مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
وَأَمَّا مَنْ اتَّبَعَ دِينًا مُبَدِّلًا مَا شَرَعَهُ اللَّهُ أَوْ دِينًا مَنْسُوخًا فَهَذَا قَدْ خَرَجَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ كَالْيَهُودِ الَّذِينَ بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ كَذَّبُوا الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالنَّصَارَى الَّذِينَ بَدَّلُوا الْإِنْجِيلَ وَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ بَلْ هُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمْ فِيمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ الْحَقِّ وَابْتَدَعُوهُ مِنْ الْبَاطِلِ . وَكَذَلِكَ كُلُّ مُبْتَدِعٍ خَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَ بِبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْحَقِّ وَابْتَدَعَ مِنْ الْبَاطِلِ مَا لَمْ تَشْرَعْهُ الرُّسُلُ . فَالرَّسُولُ بَرِيءٌ مِمَّا ابْتَدَعَهُ وَخَالَفَهُ فِيهِ . قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنَّهُمْ حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا وَشَرَعُوا دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فَقَالَ تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } وَالسُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدِّينِ الْعَامَ الَّذِي بُعِثَ بِهِ جَمِيعُ الرُّسُلِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ . وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ . وَأُمَّتُهُ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ . وَقَدْ بَعَثَهُ اللَّهُ بِأَفْضَلِ الْكُتُبِ وَأَفْضَلِ الشَّرَائِعِ . وَأَكْمَلَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الدِّينَ . وَأَتَمَّ عَلَيْهِ النِّعْمَةَ . وَرَضِيَ لَهُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا . وَهُوَ قَدْ دَعَا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } { صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَتَّبِعَ هَذَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَلَا نَعْدِلَ عَنْهُ إلَى السُّبُلِ الْمُبْتَدَعَةِ . فَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } { وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا وَخَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إلَيْهِ . ثُمَّ قَرَأَ : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } } وَلِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نَقُولَ فِي صَلَاتِنَا : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ } . وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمُتْ حَتَّى بَيَّنَ الدِّينَ وَأَوْضَحَ السَّبِيلَ وَقَالَ : { تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ النَّقِيَّةِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إلَّا هَالِكٌ } . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا تَرَكْت مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ وَلَا مِنْ شَيْءٍ يُبْعِدُكُمْ عَنْ النَّارِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ } . وَقَالَ { إنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَكَلَّمُونَ فِي الدِّينِ بِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَوْ حَرَامٌ أَوْ مُبَاحٌ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ . وَمَا دَلَّا عَلَيْهِ . وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ حَقٌّ جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ; فَإِنَّ أُمَّتَهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ كَمَا أَخْبَرَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ أَنْ تَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ } . وَمَا تَنَازَعُوا فِيهِ رَدُّوهُ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } كَمَا كَانَ السَّلَفُ يَفْعَلُونَ فَقَدْ يَكُونُ عِنْدَ هَذَا حَدِيثٌ سَمِعَهُ أَوْ مَعْنًى فَهِمَهُ خَفِيَ عَلَى الْآخَرِ وَالْآخَرُ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ أَيْضًا . وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا خَفِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ } . وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ إذَا أَغْيَمَتْ السَّمَاءُ كُلٌّ بِاجْتِهَادِهِ فَكُلُّهُمْ مُطِيعٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ لَكِنَّ الَّذِي أَصَابَ جِهَةَ الْكَعْبَةِ وَاحِدٌ وَلَهُ أَجْرَانِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } فَأَثْنَى تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّينَ جَمِيعًا مَعَ أَنَّهُ خَصَّ أَحَدَهُمَا بِفَهْمِ تِلْكَ الْحُكُومَةِ . وَالدِّينُ كُلُّهُ مَأْخُوذٌ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لِأَحَدِ بَعْدَهُ أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ دِينِهِ شَيْئًا . هَذَا دِينُ الْمُسْلِمِينَ . بِخِلَافِ النَّصَارَى فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ لِعُلَمَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ أَنْ يَشْرَعُوا شَرْعًا يُخَالِفُ شَرْعَ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَامَ فَأَطَاعُوهُمْ وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَالَ فَأَطَاعُوهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ عِبَادَتَهُمْ إيَّاهُمْ } . وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَكَلَّمُونَ فِي شَيْءٍ أَنَّهُ عِبَادَةٌ وَطَاعَةٌ وَقُرْبَةٌ إلَّا بِدَلِيلِ شَرْعِيٍّ وَاتِّبَاعٍ لِمَنْ قَبْلُهُمْ لَا يَتَكَلَّمُونَ فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } . وَقَدْ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الدِّينِ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ السَّفَرُ إلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى . بِخِلَافِ غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ; لِأَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } .