ عِنْدَ سَبَأٍ وَأَمَّا ( يَعُوقُ : فَكَانَتْ لهمدان وَأَمَّا ( نَسْرٌ : فَكَانَتْ لَحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الْكَلَامِ ; وَكَانَتْ أَسْمَاءَ رِجَالٍ صَالِحِينَ مَنَّ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا : أَوْحَى الشَّيْطَانُ إلَى قَوْمِهِمْ : أَنْ انْصِبُوا إلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا وَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَنُسِخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ . وَقَدْ ذَكَرَ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَعْنَى طَوَائِفُ مَنْ السَّلَفِ فِي " كُتُبِ التَّفْسِيرِ " . و " قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ " وَغَيْرِهَا : أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ . ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْكُفُونَ عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصْحَبُونَ تَمَاثِيلَهُمْ مَعَهُمْ فِي السَّفَرِ يَدْعُونَ عِنْدَهَا وَلَا يَعْبُدُونَهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ : عُبِدَتْ الْأَوْثَانُ . وَلِهَذَا : جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْقُبُورِ وَالصُّوَرِ ; فِي غَيْرِ حَدِيثٍ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ { أَبِي الهياج الأسدي قَالَ : قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَلَا أَبْعَثُك عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْته وَلَا تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْته } . فَأَمَرَهُ بِمَحْوِ الصُّوَرِ وَتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الصَّحِيحِ : { إنَّ أُولَئِكَ إذَا مَاتَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ التَّصَاوِيرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخُلُقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } . وَالْأَحَادِيثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَالصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ : كَثِيرَةٌ جِدًّا مِثْلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ } رَوَاهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ . وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ } رَوَاهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ وَأَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ . وَرَوَى أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ مَنْ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا } . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الغنوي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تُصَلُّوا إلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا } . وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ : الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ } رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَى أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى بَيْنَ الْقُبُورِ } وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ } رَوَاهُ أَحْمَد وَأَهْلُ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : فِيهِ اضْطِرَابٌ ; لِأَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ أَرْسَلَهُ ; لَكِنَّ غَيْرَ التِّرْمِذِيِّ جَزَمَ بِصِحَّتِهِ لِأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الثِّقَاتِ أَسْنَدُوهُ وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا . وَفِي سُنَنِ أَبِي داود { عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : إنَّ خَلِيلِي نَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَقْبَرَةِ وَنَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرْضِ بَابِلَ } . وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا . وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَقْبَرَةِ نُهِيَ عَنْهَا مِنْ أَجْلِ النَّجَاسَةِ ; لِاخْتِلَاطِ تُرْبَتِهَا بِصَدِيدِ الْمَوْتَى وَلُحُومِهِمْ وَهَؤُلَاءِ قَدْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَقْبَرَةِ الْجَدِيدَةِ . وَالْقَدِيمَةُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَائِلٌ أَوْ لَا يَكُونَ . وَالتَّعْلِيلُ بِهَذَا لَيْسَ مَذْكُورًا فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ لَا نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا وَإِنَّمَا هِيَ عِلَّةٌ ظَنُّوهَا وَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي زَمَنِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ : إنَّمَا هُوَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْمُشْرِكِينَ وَأَنْ تَصِيرَ ذَرِيعَةً إلَى الشِّرْكِ ; وَلِهَذَا نَهَى عَنْ اتِّخَاذِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ . وَقَالَ : { إنَّ أُولَئِكَ إذَا مَاتَ فِيهِمْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ التَّصَاوِيرَ } . وَقَالَ : { إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ } وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ إلَيْهَا . وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّهْيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ . فَمَقَابِرُ الْأَنْبِيَاءِ لَا تُنْتِنُ بَلْ الْأَنْبِيَاءُ لَا يَبْلُونَ وَتُرَابُ قُبُورِهِمْ طَاهِرٌ وَالنَّجَاسَةُ أَمَامَ الْمُصَلِّي لَا تُبْطِلُ صَلَاتَهُ وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ كَانُوا يَفْرِشُونَ عِنْدَ الْقُبُورِ الْمَفَارِشَ الطَّاهِرَةَ فَلَا يُلَاقُونَ النَّجَاسَةَ وَمَعَ أَنَّ الَّذِينَ يُعَلِّلُونَ بِالنَّجَاسَةِ لَا يَنْفُونَ هَذِهِ الْعِلَّةَ ; بَلْ قَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ النَّهْيَ عَنْ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِخَشْيَةِ التَّشَبُّهِ بِذَلِكَ . وَقَدْ نَصَّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ ; مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَمِنْ فُقَهَاءَ الْكُوفَةِ أَيْضًا وَصَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ وَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ بَعْدَ لَعْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُبَالَغَتِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ . وَاِتِّخَاذُهَا مَسَاجِدُ يَتَنَاوَلُ شَيْئَيْنِ : أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا مَسْجِدًا أَوْ يُصَلِّيَ عِنْدَهَا مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ وَهُوَ الَّذِي خَافَهُ هُوَ وَخَافَتْهُ الصَّحَابَةُ إذَا دَفَنُوهُ بَارِزًا : خَافُوا أَنْ يُصَلَّى عِنْدَهُ فَيُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا . وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ } رُوِيَ ذَلِكَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا وَفِي سُنَنِ أَبِي داود أَنَّهُ قَالَ : { لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا . وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي } . وَمَا يَرْوِيهِ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِمَسْجِدِ الْخَلِيلِ أَوْ صَلَّى عِنْدَ قَبْرِ الْخَلِيلِ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ تُوصَفُ بِالصَّلَاحِ ; بَلْ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ } . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ . فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الدُّعَاءُ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَفْضَلَ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ غَيْرِهَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُسْتَحَبَّ الصَّلَاةُ فِي تِلْكَ الْبِقَاعِ وَاِتِّخَاذُهَا مَسَاجِدَ ; فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَقْرُونَةٌ بِالدُّعَاءِ ; وَلِهَذَا لَا يَقُولُ مُسْلِمٌ إنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ كَأَعْطَانِ الْإِبِلِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ وَالْمَوَاضِعِ النَّجِسَةِ يَكُونُ الدُّعَاءُ فِيهِ أَفْضَلَ مِنْ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِهِ ; بَلْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : فَقَدْ رَاغَمَ الرَّسُولَ وَجَعَلَ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الشِّرْكِ وَأَسْبَابِ الشِّرْكِ مُمَاثِلًا أَوْ مُفَضَّلًا عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ التَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ . وَمِنْ هُنَا أَدْخَلَ أَهْلُ النِّفَاقِ فِي الْإِسْلَامِ مَا أَدْخَلُوهُ فَإِنَّ الَّذِي ابْتَدَعَ دِينَ الرَّافِضَةِ كَانَ زِنْدِيقًا يَهُودِيًّا أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَبْطَنَ الْكُفْرَ لِيَحْتَالَ فِي إفْسَادِ دِينِ الْمُسْلِمِينَ - كَمَا احْتَالَ بُولِصَ " فِي إفْسَادِ دِينِ النَّصَارَى - سَعَى فِي الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ وَفِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَسْتَجِيبُ لِلْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا تَفَرَّقَتْ الْأُمَّةُ ابْتَدَعَ مَا ادَّعَاهُ فِي الْإِمَامَةِ مِنْ النَّصِّ وَالْعِصْمَةِ وَأَظْهَرَ التَّكَلُّمَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ . وَصَادَفَ ذَلِكَ قُلُوبًا فِيهَا جَهْلٌ وَظُلْمٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَافِرَةً ; فَظَهَرَتْ بِدْعَةُ التَّشَيُّعِ الَّتِي هِيَ مِفْتَاحُ بَابِ الشِّرْكِ ثُمَّ لَمَّا تَمَكَّنَتْ الزَّنَادِقَةُ أَمَرُوا بِبِنَاءِ الْمَشَاهِدِ وَتَعْطِيلِ الْمَسَاجِدِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّهُ لَا تُصَلَّى الْجُمْعَةُ وَالْجَمَاعَةُ إلَّا خَلْفَ الْمَعْصُومِ . وَرَوَوْا فِي إنَارَةِ الْمَشَاهِدِ وَتَعْظِيمِهَا وَالدُّعَاءِ عِنْدَهَا مِنْ الْأَكَاذِيبِ مَا لَمْ أَجِدْ مِثْلَهُ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ أَكَاذِيبِ أَهْلِ الْكِتَابِ ; حَتَّى صَنَّفَ كَبِيرُهُمْ ابْنُ النُّعْمَانِ كِتَابًا فِي " مَنَاسِكَ حَجِّ الْمَشَاهِدِ " وَكَذَبُوا فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَكَاذِيبَ بَدَّلُوا بِهَا دِينَهُ وَغَيَّرُوا مِلَّتَهُ . وَابْتَدَعُوا الشِّرْكَ الْمُنَافِيَ لِلتَّوْحِيدِ فَصَارُوا جَامِعِينَ بَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكَذِبِ كَمَا قَرَنَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ : { وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } { حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } { وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } } . وَهَذَا الْحَقُّ لِلَّهِ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ { قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ : يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : حَقُّهُ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا . يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : حَقُّهُمْ عَلَيْهِ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ إنْ أَنْتُمْ إلَّا مُفْتَرُونَ } وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ مُتَعَدِّدٌ : يَصِفُ أَهْلَ الشِّرْكِ بِالْفِرْيَةِ ؟ وَلِهَذَا طَالَبَهُمْ بِالْبُرْهَانِ وَالسُّلْطَانِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ } وَفِي قَوْلِهِ : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وَقَالَ : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } { مُنِيبِينَ إلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } { وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إلَيْهِ ثُمَّ إذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } { لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } { أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ } . وقَوْله تَعَالَى { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا } لِأَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ الْأَوَّلِينَ والآخرين كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلَّا نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا : أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَأَنْ تناصحوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ } . وَلِهَذَا كَانَ الْمُتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ لَمَّا كَانَ فِيهِمْ مِنْ الشِّرْكِ مَا فِيهِمْ قَدْ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا . فَتَجِدُ كُلَّ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ مَتْبُوعَهُمْ أَوْ نَبِيَّهُمْ وَيَقُولُونَ : الدُّعَاءُ عِنْدَ قَبْرِهِ يُسْتَجَابُ وَقُلُوبُهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ كَمَا أَنَّ عُبَّادَ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ كُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ فَهُوَ يَعْبُدُ مَا يَأْلَهُهُ ; وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ . ثُمَّ إنَّهُمْ يُسَمُّونَ ذَلِكَ " زِيَارَةً " وَهُوَ اسْمٌ شَرْعِيٌّ وَضَعُوهُ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ " الزِّيَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ " الَّتِي سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ : تَتَضَمَّنُ السَّلَامَ عَلَى الْمَيِّتِ وَالدُّعَاءَ لَهُ ; بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَتِهِ فَالْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ قَصْدُهُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَرْحَمُ الْمَيِّتَ بِدُعَائِهِ وَيُثِيبُهُ هُوَ عَلَى صَلَاتِهِ كَذَلِكَ الَّذِي يَزُورُ الْقُبُورَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُو لَهُمْ يُرْحَمُونَ بِدُعَائِهِ وَيُثَابُ هُوَ عَلَى إحْسَانِهِ إلَيْهِمْ وَأَيْنَ قَصْدُ النَّفْعِ لِلْمَيِّتِ مَنْ قَصْدِ الشِّرْكِ بِهِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بريدة قَالَ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا لِلْمَقَابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ أَنْتُمْ لَنَا فَرْطٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَة } . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { عَنْ عَائِشَةَ : قُلْت كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : قُولِي : السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِين وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ } .